علاء الأسواني:..في انتظار الانجاز الأكبر ...
٣ أكتوبر ٢٠١٧كان الأستاذ عادل حسين رحمه الله مفكرا كبيرا ومناضلا يساريا انضم في أواخر حياته إلى الحركة الاسلامية. كان ينشر مقالاتي بانتظام في جريدة الشعب التى كان يرأس تحريرها وكنا نختلف في الرأي كثيرا لكنه كان يتقبل معارضتي لأفكاره بصدر رحب ومودة. اختلفنا حول نظام عمر البشير في السودان، كان الاستاذ عادل يؤيد البشير وكنت ولازلت أعتقد أن نظام البشير قد جمع المصيبتين: الفاشية العسكرية والفاشية الدينية. احتدم النقاش بيننا ذات مرة فقلت:
- وفقا لتقارير موثقة فان نظام البشير يرتكب انتهاكات رهيبة لحقوق الانسان هناك آلاف المعارضين معتقلين في السودان ويتعرضون لتعذيب بشع.
ابتسم الأستاذ عادل وقال:
- عمر البشير يتصدى بقوة للمخططات الأميركية الصهيونية في منطقتنا ولذلك يجب أن ندعمه حتى لو اضطر أحيانا الى قرص آذان بعض المعارضين.
بالطبع لم أقتنع أبدا أن اعتقال انسان برئ وتعذيبه يعتبر مجرد قرصة أذن وقد أثبتت الأيام أن نظام البشير قد أوصل السودان إلى الحضيض وورطها في حرب أهلية راح ضحيتها آلاف الأبرياء مما أدى في النهاية إلى تقسيم السودان. في الذكرى السابعة والأربعين لوفاة جمال عبد الناصر امتلأت الصحف ووسائل الاعلام العربية بكلمات الاشادة بالزعيم الراحل ولم يذكر أحد أن عبد الناصر هو المؤسس الحقيقي للدولة البوليسية القمعية التى تعاني منها مصر حتى اليوم. قبل سيطرة الجيش على حكم مصر في عام 1952، برغم الاحتلال البريطاني، كانت هناك شبه ديمقراطية وكانت هناك حرية صحافة ولم يكن المعتقلون السياسيون يتم تعذيبهم في السجن الحربي وانما كانوا غالبا يودعون سجن الأجانب الذي تشرف عليه السفارات الأجنبية لتتأكد من تمتع المساجين بحقوقهم القانونية. اذا تناقشت مع أحد الناصريين حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان في عهد عبد الناصر فانه غالبا سيرد قائلا:
- عبد الناصر بلاشك ارتكب أخطاء لكنه أعظم زعيم عربي.
هكذا يتحول اعتقال آلاف المعارضين وتعذيبهم إلى مجرد "خطأ".. نفس التعبير الذي تصف به تأخرك عن موعدك أو دهسك عفوا لقدم جارك في الأوتوبيس. نفس المنطق جعل عربا كثيرين يناصرون طغاة سفاحين مثل القذافي وصدام حسين ولقد رأينا مؤخرا فنانين سوريين مشهورين يعلنون دعمهم لبشار الأسد وهو يقتل الآلاف من أبناء شعبه ببراميل البارود والأسلحة الكيماوية وكانت حجتهم أنه يحارب الارهابيين ويتصدى للمخطط الأمريكي الصهيوني. الاسلاميون ليسوا أفضل حالا من القوميين فانهم يناصرون أردوغان في تركيا ويعتبرونه الخليفة الذي انتظروه طويلا ليعيد مجد الاسلام وينتصر على الكفار واذا تحدثت معهم عن انتهاكات حقوق الانسان الجسيمة التي يرتكبها أردوغان سيقولون إنه مضطر لمثل هذه الاجراءات الاستثنائية من أجل مصلحة الاسلام والمسلمين. في مصر الآن تم القضاء على حرية التعبير تماما وسيطرت الأجهزة الأمنية على كل وسائل الاعلام حتى تستمر في غسيل أدمغة المواطنين واقناعهم بالأكاذيب ليمجدوا السيسي.
ان القمع الذى يمارسه نظام السيسي لم يحدث من قبل في تاريخ مصر اذ يكفي أن يشارك أي مصري في وقفة احتجاجية سلمية لكى يتم القاؤه في السجن سنوات، مع ذلك فان قطاعا من المصريين لازال ينتظر الخير من مشروعات السيسي العملاقة. ان المواطن العربي لايهتم غالبا الا برزقه وتربية أولاده وهو لايحاسب الحاكم على انتهاكات حقوق الانسان مادام الضحايا ليسوا من أفراد أسرته.
في دول الخليج تمارس العائلات الحاكمة قمعا رهيبا على كل من يعارضها وبرغم ذلك فان المواطن الخليجي سعيد غالبا بحكامه يدعو لهم بطول العمر لأنه ينعم بمستوى معيشة مرتفع بسبب دخل النفط. القمع اذن ليس كافيا لأن يرفض المواطن العربي حكامه. المواطن العربي يتقبل القمع مادام يعيش حياة مريحة والمثقف العربي يغتفر للطاغية انتهاكه لحقوق الانسان ويعتبره بطلا اذا كان يتصدى لمخططات الاستعمار في نظر القوميين أو يحقق المشروع الاسلامي عند الاسلاميين. من المفهوم أن يناصر الناس الطاغية مادام في السلطة خوفا من عواقب معارضته أما أن يظل ملايين العرب يناصرون الطاغية بعد وفاته فان ذلك يقودنا إلى حقيقة مؤسفة: ان العقل العربي لا يعتبر حقوق الانسان قضية جوهرية وهو يضع ما يعتبره مصلحة الأمة قبل كرامة الفرد وانسانيته.
ان احترام حقوق الانسان ليس هدفا يناضل المواطن العربي من أجل تحقيقه. لقد كانت الثورات العربية لحظات استثنائية ثار فيها ملايين العرب من أجل حقوقهم الانسانية لكننا نرى الآن ان هذه الثورات لم تعبر عن ارادة الشعوب العربية كلها. اذا تم تخيير المواطن العربي بين حقوق الانسان ولقمة العيش فانه غالبا سيختار لقمة العيش. الاسلاميون يهمهم الحكم الاسلامي أكثر بكثير من حقوق الانسان وبالمثل فان القوميين سيؤيدون الطاغية لمجرد أنه يقوم (أو يتظاهر) بمحاربة الاستعمار والصهيونية. لماذا لم تترسخ قيمة حقوق الانسان في الذهن العربي.؟
ربما يكون السبب طول عهدنا نحن العرب بالقمع فالمنطقة العربية تعرضت إلى قمع الاحتلال العثماني ثم قمع الاحتلال الاجنبي ثم قمع الانظمة الوطنية بعد الاستقلال. ربما لأننا لم نفهم درس التاريخ الذي يؤكد ان الانظمة الاستبدادية مهما أنجزت من مشروعات جبارة فان نهايتها المحتومة كوارث كبرى. ان انجازات أي ديكتاتور عربي لن تكون أبدا أكبر من انجازات الاتحاد السوفييتي الذى شيد قوة عظمى لكنها في النهاية انهارت بسهولة، مثل قصر من رمال، بسبب انتهاك حقوق الانسان وغياب الديمقراطية. يجب أن نؤمن أن الانجاز الأكبر لأي حاكم هو الحفاظ على كرامة المواطن وحقوقه الانسانية.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW