اشتبكت قوات الأمن اللبنانية لليلة الثالثة على التوالي في طرابلس مع محتجين غاضبين من قرار الإغلاق وحظر التجول المفروض لاحتواء فيروس كورونا. وأسفرت هذه الاشتباكات على إصابات العشرات بجروح.
إعلان
أصيب أكثر من 220 شخصاً بجروح في اشتباكات عنيفة دارت ليلة الأربعاء (28 يناير/كانون الثاني)، لليلة الثالثة على التوالي، في مدينة طرابلس بشمال لبنان بين قوات الأمن ومتظاهرين خرجوا للاحتجاج على القيود الصحيّة والأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ فيها البلاد.
وقالت "الوكالة الوطنية للإعلام" الرسمية إنّ المواجهات أسفرت عن سقوط 226 جريحاً، 66 منهم نقلوا إلى المستشفيات بسبب خطورة إصاباتهم والبقية أسعفتهم ميدانياً طواقم طبية تابعة للصليب الأحمر اللبناني و"جهاز الطوارئ والإغاثة".
وفي تغريدة على تويتر قالت قوى الأمن الداخلي إنّ عددا من عناصرها تعرّضوا لهجوم "بقنابل يدوية حربية وليست صوتية أو مولوتوف، مما أدّى إلى إصابة 9 عناصر، بينهم 3 ضباط، أحدهم إصابته حرجة".
وأفاد مراسل وكالة فرانس برس أنّ المواجهات اندلعت بعد الظهر عندما رمى عشرات الشبّان الحجارة وقنابل المولوتوف والمفرقعات باتّجاه عناصر القوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع بكثافة وخراطيم المياه لتفرقتهم، في مشهد تكرّر في اليومين السابقين.
بعدها حاول حشد من المحتجّين الغاضبين اقتحام مبنى السراي، مقرّ محافظ المدينة، بينما تجمّع آخرون في ساحة النور، أحد أبرز ميادين الاعتصام خلال الاحتجاجات الضخمة التي شهدها لبنان بطوله وعرضه ضدّ الطبقة الحاكمة في خريف 2019.
وعند المساء سمع مراسل فرانس برس إطلاق أعيرة نارية حيّة مجهولة المصدر في منطقة موقع التظاهرة بينما أشعل المتظاهرون النار في مدخل مبنى للشرطة.
وبعد ساعات عدة من الاشتباكات، نشرت قوات الأمن الداخلي والجيش اللبناني تعزيزات حول مبنى السراي وفي ساحة النور لتفريق المتظاهرين ومنعهم من اقتحام مقرّ المحافظة. لكنّ المتظاهرين تراجعوا إلى الأزقة المجاورة حيث تحصّنوا لتستمرّ الاشتباكات حتى وقت متأخر من المساء.
وكانت مواجهات مشابهة لكن أقلّ حدّة أسفرت الثلاثاء عن إصابة 45 شخصاً، مقارنة بـ30 شخصاً أصيبوا في المواجهات التي دارت يوم الإثنين، وفقاً للصليب الأحمر اللبناني.
وطرابلس، ثاني كبرى مدن لبنان كانت أصلاً إحدى أفقر مدن البلاد حتّى قبل أن يتفشّى فيروس كورونا المستجدّ وتضطر السلطات لفرض تدابير إغلاق عام في محاولة لوقف تفشّي الجائحة،في إجراءات أدّت إلى تدهور الظروف المعيشية في البلاد. وبعدما كانت حركة الاحتجاج ضدّ تدابير الإغلاق العام تقتصر على مدينة طرابلس لوحدها، امتدّت شرارة الاحتجاجات يومي الثلاثاء والأربعاء إلى مدن أخرى حيث قطع متظاهرون بعض الطرق.
وفي العاصمة بيروت، أضرم متظاهرون النار في إطارات سيارات أمام جدار يفصل ساحة رياض الصلح في وسط المدينة عن مقرّ البرلمان، فيما أغلق آخرون طريق المدينة الرياضية بحاويات القمامة والإطارات المشتعلة، بحسب ما ذكرت الوكالة الوطنية للإعلام.
ويشهد لبنان منذ نحو أسبوعين إغلاقاً عاماً مشدّداً مع حظر تجول على مدار الساعة يعدّ من بين الأكثر صرامة في العالم، لكنّ الفقر الذي فاقمته أزمة اقتصادية لا تنفكّ تتفاقم يدفع كثيرين الى عدم الالتزام سعياً إلى الحفاظ على مصدر رزقهم.
وفي وقت سابق من أمس الأربعاء، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب إن الإغلاق ضروري لاحتواء الفيروس. وأقر بأن المساعدات الحكومية ليست كافية لتغطية الاحتياجات لكنه قال إنها تساعد في تخفيف الأعباء.
هـ.د/ ع.ج.م ( أ ف ب، رويترز)
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام