1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عبقرية فريدريش شيللر أو اختراع المثالية الألمانية

١٢ يناير ٢٠٠٦

يفتح كتاب زافرانسكى مدخلاً الى حياة شيللر وأعماله ، يشجع على قراءة النص الأصلى لكتاباته بعيداً عن الكليشيهات المعروفة والأفكار المسبقة التى تحوم حول هذا الكاتب الألمانى المرموق.

المثالية فسحة ومنبع إبداع شيلر


كان مرور 200 عام على وفاة فريدريش شيللر عام 2005 مدعاة لعمليات عديدة ومتنوعة لتقييم ولإعادة تقييم أعماله وأثرها فى المانيا والعالم أجمع. ورويديجر زافرانسكى، وهو الذى أثبت فى كتاباته الأولى أن السيرة يجب وأن تُقرأ فى سياقاتها الحضارية وفى سياقات تاريخ الفلسفة، يعود فيقدم لنا فى سيرة شيللر كتاباً أبعد من أن يكون مجرد وصف حياة كاتب عبقرى. فبينما هويربط بين أعمال شيللر وبين الظروف التاريخية والاجتماعية المصاحبة لنشأتها، يفتح أمام أعيننا بانوراما شاملة لنهاية القرن الثامن عشر فى لغة مشوقة عالية المستوى. ويرجع الفضل فى ذلك بالدرجة الأولى الى ابتعاده عن أسلوب الكتابة الأكاديمية لتاريخ الأدب. وتتيح تحليلاته لأعمال شيللر، والتى يسبقها دائماً عرض شامل، تتيح حتى للفراء الذين يجهلون أعمال شيللر متابعة مدى أهمية مسرحيات شيللر وتأثيرها الى جانب كتاباته النظرية على الرأى العام المعاصر له.

نصب شيللر التذكاري في وسط برلينصورة من: AP

ويرى زافرانسكى فى شيللر "مخترع المثالية الألمانية" وليس الشاعر القومى الأسطورى، يرى فيه كاتباًً لا يتوقف رغم مشاكل صحية جسيمة عن تحويل طاقته الإبداعية الى مسرحيات ضخمة وقابلة أيضاً للتنفيذً المسرحى والى كتابات نظرية جمالية والى أعمال تاريخية. وينبهر كاتب السيرة بالدرجة الأولى من حماس شيللر واقتناعه أن الإنسان لابد وأن يكون لديه الإمكانية فى تنمية نفسه وقدراته الخاصة وعلى وجه الخصوص تنمية استعداده للحرية. ولهذا السبب يضع زافرانسكى "المثالية الألمانية"، التى كثيرا ما كانت موضعا للسخرية، فى بؤرة تقييمه الناقد لشيللر ويدفع عنه تهمة السذاجة واتخاذ المثالية ذريعة سهلة. المثالية فى مفهوم شيللر تفتح الطريق الى حرية الإنسان والى تحديده لمصيره.

وبينما يصور زافرانسكى طريق حياة شيللر يتيح فى ذات الوقت مجالاً للكتاب الذين أثروا فى شيللر وأثروا عليه بقدر كبير. فمن وصفه للمراحل الجوهرية فى حياة شيللر والتى يربطها المؤلف بمحيط شيللر الفكرى من ناحية وبإنتاجه الأدبى من ناحية أخرى، تكتمل لدينا صورة شاملة متشابكة الأجزاء ومفهومة فى ذات الوقت. يتناول زافرانسكى المألوف مما نعرفه عن شيللر بصورة جديدة. الى جانب ذلك يعرض المؤلف أوجهاً أخرى تجعل المألوف يبدونسبياً، ليثبت أن أسطورة شيللر هى الأخرى حافلة بالمتناقضات. نأخذ مثلاً على ذلك الفترة التى قضاها شيللر فى "مزرعة" الدوق كارل أويجن والتى وصفت وصفاً وافيًاًً بأنها مرحلة عذاب الصبى شيللر. أن تقع فى هذه المرحلة ذاتها أول لقاءات فكرية مع مفكرين وأدباء هامين، وأول خبرات عاطفية خارج حدود الأسرة، وأول تفاعل مع فن المسرح الأوروبى من خلال حياة البلاط الدوقى: كل هذه أوجه هامة فى عرض زافرانسكى للمراحل المختلفة لعمل شيللر الإبداعى ولتكَوُّن نظريته الجمالية.

إحتفاء كبير بمخترع المثالية الألمانيةصورة من: dpa

ولكن زافرانسكى لا يرصد فقط الكتاب المؤثرين آنذاك، ولكنه أيضاً يتتبع فى خطوط واضحة الأفكار الرئيسية للفلسفة الأوروبية والتى تعد بمثابة الأساس للتطور الفكرى لشيللر وجيله. ويوثق زافرانسكى تفاعل شيللر بهذه الأفكار وظهور أول مسرحياته وما تلاها بالمراسلات المكثفة التى دارت بين شيللر وأصدقائه وأقربائه. ويُدخل زافرانسكى فى كتابه الى جانب الرسائل العديد من الوثائق المعاصرة الأخرى ذات الدلالة وخصوصاً ذكريات ذوى الأهمية ممن زامنوه.

يعرض زافرانسكى بدقة متناهية ودون أن يحيد بصره عما هو جوهرى مراحل حياة شيللر: تمضى المسيرة من شتوتجارت الى مانهايم ثم عن طريق لايبتسيج ودريزدن الى يينا وﭬايمار. يصف النجاح الساحق لأول عرض لمسرحية "اللصوص" فى مانهايم والآمال العريضة التى بناها شيللر على هذا النجاح. ويجيد زافرانسكى تصوير الجانب الإنسانى لشيللر. لذلك فهو لا يبين التطور الذى مر به شيللر كإنسان وكاتب فحسب، ولكنه يشير أيضا الى حزم شيللر الأخلاقى والجمالى كفنان والذى جعله دائما وأبداً ينتصر على شكوكه تجاه نفسه. فإلى جانب انشغال شيللر بكتاباته المسرحية والجمالية الضخمة كان يدير تحرير مجلات أدبية عديدة ليتيح لشباب الكتاب فرصة النشر بينما لم يتوفر له النجاح المادى. وكان لأصدقاءه ومشجعى فنه الفضل فى أنه استطاع رغم ذلك أن يتفرغ تفرغاً شبه كامل للكتابة الأدبية.

يلعب مفهوم الصداقة دوراً هاماً فى حياة شيللر وفكره. ففى مدرسة الدوق كارل ربطته صداقة وثيقة بزميله شارفنشتاين، فضها شيللر لأنه رأى أن زميله لم يحقق المقاييس الرفيعة التى وضعها شيللر لذلك المفهوم. وربطت شيللر بعد ذلك أيضاً صداقات وثيقة ومؤثرة فكرياً برجال وسيدات. كان أهمها وأشهرها بالطبع صداقته بجوته. ازدادت تلك الصداقة وثوقاً فى تسعينات القرن الثامن عشر واستمرت حتى وفاة شيللر فى 1805. ويحتل التبادل الفكرى والعمل المتلازم لهاذين المفكرين الألمانيين المرموقين والذى بنى على التقدير المتبادل والنقد البناء مكانة رئيسية فى عرض زافرانسكى بطبيعة الحال. "كانت سنوات معجزات، تعين المرء على التمسك بالأشياء الهامة حقاً فى الحياة، التمسك بالجوانب الفكرية للحياة."

غلاف كتاب: شيللر أو إختراع المثالية الألمانية

يرتكز عمل زافرانسكى على العرض الشامل لشخص وشخصية شيللر، مولياً اهتمامه أفكار شيللر الفلسفية والجمالية. لم يكن فى وسع شيللر قبول رأى كانط فى فصل الرغبة عن الواجب لدى الإنسان، أو بعبارة أخرى فصل الحاجة الحسية عن الأمر المطلق. كان يفتقد عند كانط فكرة حرية الإرادة والتى بوسعها أن توحد وجهتى "الروح الجميلة" فتوفق بذلك بين احتياجات الذات وبين المثل الأخلاقية والجمالية. "كانت الإرادة عند شيللر هى أداة الحرية."

يفتح كتاب زافرانسكى مدخلاً الى حياة شيللر وأعماله ، يشجع على قراءة النص الأصلى لكتاباته بعيداً عن الكليشيهات المعروفة والأفكار المسبقة التى تحوم حول هذا الكاتب الألمانى المرموق. وتتيح هذه السيرة تَذوُّق النصوص الأصلية عن طريق مقتبسات عديدة من الأعمال والرسائل نُسجت بتجانس جعل الكتاب يستغنى تماماً عن الحواشى ويكتفى ببعض التعليقات. وتشجع على مواصلة القراءة أيضا قائمة المراجع المرتبة موضوعياً والتى جاءت الى جانب جدول زمنى مفصل ومراجع المقتبسات وكشاف الأعلام والمؤلفات فى ملحق هذا الكتاب المبهر.



المصدر: www.litrix.de

هايكه فريزل

[ترجمة: هدى
عيسى]

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW