1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عام على حرب السودان: لماذا فشلت كل محاولات الحل حتى الآن؟

١١ أبريل ٢٠٢٤

تدخل الحرب في السودان عامها الثاني وسط نزوح الملايين مع تحذيرات دولية من مجاعة هائلة في دولة دمرت بنيتها التحتية بشكل شبه كامل. يأتي هذا في ظل أدوار مثيرة للجدل لدول إقليمية ما يتسبب بإطالة الحرب وتراجع الأمل في السلام.

الدخان يتصاعد أثناء القتال في العاصمة السودانية الخرطوم، في 3 مايو 2023.
يرى خبراء أن الأزمة في السودان أعمق من اقتتال طرفين مسلحين على السلطةصورة من: AFP

مر عام على اندلاع الحرب الأهلية في السودان، تاركةً وراءها دمارًا هائلاً ومعاناة إنسانية لا تُطاق. ورغم الجهود الدولية الحثيثة، لا تزال بوادر الوصول إلى حل بعيدة المنال في ظل اشتداد حدة الصراع مع مرور الوقت.

ما السبب الحقيقي للصراع؟

قد يرى البعض أن سبب الأزمة هو التنافس بين الرجلين القويين في السودان، عبد الفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة، او حاكم الأمر الواقع كما يطلق عليه، وبين محمود حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات الدعم السريع أو الميليشيا الموازية للجيش.

ويرى آخرون أن السبب هو تواضع وترفع الكفاءات السودانية عن المنافسة لاستلام زمام أمور السودان وتولي قيادته.

لكن عثمان ميرغني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني يرى أن الأمر أعمق من ذلك بكثير. يقول ميرغني إن الخلاف بدأ بين القوى السياسية المدنية والتي انقسمت على نفسها بعد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر/تشرين الأول 2021 في أعقاب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير وعدم تمكن تلك القوى من بلورة خارطة طريق واضحة يمكن من خلالها لاحقاً أن تستعيد الحكم المدني الانتقالي.

ويضيف ميرغني في حوار مع DW عربية أن ذلك أدى في النهاية إلى توقيع اتفاق أطلق عليه الاتفاق الإطاري في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2022.

بيد أنّ التوقيع على الاتفاق الإطاري أدى، برأي ميرغني، إلى استقطاب جديد "لأن القوى التي وقعت عليه اعتبرت أنها فقط هي المعنية بالفترة الانتقالية، وأن القوى الأخرى يجب أن تكون خارج الحكم".

ويرى خبراء ومحللون سودانيون آخرون أنه كان من الممكن إدارة هذا الصراع السياسي بين القوى المدنية حتى الوصول إلى اتفاق، لكن لجوءها إلى الاستعانة بالقوى العسكرية أدى في النهاية إلى أن تنشأ عملية استقطاب جديدة بين الأطراف العسكرية ذاتها أدت في النهاية إلى الوصول لمرحلة الحرب.

تسبب الصراع في دمار هائل للبنية التحتية في السودانصورة من: AFP/Getty Images

القوى الخارجية والحرب بالوكالة

لا يمكن تجاهل دور القوى الخارجية في تأجيج الصراع داخل السودان، إذ لم يعد خافياً على أحد أن دولاً بعينها تدعم أطرافاً داخل السودان سواء على المستوى السياسي او العسكري أو اللوجستي منها دول عربية ودول غربية مما يُساهم في استمرار الحرب ويُعيق جهود السلام، ولعل آخر تجليات هذا المشهد تلك الشكوى التي قدمتها بعثة السودان في الأمم المتحدة ضد دولة الإمارات.

وتحذر تحليلات بل وحتى مصادر استخباراتية من أن الصراع في السودان قد يتحول إلى حرب بالوكالة بين دول إقليمية ودولية تسعى لتعزيز نفوذها في المنطقة.

في هذا السياق، تقول مارينا بيتر، مؤسسة ورئيسة منتدى السودان وجنوب السودان إن الكثير من التقارير وثقت تزويد دولة الإمارات لقوات الدعم السريع بالأسلحة عبر تشاد وليبيا فيما تقوم في الوقت نفسه بتفريغ مساعدات إنسانية في ميناء بورسودان، "فالعديد من الدول تلعب لعبة مزدوجة .. هم مشغولون من جهة بدعم أحد طرفي الحرب، وفي الوقت نفسه يقولون إنهم يقدمون مساعدات إنسانية لا تصل إلى أغلب الناس".

وتضيف مارينا بيتر في حوار مع DW عربية أن هناك عدة دول تشارك في المشهد السوداني الحالي منها مصر، مشيرة إلى أن "القاهرة دائما ما كانت تفضل نموذجا مشابها في السودان بمعني أن يتولى الحكم عسكريون مع واجهة مدنية لكن القاهرة بذلك تدخل في خيار صعب حيث أن الإمارات أحد أكبر داعميها اقتصادياً تدعم قوات الدعم السريع كما أن مصر تخشى من أنه مع استمرار الصراع أو تولي الدعم السريع مقاليد الأمور قد ينتقل الصراع إلى أراضيها بشكل أو بآخر".

وتقول مارينا بيتر إن "الإمارات بدورها تتبع منذ فترة طويلة سياسة التوسع الاقتصادي والجيوسياسي والاستراتيجي، وهو ما يمكن ملاحظته بالفعل في جميع أنحاء القرن الأفريقي".

وأشارت الخبيرة في الشأن السوداني إلى أن "الإمارات لاعب مهم للغاية أيضا في مشهد تسويق الذهب السوداني الذي تضع قوات الدعم السريع يدها على أغلب مناجمه وتوفر منه احتياجاتها للاستمرار في الحرب".

وربما العامل الأهم هو أن "الطرف الآخر يُشار إليه على أنه يحوي عناصر إسلامية من النظام السابق وهو ما تكن الإمارات له عداء شديداً للغاية وبالتأكيد هي تريد منع الإسلاميين في السودان من العودة إلى السلطة بأي شكل".

وتضيف مارينا بيتر أنّ "القادم الجديد إلى المشهد الآن، وهذا أمر مهم، هو إيران. كما كان الجيش السوداني يبحث عن حلفاء جدد، بما في ذلك الجزائر، لأنّ الأخيرة تشغل مقعدًا في مجلس الأمن كدولة أفريقية. أما بالنسبة لإيران فهي تزود القوات المسلحة السودانية حاليا بطائرات مسيرة."

ويرى الكاتب والمحلل السياسي عثمان ميرغني أن مصر تقف على مسافة واحدة من طرفي النزاع بل واستقبلت سابقاً البرهان عدة مرات كما استقبلت ممثلين عن الدعم السريع اجتمعوا في القاهرة مع أطراف أخرى برعاية فرنسية لبحث القضايا الإنسانية.

وأشار ميرغني إلى أن "السعودية وبعض الدول الأخرى تحاول أن تكون في موقف يسمح لها بالوساطة بين الأطراف جميعا، وهذا يتطلب نوعا من التواصل مع جميع الأطراف"، لكن الأمر صعب خاصة مع تصلب المواقف لدى الطرفين". 

معاناة إنسانية هائلة

تُعدّ الكارثة الإنسانية في السودان من أسوأ الكوارث في العالم. فالملايين من المدنيين يعانون من نقص الغذاء والدواء والخدمات الأساسية، بينما يتعرضون للقتل والتشريد والاعتداءات الوحشية من قبل أطراف الصراع.

وقبل أيام، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من أن أزمة الجوع في السودان ستصل لمستويات غير مسبوقة ما لم يحدث تدفق مستمر للمساعدات عبر جميع الممرات الإنسانية الممكنة. ويحتاج نصف سكان السودان، أي حوالي 25 مليون شخص، إلى المساعدة الإنسانية والحماية، ويواجه ما يقرب من 18 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفقا لأرقام الأمم المتحدة.

وتطالب جهات دولية بشكل مستمر بالعمل على فتح ممرات إنسانية آمنة لتوصيل المساعدات الضرورة لملايين السودانيين، إضافة إلى ضرورة حماية القائمين على العمل الإنساني وعدم التعرض لهم والقضاء على العوائق البيروقراطية التي تعطل توصيل المساعدات.

يقول عثمان ميرغني الخبير السياسي السوداني أن تأثيرات الحرب هائلة، فإلى جانب المخاوف المتزايدة من المجاعة فقد دمرت أجزاء واسعة للغاية من البنية التحتية للبلاد. وتشير تقديرات إلى أن السودان خسر أموالاً طائلة في هذه الحرب والتي قدرها أحد القيادات، وهو عضو المجلس السيادي، الفريق أول إبراهيم جابر بأنها تعادل حوالي 150 مليار دولار.

ويضيف ميرغني أن واحدة من أسوأ التداعيات هي توقف الإنتاج الزراعي الذي كان يمكن أن يخفف كثيرا من وقع الحرب على الناس، "لكن بسبب الصراع المسلح تعطل إمداد المزارعين بالوقود والأسمدة والمبيدات بل حتى المحاصيل التي زرعت لا يستطيع المزارعون جمعها بسبب القتال، فضلاً عن أن يتمكنوا من زرع محاصل الموسم الجديد ما يفاقم بشدة من تداعيات الأزمة، بالتالي فات هذا الوضع الاقتصادي الآن يعد واحداً من أسوأ أوجه الأزمة السياسية والعسكرية في السودان".

حذر برنامج الأغذية العالمي من أن أزمة الجوع في السودان ستتفاقم وتصل لمستويات غير مسبوقة ما لم يحصل الشعب على تدفق مستمر للمساعدات. صورة من: David Allignon/MAXPPP/dpa/picture alliance

مستقبل غامض

ويُواجه السودان مستقبلًا غامضًا، فحتى الآن فشلت جميع محاولات حل الصراع، سواء من خلال المفاوضات أو الضغوط الدولية، فيما يرجع خبراء أسباب الفشل إلى تعنت الأطراف المتنازعة، وعدم وجود إرادة حقيقية للوصول إلى حلول وسط.

وتعتقد مارينا بيتر، مؤسسة ورئيسة منتدى السودان وجنوب السودان أن هناك أملا بين من تحدثت اليهم من السودانيين بوجود حل سيتم التوافق عليه في وقت ما، "لكن المشكلة هي أن السودان مشغول جدًا في مشاكل جيواستراتيجية أوسع بكثير من قدرته على الحل".

وتُطالب الحركة الديمقراطية والمجتمع المدني في السودان بوقف فوري للحرب، وإطلاق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف السودانية، والعمل على إقامة نظام ديمقراطي عادل يُلبي تطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة والمساواة.

ويقول المحلل السياسي عثمان ميرغني إن الأحزاب السودانية والمكونات السياسية الأخرى لها قدرة على التفاعل والتعامل بصورة مباشرة مع أزمة الحرب والأزمة العسكرية لأن لديها اتصال وثيق بالطرفين العسكريين ويمكن أن تكون هي الجسر الذي يوصل الجميع إلى بر السلام. لكن للأسف الشديد الأطراف السياسية مختلفة ومتشظية بصورة كبيرة جدا، وللأسف أيضا فإن الكثير منها تحاول أن تحجز مقاعدها في سلطة ما بعد الحرب ما يعقد الأمور بشدة.

عماد حسن كاتب في شؤون الشرق الأوسط ومدقق معلومات ومتخصص في العلوم والتقنية.
كيرستن كنيب محرر سياسي يركز على شؤون منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW