بين الحوثيين والتحالف.. لماذا لم يتوقف نزيف الدم في عدن؟
ابتسام فوزي
١ أغسطس ٢٠١٩
غموض وتعقيد وموقف ضبابي، هكذا يبدو الوضع في عدن، التي كان من المفترض أن تتحول للنموذج المثالي في اليمن. أطراف خارجية وحسابات اقتصادية وتطورات إقليمية مقلقة تلقي كلها بظلالها على الوضع في "العاصمة المؤقتة" للبلاد.
إعلان
بدأ الأمر بخطط طموحة تجعل من عدن مركزا ماليا لأنشطة بنكية وتجارية مهمة، لكن ما يتصدر الأخبار حاليا عن "العاصمة المؤقتة للبلاد" هو أنباء التفجيرات والسيارات المفخخة والقتلى. وأحدثها ما وقع الخميس (أول أغسطس/ آب) عندما قتل 36 شخصا نتيجة سقوط صاروخ بالستي أطلقه الحوثيون على عرض عسكري في عدن. وبالتزامن مع ذلك قتل 13 شرطيا، في تفجير استهدف مركزا للشرطة في المدينة الساحلية قالت مصادر أمنية إنه تم بسيارة ملغومة.
وهذه الأحداث الدامية وغيرها تطرح سؤالا حول سبب عدم عودة الأمن للمدينة الجنوبية، التي خرجت عن سيطرة الحوثيين، لكن نزيف الدم فيها لم يتوقف.
مستقبل الصراع بعد "الانسحاب" الإماراتي
الإمارات التي تعد ثاني أكبر دولة في التحالف العسكري العربي، الذي تقوده السعودية منذ ربيع عام 2015، أعلنت عن خفض وإعادة نشر قواتها في اليمن، الأمر الذي فتح الباب أمام العديد من التكهنات حول خلفيات هذا القرار وتوابعه على مصير التحالف العربي ومستقبل الصراع في اليمن، وعلاقة القرار المحتملة بالصراع الدائر في دول أخرى بالمنطقة، خصوصا في ظل التوترات الراهنة مع إيران.
الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله يرى في مقابلة مع DW عربية، أن الإمارات تقول من خلال هذا القرار، إن "الحرب انتهت إماراتيا رغم أنها لم تنته رسميا، ومن الآن ينبغي على الأطراف اليمنية أن تتحمل مسؤوليتها تجاه استمرار هذه الحرب".
وأرجع عبد الله قرار الإمارات إلى "تراجع المعارك في محيط الحديدة ومأرب، علاوة على أن القوات اليمنية التي تم تدريبها من قبل قوات التحالف صارت جاهزة الآن للقيام بعملها".
القرار الإماراتي كان مصدراً لتحليلات سياسية حول ما إذا كان الانسحاب هو هروب من الهزيمة، كما وضع علامات استفهام عديدة، حول المستقبل في البلد العربي الذي يعاني منذ سنوات.
الأكاديمي والباحث اليمني عبد الباقي شمسان، يرى أن قرار الإمارات بخفض وإعادة نشر قواتها في اليمن يزيد احتمالية إعلان "فك الارتباط"، ويتوقع في مقابلة مع DW عربية، استمرار توتر الوضع الأمني في عدن خلال الفترة المقبلة ويقول: "الاضطراب الأمني سيتواصل لأنه يضمن عدم عودة السلطة الشرعية أو عودة الحكومة للداخل. والفراغ الأمني سيستمر مادات تحتاج الإمارات إليه، إذ أنه (الفراغ الأمني) أحد الأدوات التي تعتمدها الإمارات".
انفلات أمني.. تحت السيطرة؟
الأسباب التي أدت للوضع الراهن في اليمن وفي عدن تحديدا، تبدو شديدة التعقيد والتداخل. ويلقي الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله بالمسؤولية على الحكومة اليمنية، التي وصفها بـ"المتهالكة، التي لم تكن على مستوى الحدث وهي التي تتحمل مسؤولية معاناة الشعب اليمني في المناطق المحررة، إذ لم تستطع إدارة تلك المناطق، ما دفع الإمارات والسعودية للقيام بهذه المهمة".
على الجانب الآخر يرى الباحث اليمني عبد الباقي شمسان، أن الوضع الراهن في عدن هو نتيجة لسلسلة من السياسات الإماراتية على رأسها "إضعاف السلطة الشرعية وإيجاد كيانات عسكرية وأمنية خارج الجيش الوطني، بالإضافة إلى تشكيل شبكة علاقات مع رموز اجتماعية موالية للإمارات وكلها سياسات تهدف لإحكام السيطرة على المناطق الجنوبية".
كانت الإمارات قد منعت طائرة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، من الهبوط في مطار عدن عام 2017، كما رفضت تنفيذ العديد من القرارات الرئاسية الخاصة بشغل مناصب حكومية.
ويقول عبدالله إن اتهام الإمارات بمنع المسؤولين اليمنيين من الوصول لعدن "متكرر وغير دقيق"، ويوضح أن "القرار في النهاية ليس بيد الإمارات ولكنه قرار تتخذه دول التحالف".
المصالح الاقتصادية
قبل سنوات أدركت الإمارات أهمية الموانئ البحرية في الاقتصاد العالمي كركيزة جديدة يستند عليها الاقتصاد الإماراتي، بعيدا عن النفط الذي تعلم الإمارات أنه لا يمكنها الاعتماد عليه على المدى البعيد. ومن هذا المنطلق يرى بعض المحللين أنه لا يمكن النظر للتطورات السياسية للتواجد الإماراتي في اليمن بمعزل عن الجانب الاقتصادي، لاسيما وأن التواجد الإماراتي في اليمن جعلها تسيطر على موانيء مهمة تتيح لها السيطرة على ممرات الملاحة البحرية.
وفي هذا السياق يشير شمسان إلى التفاهم الإماراتي السعودي فيما يخص مشروع أنبوب نفطي يمر عبر اليمن وحتى محافظة المهرة، بعيدا عن باب المندب ومضيق هرمز وبالتالي يكون بمنأى عن أي توترات محتملة، لاسيما في ظل الأزمة الراهنة مع إيران.
من ناحية أخرى قلل الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، من أهمية ما يقال حول الدوافع الاقتصادية للتدخل الإماراتي في اليمن وقال: "الإمارات ليس لديها مطامع في هذا البلد العربي الفقير، الذي ازداد فقرا بسبب نخبة سياسية بائسة، لا تلوم نفسها وتلقي بالأخطاء على طرف آخر كالإمارات".
تقسيم اليمن
الحديث عن تقسيم اليمن صار من الخيارات المطروحة للنقاش والمثيرة للجدل في نفس الوقت، إذ تسببت تغريدة لعبد الخالق عبد الله، المقرب من دوائر الحكم في الإمارات، في إثارة جدل شديد خلال الأيام الماضية.
التغريدة قوبلت بهجوم يمني على مواقع التواصل:
وأوضح عبد الله لـ DW تغريدته، التي أثارت الجدل، قائلا: "جميع الشواهد والمعطيات تقول إن اليمن أصبح منقسما على نفسه، المناطق المحررة لن تعود لسيطرة الحوثيين إطلاقا، ورغبة الشعب الجنوبي في الانفصال اليوم ستتعزز أكثر من أي وقت آخر". وأضاف عبد الله: "لا نحتاج لعبقري ليقول لنا إن اليمن لن يكون موحدا بعد هذه الحرب".
اليمن في صور.. حكاية الحرب والانقسام وفرص السلام الصعبة
شهد تاريخ اليمن الحديث الكثير من التحولات والحروب والتحالفات وحتى العداوات دفعت هذا البلد الفقير إلى الانزلاق إلى دوامة العنف. وأمام التدهور المتزايد للوضع الإنساني، تعالت الأصوات مؤخرا بضرورة وقف الحرب في اليمن.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP Photo/H. Mohammed
أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش توصل طرفي النزاع إلى اتفاق لإطلاق النار في الحديدة باليمن. وقبل محادثات السويد بشهر كان غوتيريش قد دعا منذ شهر لوقف فوري "لأعمال العنف" في اليمن والدفع باتّجاه محادثات سلام تضع حداً للحرب، مؤكدا أنه في غياب تحرّك، يمكن أن يواجه ما يصل إلى 14 مليون شخص، أي نصف عدد سكان اليمن، خطر المجاعة في الأشهر المقبلة، مقارنة بتسعة ملايين يواجهون المجاعة حالياً.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/K. Senosi
مدينة الحديدة التي تم التوصل إلى إتفاق لوقف إطلاق النار فيها، تعتبر مدينة استراتيجية في اليمن. وتقع على ساحل البحر الأحمر على مسافة 226 كيلومترا من العاصمة صنعاء، ويشكل ميناؤها شريان الحياة لملايين اليمنيين في المدينة والمناطق القريبة منها. وشهدت في الأشهر الأخيرة معارك طاحنة بين قوات الحوثيين المتمردة وقوات الحكومة الشرعية مدعومة بقوات التحالف العربي.
صورة من: picture-alliance/afk-images/H. Chapollion
وجاء تحرك الأمم المتحدة الجديد في الأسابيع الأخيرة في ضوء تغير ملحوظ في موقف الولايات المتحدة من الأزمة في اليمن، حيث أظهرت واشنطن إشارات ضغط على حليفتها السعودية لإنهاء الحرب وإجراء محادثات سلام. فقد دعا وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس أطراف الصراع في اليمن إلى الانضمام إلى "طاولة مفاوضات على أساس وقف لإطلاق النار".
صورة من: Getty Images/AFP
بعد عقود من تقسيمه إلى جنوب وشمال واعتناق إيديولوجيتين مختلفتين تماماً، جاء توحيد شطري اليمن عام 1990 إثر انهيار دول المعسكر الاشتراكي، حيث قامت دولة واحدة تحت قيادة الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
صورة من: picture-alliance/dpa
لكن بعد نحو أربعة أعوام اندلعت حرب أهلية، ففي أبريل/ نيسان 1994 وقع تبادل لإطلاق النار في معسكر تابع لليمن الجنوبي قرب صنعاء، وسرعان ما تطورت لحرب كاملة في 20 مايو/ أيار وقامت حرب 1994 الأهلية في اليمن بعد ثلاثة أسابيع من تساقط صواريخ سكود على صنعاء، وأعلن علي سالم البيض نفسه رئيساً على دولة جديدة سماها جمهورية اليمن الديمقراطية من عدن.
صورة من: picture-alliance/dpa
ولم يعترف أحد بالدولة الجديدة التي أعلنها البيض، لكن السعودية، اللاعب الإقليمي الرئيس في الساحة اليمنية، عملت على إخراج اعتراف من مجلس التعاون الخليجي بالدولة الجديدة، لكن صالح أفشل الجهود السعودية وحال دون انفصال الجنوب عن الشمال مجدداً.
صورة من: AFP/Getty Images/F. Nureldine
بعد سلام لسنوات قليلة، سرعان ما عادت الحرب إلى ربوع اليمن، حين احتج الحوثيون على تهميشهم، وخاضوا من عام 2003 حتى 2009 ست حروب مع قوات صالح ومن ثم حرباً مع السعودية.
صورة من: AFP/Getty Images
في خضم احتجاجات ما يُسمى بـ"الربيع العربي" عام 2011 ضعف حكم الرئيس صالح، لكنها قادت إلى انقسامات في الجيش، ما سمح لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب بالسيطرة على مساحات كبيرة في شرق البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد عام من الاحتجاجات والاعتصامات والكثير من الضحايا تنحى الرئيس السابق علي عبد الله صالح عام 2012 في إطار خطة للانتقال السياسي تدعمها دول خليجية. وضمن الاتفاق أيضاً أصبح عبد ربه منصور هادي رئيساً مؤقتاً ليشرف على "حوار وطني" لوضع دستور شامل على أساس اتحادي.
صورة من: AFP/Getty Images/M. Huwais
في خضم ذلك ومحاولات الرئيس صالح وحلفائه تقويض عملية الانتقال السياسي في البلاد وفق المبادرة الخليجية، ازداد انتشار تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2013، رغم الهجمات العسكرية عليه والضربات بطائرات دون طيار، وبات يشن هجمات في مختلف أنحاء البلاد.
صورة من: Reuters
ولم يمض عام حتى تقدم الحوثيون بسرعة انطلاقاً من معقلهم في صعدة وسيطروا على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014 بمساعدة صالح والقوات المتحالفة معه، وطالبوا بالمشاركة في السلطة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Hani Mohammed
عام 2015 حاول هادي إعلان دستور اتحادي جديد يعارضه الحوثيون وصالح، ورغم أنه فشل في ذلك لكنه نجح في الهروب من مطاردة الحوثيين له ولجأ إلى السعودية. وبدء التدخل السعودي العسكري في مارس/ آذار بتحالف عسكري عربي تم تجميعه على عجل. بعد شهور يدفع التحالف الحوثيين والموالين لصالح إلى الخروج من عدن في جنوب اليمن وفي مأرب إلى الشمال الشرقي من صنعاء لكن الخطوط الأمامية تستقر لتبدأ فترة جمود.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP Photo//Yemen's Defense Ministry
عام 2016 استغل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الفوضى من جديد وأعلن عن إقامة دويلة حول المكلا في شرق اليمن الأمر الذي أثار مخاوف من أن الحرب ستؤدي إلى تصاعد نشاط المتشددين من جديد. الإمارات عملت على مساندة القوات المحلية في معركة لوضع نهاية لوجود التنظيم هناك.
صورة من: AFP/Getty Images
لكن هذه الحروب تركت آثارها على اليمن، فقد انتشر الجوع مع فرض التحالف السعودي حصاراً جزئياً على اليمن واتهامه إيران بتهريب الصواريخ للحوثيين عن طريق ميناء الحديدة مع الواردات الغذائية. وإيران تنفي هذا الاتهام.
كما تسببت الغارات جوية التي شنها التحالف في مقتل مئات المدنيين، ما دفع منظمات حقوقية إلى إطلاق تحذيرات، غير أن الدعم الغربي للسعودية وحلفائها لم ينقطع.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Hyder
عام 2017 يمكن تسميته بعام حرب الصواريخ، فقد بات الحوثيون يطلقون عدداً متزايداً من الصواريخ على عمق الأراضي السعودية بما في ذلك الرياض.
صورة من: Reuters/Houthi Military Media Unit
وفي خضم هذه التطورات المستعرة ظهرت خلافات بين صالح وحلفائه الحوثيين، فرأى صالح فرصة لاستعادة أسرته للسلطة من خلال الانقلاب على حلفائه الحوثيين لكنهم قتلوه أثناء محاولة الهرب منهم نحو عدو الأمس السعودية.
صورة من: picture-alliance/dpa/Yahya Arhab
أطلقت القوات التي يدعمها التحالف السعودي بما فيها بعض القوات التي ترفع علم الانفصاليين في الجنوب عملية على ساحل البحر الأحمر في مواجهة الحوثيين بهدف انتزاع السيطرة على ميناء الحديدة آخر نقاط الإمداد الرئيسية لشمال اليمن، حيث تدور معارك شرسة.