عقبات تواجه دور القطاع الخاص في "رؤية السعودية 2030"
٥ يونيو ٢٠١٦خطة إصلاح أكثر من طموحة أعلن عنها منذ مدة رجل السعودية القوي الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد، لنقل بلاده إلى مرحلة إنهاء الاعتماد على النفط بحلول عام 2030. وتأتي هذه الخطة التي أُطلق عليها "رؤية السعودية 2030" بعد تدهور أسعار الذهب الأسود وما تبعه من تزايد في عجز الموازنة العامة ولجوء الحكومة السعودية إلى الاقتراض والسحب من الاحتياطيات الاستراتيجية لسد النفقات المتزايدة.
ومن أبرز من تشمله "الرؤية السعودية" بيع أجزاء من مؤسسات الدولة والاعتماد على القطاع الخاص في تنويع مصادر الدخل والصناعات التحويلية غير النفطية كي "تستطيع المملكة أن تحيا دون الاعتماد على النفط بدءا من عام 2020"، حسب رؤية الأمير محمد بن سلمان.
وأحد الأسئلة التي تطرح نفسها هنا هو: هل تسمح النظم الإدارية والقانونية المعمول بها في المملكة حاليا للقطاع الخاص بلعب الدور المرتجى منه؟ وجدير بالذكر أن "رؤية 2030" تهدف إلى رفع مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 40 بالمائة حاليا إلى 65 بالمائة بحلول 2030.
معوقات تأسيس شركات متوسطة
يعيق الإطار القانوني الحالي في السعودية تأسيس الشركات الخاصة، لاسيما الصغيرة منها والمتوسطة رغم الإصلاحات التي شملت إجراءات التحكيم في عام 2012 وقانون الشركات في عام 2015، بحسب ما يرى المحامي نيكولاس بريمر، الخبير في أنظمة الاستثمار السعودية من مؤسسة الكسندر وشركاه (Alexander& Partner) للمحاماة والاستشارات. ويضيف بريمر في حديث مع DWعربية أن الحد الأدنى لأصول الشركة المساهمة في السعودية يبلغ نصف مليون ريال، أي ما يعادل نحو 120 ألف يورو، في حين لا يتطلب ذلك سوى 25 ألف يورو في ألمانيا. وفي حال ساهم في الشركة مستثمرون أجانب وكانت في قطاعات تُصَنف على أنها هامة كقطاع البناء، فإن الهيئة العامة للاستثمار السعودية (SAGIA) يمكنها رفع الحد المذكور إلى 20 مليون ريال سعودي أو ما يعادل حوالي 4.8 مليون يورو.
ويري الخبير الألماني أن هذا مبلغ كبير يحد من تأسيس الشركات المتوسطة والصغيرة وخاصة من قبل المستثمرين الشباب أصحاب الأفكار الخلاقة والمبدعة الذين لا تتوفر لديهم الأموال. غير أن الجيد في قانون الشركات السعودي أنه يسمح للأجانب بتأسيس شركات تعود ملكيتها أو ملكية غالبية حصصها لهم، حسب ما يرى نيكولاس بريمر و كذلك فولف شفيبرت، الخبير في قوانين العمل والاستثمار السعودية. أما في دول أخرى مثل قطر والإمارات فإن ملكية الأجنبي يجب ألا تتعدى 49 بالمائة من الحصص. ومن الأشياء الجيدة كذلك تعديل إجراءات التحكيم بحيث يسمح باعتماد اللغة الانجليزية في التحكيم أيضا بدلا من حصر ذلك من قبل في اللغة العربية.
كثرة الوثائق تؤخر التراخيص
وفيما يتعلق بالقوانين والإجراءات الإدارية أيضا يعاني القطاع الخاص من البيروقراطية في الإدارات الحكومية المعنية، لاسيما بسبب كثرة الوثائق والثبوتيات المطلوبة لإقامة المشاريع وتأسيس الشركات. كما أن البت فيها يحتاج لفترات طويلة تمتد في المتوسط من شهرين إلى ثلاثة. "صحيح أن نظام "النافذة الواحدة" يطبق في إعطاء التراخيص، غير أن المشكلة ليست فقط في تحضير الوثائق الكثيرة، بل أيضا في طلب المزيد منها بشكل مفاجئ ودون أن يكون المطلوب واردا في قوائم شروط الترخيص"، على حد قول فولف شفيبرت، المحامي والخبير في قوانين الاستثمار. وعليه يطالب شفيبرت في حديث مع DWعربية بتقليص عدد الوثائق المطلوبة ودعم وتشجيع عملية الحصول على الوثائق بشكل إلكتروني بما في ذلك وثائق وإجراءات سفر المستثمرين ورجال الأعمال إلى المملكة. وفي هذا السياق يقول شفيبرت، العضو برئاسة غرفة التجارة والصناعة العربية الألمانية في برلين، إن إجراءات الحصول على فيزا إلى السعودية صعبة مقارنة بمثيلاتها من دول الخليج الأخرى، إضافة إلى أن الفيزا السعودية عادة ما تكون لفترات قصيرة تتراوح مدتها بين 3 إلى 6 أشهر، وهي غير كافية لمتابعة المشاريع التي يقوم بها المستثمر أو رجل الأعمال.
معوقات جذب العمالة الماهرة
ويعاني القطاع الخاص السعودي مثل باقي قطاعات الاقتصاد السعودي من نقص الكفاءات المحلية لديه في مختلف المهن، ما يعني النقص في الخبرات والمعارف التطبيقية. وعليه فإنه مضطر للاعتماد على قوة العمل الأجنبية بشكل متزايد على ضوء خطط تنويع مصادر الدخل والقطاعات الاقتصادية.
غير أن الكثير من الأيدي العاملة الماهرة منها لا تنجذب إلى سوق العمل السعودي لأسباب في مقدمتها القيود التي يفرضها عليها "نظام الكفالة"، المعمول به في السعودية ودول الخليج منذ عقود. وتنتقد منظمات دولية وحقوقية بشكل خاص هذه القيود في مجالات السفر والإقامة وتغيير مكان العمل، مع العلم بأن التسهيلات الأخيرة، التي تم اعتمادها أعفت العامل الأجنبي من موافقة السفر عندما يريد التنقل من منطقة إلى أخرى داخل السعودية.
وبدوره يدعو فولف شفيبرت، الخبير في قوانين الاستثمار، إلى عدم المبالغة في تقييم نظام الكفالة، الذي له إيجابيات أيضا، لاسيما وأن الإمارات ودول الخليج الأخرى الجاذبة للاستثمارات الأجنبية تعتمده كذلك. كما يرى شفيبرت أن هذا النظام له إيجابيات من بينها أنه يتيح للمستثمرين إبرام عقود عمل أكثر مرونة مع العمالة الأجنبية من ناحية التأمينات والضمانات والأجور مقارنة بمثل هذه العقود مع العمالة السعودية، التي يجب أن تشكل نسبة معينة من العاملين.
وجدير بالذكر أن الكثير من رجال الأعمال يواجهون صعوبات إدارية وإنتاجية بسبب ضعف كفاءة واندفاع العمالة السعودية للقيام بمتطلبات الوظيفة مقارنة بمثيلتها الأجنبية.
كما يحد من انجذاب الأيدي العاملة الماهرة الأجنبية إلى سوق العمل السعودي، حسب الخبير نيكولاس بريمر، القوانين التي تراعي التقاليد فيما يتعلق بالفصل بين الجنسين في الأماكن العامة ومنع الكحول ووسائل الترفيه كالسينما والمسرح وغيرها. وهو الأمر الذي يصعب على المرء قضاء وقت فراغه وعطلته بالشكل الذي يراه مناسبا له، حسب الخبير الألماني.