حوار مع نائب رئيس وزراء حكومة سوريا المؤقتة
١٩ أبريل ٢٠١٥السيد نادر عثمان، ماذا تفعلون بالتحديد من أجل الأهالي في سوريا؟
نادر عثمان: تحاول الحكومة المؤقتة تقديم الخدمات في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة وإعادة بناء الإدارة المدنية. وهذا هو ردنا على العسكرة والتطرُّف. فبعد أربعة أعوام تعب الناس من أن يتم حكمهم تارة من قبل هذا اللواء وتارة من ذلك اللواء، ولذلك فهم يقدِّرون الإدارة المدنية كثيرًا.
كحكومة مؤقَّتة أين حضوركم في سوريا؟
نادر عثمان: نحن نغطي بأتباعنا نحو أربعين في المائة من أراضي الدولة السورية، في حين أنَّنا نسيطر عسكريًا على نحو خمسة وعشرين في المائة فقط من مساحة سوريا: على أجزاء واسعة من محافظتي حلب وإدلب وكذلك على مناطق حول مدينتي حمص وحماة، وفي الجنوب على محافظتي درعا والقنيطرة بالإضافة إلى ريف دمشق.
في جميع هذه المناطق تقاتل أيضًا جبهة النصرة، أي الفرع السوري لتنظيم القاعدة. كما أنَّ مسلحي المعارضة المعتدلة باتوا في هذه الأثناء وفي مناطق كثيرة أقل شأنًا من جبهة النصرة...
نادر عثمان: جبهة النصرة تترك موظفينا يزاولون عملهم، حيث يمكنهم هناك إصلاح شبكات الكهرباء أو إعادة مدّ خطوط إمداد المياه. وجبهة النصرة تعلم أنَّ أتباعنا يأتون فقط من أجل مساعدة الأهالي.
مَنْ الذين يعملون في سوريا لدى الحكومة المؤقتة؟
نادر عثمان: يوجد لدينا نحو ثلاثة آلاف موظف في سوريا. نصفهم من أعضاء المجالس البلدية المحلية، أمَّا الآخرون فهم مهندسون وفنِّيون. نحن نتعاون مع أربعمائة وأربعة وستين مجلسًا بلديًا محليًا وإدارات مدنية وكذلك مع خمس وخمسين مديرية - للمياه والكهرباء والاتِّصالات والصحة والتعليم.
خبراؤنا كانوا يعملون في السابق لدى نظام الأسد. وهم يعرفون الشبكات والمشكلات وقطع الغيار التي يحتاجها المرء من أجل الإصلاح. ومنذ أن صار هؤلاء المختصون يعملون هناك، بات الناس يلاحظون الفرق عن ذي قبل، أي حينما كانت المجالس البلدية المحلية تتكوَّن من أبطال ومتطوِّعين، كانوا يفتقرون إلى الخبرة التقنية. لو أنَّني أستطيع، فسأقوم بتوظيف عشرات الآلاف. ولكن لا يوجد لدينا ما يكفي من المال حتى من أجل دفع رواتب الموظفين بصورة منتظمة.
مَنْ الذي يقوم بتمول الحكومة المؤقتة؟
نادر عثمان: لا توجد أية دولة تقوم بدعمنا دعمًا مباشرًا، كما أنَّنا تلقينا مرة واحدة فقط تبرُّعات من قطر. ومنذ ذلك الحين الجميع يتساءلون عمَّا إذا كانت قطر قد أرسلت لنا المال مرة أخرى. ولماذا يا ترى؟ وهل تعتبر قطر الآن مموِّلنا الوحيد؟ يجب على العالم كله أن يساعدنا! إنَّ العالم بطبيعة الحال ينفق الكثير من المال من أجل سوريا، غير أنَّ الحكومات تفضِّل في ذلك تقديم المساعدات عبر المنظمات غير الحكومية الكبيرة، التي تنفق من أجل إدارتها أربعين في المائة من هذا المال. وهذه المنظمات غير الحكومية ترغب في العمل مع المجالس البلدية المحلية في سوريا. لقد أدركنا مدى أهمية المجالس بالنسبة للمجتمع الدولي، ولهذا السبب فنحن نحاول جعلها أكثر مهنيةً واحترافًا.
في السابق كنت أتلقى طلبات مكتوبة في سطرين: "نحن بحاجة إلى الماء لخمسة آلاف شخص". وفي هذه الأثناء شرحنا للمسؤولين كيفية تقديم طلبات المشاريع وإملاء الاستمارات والنماذج القياسية الخاصة بالمنظمات غير الحكومية الدولية، لأنَّ هذا يجلب لهم الدعم المطلوب. وبالتالي فإنَّ التأهيل المهني مهم، لا سيما وأنَّ المال موجود دائمًا من أجل ورشات العمل، وذلك لأنَّ جميع المنظمات غير الحكومية تريد إجراء تدريبات. نحن نحاول تأهيل أشخاص يُقدِّمون في سوريا خدمات ومن الممكن أن تتم مساءلتهم ومحاسبتهم. ولذلك يجب أن يتم انتخابهم أو تعيينهم في عملية ديمقراطية.
كيف يمكن أن تنشأ في خضم الحرب هياكل ديمقراطية؟
نادر عثمان: لقد تمكننا من ذلك، حيث قمنا بتنظيم انتخابات حرّة وديمقراطية لثمانية مجالس محافظات. ومؤخَّرًا تم انتخاب مجلس محافظة حماة قبل بضعة أسابيع. ورئيس مجلس هذه المحافظة شخصية تحظى باحترام كبير. وكان ذلك نجاحًا كبيرًا ونحن فخورون به، وذلك لأنَّ الأهالي باتوا يمارسون شيئًا بقي محرَّمًا عليهم طيلة عقود من الزمن. وإجراء انتخابات حرّة في سوريا بعد خمسين عامًا من الدكتاتورية يمثِّل رسالة قوية الدلالة.
كيف سارت تلك الانتخابات؟
نادر عثمان: لقد استغرق ذلك عامًا ونصف العام، لأنَّنا بدأنا عملية انتخابات طويلة الأمد، لكي نصل إلى الجميع ونجعلم يشاركون معنا في هذه العملية. خاطبنا جميع المجموعات المؤثرة ميدانيًا - سواء المجموعات العرقية والدينية والعسكرية وكذلك العشائر والمجموعات المهنية ورجال الأعمال، بغية المشاركة في الانتخابات وفي تحمُّل المسؤولية عن نتائجها. وبدورهم قاموا بتكوين تجمُّع، رشَّح بعد ذلك ممثليِّن لمجلس المحافظة. وقد سارت الانتخابات طبقًا للمعايير الدولية بشفافية وديمقراطية. وبعد كلِّ خطوة كان يوجد لدينا وقت من أجل الاعتراضات - ولم نواصل العمل إلاَّ عندما كان الجميع أيضًا موافقين على ذلك.
أين كان يلتقي هؤلاء الممثِّلون؟
نادر عثمان: من الناحية اللوجستية كان ذلك صعبًا للغاية، لأنَّ الوضع في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة خطيرة للغاية بسبب غارات الأسد، حيث لا يمكن للمرء أن يجمع أربعمائة شخص في عمارة ما من دون أن يعرف النظام بذلك، ويقوم عندئذ بمحو كلِّ شيء. ولهذا السبب فقد تم إجراء معظم الانتخابات خارج سوريا - في تركيا والأردن. ومن أجل بعض مجالس المحافظات احتجنا إجراء ثلاث عمليات اقتراع، وهذا يكلف في كلِّ مرة مائتي ألف دولار أمريكي.
مائتي ألف دولار أمريكي لكلِّ عملية اقتراع؟ ألم يكن بالإمكان استخدام هذا المال بشكل أكثر عقلانية من أجل تقديم المساعدات الإنسانية؟
نادر عثمان: لقد حصلنا على جزء من هذا المال من أجل الانتخابات من دول تريد تعزيز الديمقراطية. وبالهياكل الفعَّالة ذات الشرعية الديمقراطية يمكن للمرء مساعدة الأهالي بشكل أفضل بكثير! فهذه المجالس المنتخبة هي بالذات التي توفِّر للسوريين الخدمات مثل الكهرباء والمياه والتعليم والصحة.
وهذه المجالس تعتبر في بؤرة اهتمام العالم. والجميع يريدون التعاون معها، ولكن لقد كان يوجد أيضًا وباستمرار استياء وفوضى، حيث كانت توجد لدى بعض الأماكن ثلاثة مجالس. أمَّا الآن فتوجد لدينا ثمانية مجالس محافظات منتخبة، تعتبر شفافة وتتَّبع آليات موحَّدة ومن الممكن مساءلتها ومحاسبتها. والجميع راضون وبإمكانهم أخيرًا البدء في عملهم، بدلاً من الاضطرار مرارًا وتكرارًا إلى الدفاع عن شرعيتهم. وعلاوة على ذلك فإنَّ الأهالي ينظرون الآن إلينا على أنَّنا نمتلك الشرعية، كما أنَّ وزارة الإدارة المحلية تعتبر صاحبة المرجعية.
أحقًا ما تقول، لا سيما وأنَّ الناشطين الميدانيين يقفون في بعض الأحيان من الحكومة المؤقتة موقفًا ناقدًا؟
نادر عثمان: في البداية كانت توجد الكثير من المعارضة. ولكن الناشطين هم جزء من هذا التجمُّع، الذي يجمع جميع القوى المؤثِّرة ميدانيًا، بحيث أنَّ الجميع يشعرون بأنَّهم حقًا ممثَّلون. وهذه المجموعات تختلف كثيرًا من مدينة إلى مدينة أخرى، بحسب التكوين الاجتماعي وموازين القوى. وفي النهاية لقد أدَّت الانتخابات إلى إبراز النوعية. إذ إنَّ النوَّاب المنتخبين يبحثون من أجل فريقهم عن أشخاص ذوي خلفية مهنية، ولكن ليس بالضرورة خلفية ثورية.
لقد كانت هذه عملية تعليمية. في البداية كان الجميع يريدون أن يتم اختيار البطل ليكون الرئيس. غير أنَّ هذا البطل في أغلب الحالات لا يستطيع حلَّ أية مشكلات تقنية. وهذا ما أدركه الأهالي هناك في هذه الأثناء. لأنَّهم سئموا من أبطال الثورة والفيسبوك، وهم يريدون الآن كوادر وموظفين محترفين، يُحسِّنون لهم حياتهم اليومية.
لماذا استغرق الأمر كلَّ هذا الوقت إلى أن صارت المعارضة تساعد السوريين بصورة مباشرة؟
نادر عثمان: أنت تجعلين الحكومة المؤقتة مسؤولة عن فشل "الائتلاف الوطني" - وهذا غير صحيح. لقد بدأت الحكومة من الصفر. فعندما يفتتح شخص ما محلاً ما، لا يمكن قياس نجاح هذا المحل في سنته الأولى. لقد بدأنا بمجموعة من الوزراء. وكان لا بدَّ لهم بعد ذلك من تشكيل فريق، وانتظار الأموال، وتوظيف أشخاص وتأسيس اللوائح والهياكل الداخلية. نحن لسنا حكومة أخذت شيئًا ما من حكومة سابقة.
الآن تم استهلاك الخمسين مليون دولار أمريكي المقدَّمة من قطر. فهل أوشكت الآن الأموال الموجودة لديكم على النفاد؟
نادر عثمان: نعم، نحن لدينا خطة، ومشاريع وبعض الهياكل في البلاد وننتظر الآن المساعدة. وكلُّ هذا يُكلف أموالاً. وأولويتنا العليا تتمثَّل في إقامة منطقة حظر جوي - ولكن حتى الآن من دون جدوى. بيد أنَّنا قرَّرنا وعلى الرغم من ذلك التفاوض مع النظام، حتى وإن كان يجب علينا اختيار نهج مختلف، وذلك لأنَّ هذا النظام يحب أن يمحينا من الوجود.
نحن حريصون على سلامة موظفينا. ولهذا السبب فنحن على اتصال وثيق مع القوى العسكرية الموجودة على الأرض. وهذه القوى تعلمت أيضًا أنَّها لا تستطيع أن تحكم البلاد وتديرها، بل تستطيع فقط القتال. ولهذا السبب يرحِّب مسلحو المعارضة وعلى نحو متزايد بنا عندما نتولى في مناطقهم شؤون الإدارة المدنية. وخير مثال على ذلك هو "جيش المجاهدين"، الذي طرد في الماضي تنظيم الدولة الإسلامية من حلب. ومقاتلو هذا الجيش يريدون الآن أن يتم النظر إليهم باعتبارهم جيشنا الخاص. نحن لا نتدخَّل وبقدر الإمكان في النقاشات السياسية. وكلُّ ما نريده هو مساعدة الأهالي وإنقاذ سوريا.
حاورته: كريستين هيلبيرغ
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de
نادر عثمان (ولد في عام 1967) تخرَّج كمهندس مدني من بريطانيا، وعمل طيلة عشرين عامًا لصالح شركات نفط وعقارات كبيرة في كلّ من دبي وسوريا. وبعد اندلاع الثورة السورية في عام 2011 دعم بناء الهياكل المحلية المعارضة في سوريا. في شهر كانون الثاني/ يناير 2013 غادر دمشق وأصبح في مدينة غازي عنتاب التركية مدير مشروع "اتِّحاد مجالس الإدارة المحلية" LACU. ومنذ شهر نيسان/ أبريل 2014 يعمل لصالح الحكومة السورية المؤقتة وفي شهر كانون الثاني/يناير 2015 تم انتخابه نائبًا لرئيس وزرائها.