1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عزوف الشباب التونسي عن الزواج، عجز إجتماعي أم تمرد على التقاليد؟

مروى محجوب - تونس٢٢ فبراير ٢٠١٣

دقت هيئات تونسية رسمية وغير حكومية ناقوس الخطر إزاء تنامي ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج . نظرة الشباب متباينة حول الموضوع والفتيات ينتابهن قلق، والخبراء يشيرون إلى "اختلالات اجتماعية" وتزايد مشكلات العنوسة.

Die 24-jährige tunesische Braut Suheir Trumarsiste trägt ein traditionelles tunesisches Hochzeitskleid, die sogenannte "Kiswa", anlässlich ihrer Hochzeitsfeier in Tunis, Tunesien (Foto vom 28.03.2004). Die "Kiswa" wird nur für eine Nacht für je nach Modell für 240 bis 1060 Euro gemietet, denn die reich mit Perlen und Strass verzierte Abendrobe aus feinsten Stoffen ist in der Herstellung sehr teuer. Das Kleid stammt aus der Kollektion der Modedesignerin Sywar Ayed. Foto: Mike Nelson dpa (zu dpa Korr: "Hochzeit auf Tunesisch: Schwere Braut, laute Trommel und süßes Gebäck" vom 08.04.2004)
صورة من: picture-alliance / dpa/dpaweb

خلف واجهة إحدى المصاغات في سوق الذهب في تونس العاصمة والمعروف باسم "البركة"، يقف محسن مع خطيبته حائرا تبدو على وجهه ذي الجبين المقطب علامات الضيق، وعن سؤاله عن أسباب ذهوله يجيب محسن: "بصراحة أسعار الذهب مشطة"، ويؤكد محسن أن الشاب التونسي لا يرفض الزواج بل أن الدخل الشهري المتواضع جدا أمام غلاء المعيشة وصعوبة الحياة يجعله يؤجل هذا الأمر". يقول محسن" أنا احتفلت بخطبتي منذ 4 سنوات، أرغب في الاستقرار لكني لا أستطيع تأمين مستلزماته في سنة، فبالإضافة للسكن والأثاث هنالك تجهيزات حفل الزفاف وهي مكلفة في تونس".

وتثير مسألة العزوف عن الزواج في تونس قلق مؤسسات رسمية وغير حكومية، حيث حذر الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري مؤخراً من خطورة ارتفاع معدل سن الزواج. وأشار في تقرير له إلى أن عزوبة الإناث في عمر الإخصاب ما بين 25 و 34 سنة باتت تشمل نصفهن. ويقدرعدد العازبات في تونس بأكثر من مليون و 300 ألف امرأة من أصل أربعة ملايين و 900 ألف أنثى في البلاد.
خطورة هذه الأرقام المثيرة للحيرة والفزع ، تثير أسئلة حول أسباب عزوف الشباب عن الزواج ومدى تأثيره على أوضاع الفتيات خصوصا في ظل تولي إسلاميي حزب النهضة للحكومة. أسئلة طرحتها DW عربية على عدد من الشابات والشبان وخبيرة اجتماعية في تونس.

ارتفاع تكاليف الزواج تجعل مهمة الزواج صعبةصورة من: DW/M. Mahjoub

ثالوث لا تتنازل عنه الفتيات التونسيات

تتفاوت نظرة الشباب التونسي لمسألة العزوف عن الزواج أو الرغبة فيه بإختلاف أوضاعهم الاجتماعية وإمكانياتهم المادية. خليل، موظف في مكتب للاتصال يعلق على الموضوع مبتسما"أنا لا أفكر في  الزواج".  فخليل وعلى الرغم من ضغوطات والدته المتواصلة، يستبعد فكرة الزواج ويتساءل من أين له بتأمين متطلباته إزاء الشروط التعجيزية التي تفرضها عائلة العروس  خاصة وأن دخله مع المنحة الحكومية لا يتجاوز 450 دينارا تونسيا. ويواصل خليل سرد حكايته مع الزواج "لقد سبق وأن خطبت و فسخت الخطوبة للأسباب ذاتها، وهمي الوحيد الآن أن أؤمن مستقبلي بشكل يمكنني من الاستقرار دون التعرض إلى المشاكل هذا إن فكرت بالأساس فيه."

"العرس الفخم والزوج السخي والسكن المريح" ثالوث لا تتنازل عنه الفتيات التونسيات.هذا ما أكده محمد علي تقني بمصنع فرنسي، الذي يبدو واثقا وهو يقول أنه أصبح يؤمن بأن الزواج صفقة وأن الحب والعائلة السعيدة أحلام وردية لفتيات لا زلن يشاهدنا المسلسلات المكسيكية.

وبعيدا عن الأمور المادية، فإن محمد علي يقول أن عدم ثقته في الفتاة التونسية هي وراء عزوفه عن الدخول إلى القفص الذهبي. ويضيف "شاهدت في تقرير بث في إحدى القنوات الفرنسية عن العذرية في المجتمع التونسي وذهلت لحقيقة أن عمليات رتق العذرية ارتفع عددها جدا وأن هذا الأمر لم يعد يعني الفتاة التونسية،أمر ربما لا ينطبق على الفتيات جميعهن ولكننا نحن الشباب أصبحنا متخوفين من هذا الأمر الذي يعتبر مصيريا في مجتمعاتنا العربية والإسلامية."

نظرة اجتماعية "قاسية"

تقول مريم وهي فتاة تبلغ السادسة والعشرين من عمرها التقينا بها في إحدى مقاهي العاصمة إن الرفض لا يأتي فقط من الرجال، فحتى هي ترفض الآن الزواج حتى تكمل دراستها و تعتبر الشباب التونسي غير قادر على تحمل المسؤولية. تبرر مريم رأيها بأنه وللأسف "فإن الفتاة سهلة المنال هي السبب وراء عزوف الشباب التونسي على الزواج، حيث أن الشاب في تونس اليوم أصبح بإمكانه معاشرة الفتيات معاشرة الأزواج خارج إطار الزواج دون تحمل المسؤولية وهذا ما أفقدهم الثقة في عفة الفتيات التونسيات".

سماح سنكاريصورة من: DW/M. Mahjoub

تقول مريم أنها ورغم رغبتها في إكمال دراستها فإنها متخوفة من موقف المجتمع التونسي من الفتيات العازبات خاصة في ظل تولي الإسلاميين للحكومة، وما يترتب عنه من تنامي النظرة المحافظة في أوساط المجتمع.

ولا يختلف رأي سماح، موظفة في مكتب خاص للإعلام عن رأي مريم، وهي تؤكد أن الزواج في تونس أصبح عبءا كبيرا للجنسين على حد سواء. تقول سماح إنها ورغم أنها بلغت الثلاثين من عمرها، فإنها ليست متزوجة وأن هذا الأمر يشكل معاناة لها في مجتمع لا يرحم حيث أصبحت تتحسس من عبارة"بايرة" (تعني الفتاة غير المتزوجة والتي لا يُقبل عليها الرجال) حتى وإن قيلت من باب الدعابة.

خليل غمريصورة من: DW/M. Mahjoub

من الواضح جدا أن مسألة الزواج لا يمكن حسمها في موقف واحد بين العزوف والرغبة خاصة وأن الأمر نسبي يختلف من شاب إلى آخر، هذا ما أكده لنا عبد الرحمان عبيد بائع لأثاث وتجهيزات العرائس، وهو يؤكد أن الشباب التونسي مقبل على الزواج على عكس ما يشاع ولكنه قد يؤجل الأمر لصعوبة تأمين مستلزماته ولكنه لا يرفضه "خاصة وأننا مجتمع محافظ يرفض الفتاة العزباء منذ القديم ناهيك في زمن حكم حزب النهضة (الإسلامي)".

العذرية أو العنوسة

تقول عزيزة درغوث مديمغ، خبيرة اجتماعية تونسية، أن الزواج هو ارتباط معلن اجتماعيا له شروط أساسية تحكمه، لعل أهمها الاقتصادية، منها وتتألف من السكن والدخل الذي لابد أن يكون قارا ومضمونا نسبيا، بالإضافة إلى شرط الاتفاق بشأن أهداف ومبادئ الارتباط بين الرجل والمرأة مع ضرورة الثقة المتبادلة بينهما. وتؤكد أن هذه الشروط الأربعة النظامية حرجة جدا حيث أن حدوث خلل في إحداها يكون السبب الرئيسي لعزوف الشباب عن الزواج.

وتفسر الخبيرة ذلك بمشكلة السكن التي تعتبر أكبر عائق للزواج عند الشباب التونسي، حيث أن الشاب التونسي سابقا وإلى حدود نهاية الثمانينات، كان يلجأ إلى السكن مع والديه لمدة تتراوح بين سبع وعشر سنوات تقريبا، ولكن هذا الأمر أصبح صعبا جدا خاصة وأن السكن (في غالب الأحيان شقق صغيرة) لم يعد يستوعب كالسابق زوجين آخرين.

تقول السيدة درغوث أن الشباب التونسي ضحايا البطالة والأغلب أن الفتيات التونسيات لا تقبلن الزواج من عاطل على العمل، وبالمقابل أصبح الشبان يميلون إلى المرأة العاملة، وبالتالي فإن الإشكال ليس في مشاعر الحب، الذي يعتبر "أمرا غير مكلف"، ولكن العائق هو الماديات التي تعتبر حيوية لإتمام هذا الارتباط.

وتميل الفتاة التونسية في عمر الزواج إلى رفقة الشباب، بينما يتطلع الشبان إلى "الفتيات العذارى " لذلك تؤكد خبيرة علم الإجتماع أن هذا التفكك يتعارض مع مؤسسة الزواج، وتضيف"يجب الآن في مجتمعاتنا العربية هو الاعتراف بدور المرأة والزوجين جنبا إلى جنب وليس الرجل كسيد للأسرة والمرأة تدين له بالطاعة ..". وتتساءل السيدة درغوث عن ظاهرة الزواج العرفي الذي بات يمثل تهديدا للمجتمع التونسي، كونه يخالف القواعد المدنية والقانونية التي تحمي حقوق المرأة ومكتسباتها التي تنص عليها مدونة (قانون) الأحوال الشخصية، أعرق قانون يحمي حريات المرأة في العالم العربي. وتكافح المدافعات عن حرية المرأة اليوم من أجل تأمين تلك المكتسبات في الدستور الجديد الذي يعكف المجلس التأسيسي على وضعه.

وقد يواجه الشباب التونسي إشكالا في الزواج ولكن يبقى الجزم بأمر العزوف الكلي بعيدا عن الواقع، خاصة وأن الأوضاع الاقتصادية تتغير. بينما يظل الزواج في نظرة المجتمع التونسي السائدة، "سنة الحياة" و"نصف الدين" كما هو منظور إليه في المجتمعات الإسلامية الأخرى.

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW