علاء الأسواني: الاجابة على سؤال السيسي الغاضب
١ سبتمبر ٢٠٢٠منذ بضع سنوات اشتريت شقة صغيرة من حجرتين في مساكن مصطفى كامل في الاسكندرية. المزية الوحيدة في الشقة كانت شرفة صغيرة جانبية تطل على البحر. أمام العمارة كانت هناك حديقة تستعمل في الصيف كمدينة ملاهي صغيرة يلعب فيها الأطفال، وكان هناك مطعم شهير ثم كان هناك أيضا مسرح السلام الذي أنشئ عام 1954 على طراز معماري بديع، وشهد آلاف العروض المسرحية وصار من أعظم معالم الاسكندرية الثقافية. ذات يوم وأنا جالس في شرفتي الصغيرة سمعت ضجة ورأيت سيارات نقل ومعدات حفر وسرعان ما انتشر الخبر: لقد قررت الهيئة الهندسية التابعة الجيش أن تبني فندقا عملاقا من 32 طابقا أمام عمارتنا. في أسابيع قليلة تم هدم حديقة الملاهي ثم تم هدم المطعم وتصورت أن مسرح السلام سيتم الحفاظ عليه نظرا لقيمته الثقافية والمعمارية الفريدة ولكننى كنت مخطئا فقد تم هدم مسرح السلام.
أحسست بحزن وأنا أشاهد جزءا عزيزا من تاريخ الاسكندرية وقد تمت تسويته بالأرض. ارتفع الفندق العملاق متحديا كل اللوائح والقوانين ولا يجرؤ أحد أن يسأل عن الأساس القانوني لهدم مسرح السلام والمباني المجاورة، فقد أنكر المسؤولون في وزارة الثقافة مسؤوليتهم عن مسرح السلام، وقالوا إنه يتبع جهة أخرى لم يحددوها!! بالإضافة إلى الهدم تم الاعتداء على حرم البحر وردم مساحة عريضة من الشاطئ أجل اقامة مرسى لليخوت وبحيرة للدلافين.
DOLPHINS
وهذه مخالفة أخرى للقانون. أضف إلى ذلك أن الفندق الشاهق قد حجب رؤية البحر على عشرات الشقق التي تنص عقودها بوضوح على أنها تطل مباشرة على البحر وتمنع اقامة أي بناء أمامها يمنعها من رؤية البحر. لقد قام بعض سكان الشقق المتضررين برفع دعوى قضائية ضد الهيئة الهندسية للجيش لأنها انتهكت القانون، وطبعا كان مصير هذه الدعوى معروفا سلفا، فلا يوجد قاض في مصر يستطيع أن يصدر حكما ضد الجيش. هذه الواقعة ومثلها عشرات الوقائع تؤكد حقيقة مؤسفة: ان الجيش والشرطة والقضاء تعتبر في مصر "جهات سيادية" بمعنى أن أعضاء هذه الجهات لايخضعون ــ عمليا ــ للقانون الذي يخضع له المواطنون العاديون.
هذا الاستثناء من القانون أصبح حقا مكتسبا للجهات السيادية في كل مجال بدءا من مخالفات المرور التي سيتم تمزيقها مجاملة لك في ادارة المرور، إذا كنت من جهة سيادية وحتى قضايا قتل المتظاهرين خلال ثورة يناير والمذابح العديدة التي تمت بإشراف المجلس العسكري مثل محمد محمود وماسبيرو ومجلس الوزراء ورابعة وغيرها. كل هذه المذابح لم يحاكم فيها أحد أو تمت تبرئة جميع الضباط لأنهم ببساطة ينتمون إلى الجهات السيادية وبالتالي فان القانون لا يطبق عليهم.
تذكرت هذا المعنى منذ أيام وأنا أشاهد لقاء السيسي بكبار المسؤولين. كان السيسي غاضبا للغاية لأن المصريين يشيدون مبان بالمخالفة للقانون (تماما كما شيد الجيش الفندق العملاق)، لقد بلغ غضب السيسي الحد الذي هدد فيه بنشر الجيش في كل قرى مصر ليزيل المباني المخالفة. بل ان السيسي قد هدد المصريين لو استمروا في البناء بدون ترخيص بأنه سيترك السلطة لرئيس آخر حتى لو خرب البلد!! العجيب هنا أن يعتقد السيسي أن أي رئيس سواه سيخرب البلد والأعجب أن يتحدث السيسي عن احتمال تخليه عن السلطة وهو الذى قام بانتهاك الدستور بتعديل باطل ليبقى رئيسا للأبد بل انه حبس كل مرشحي الرئاسة المحتملين. لقد وجه السيسي سؤالا غاضبا للمصريين فقال:
" لماذا تخالفون القانون؟!"
الاجابة عن هذا السؤال انه لايوجد في مصر قانون بالمعنى الحقيقي وانما توجد فقط ارادة السلطة التي لا يستطيع أحد أن يمنعها.. ان الرئيس السيسي نفسه أول من خالف القانون، فهو لم يقدم حتى الآن اقراره الضريبي كما ينص الدستور. ونحن لا نعلم شيئا عن حجم ثروة السيسي وهو يتعامل مع المال العام باعتباره ماله الخاص، فهو يتصرف بارادته المنفردة في أموال صندوق تحيا مصر وميزانية الرئاسة بل انه أعلن من قبل أنه سيستمر في بناء القصور الرئاسية كما يحب وليس لأحد أن يحاسبه على ذلك.
أين القانون في حبس عشرات الألوف من الأبرياء لمجرد أنهم وجهوا انتقادات لسياسات السيسي؟ أين القانون في عفو السيسي عن رجل الأعمال طلعت مصطفى بعد أن أدين في جريمة قتل وفي نفس الوقت يتم الحكم بالحبس لمدة 15 عاما على الحقوقي بهي الدين حسن لأنه أدان الانتهاكات التي يرتكبها نظام السيسي في المصريين؟
ان تطبيق القانون في مصر يتوقف على شخصيتك وثروتك وعلاقتك بالجهات السيادية. القانون في مصر انتقائي ومطاط وبالتالي من الطبيعي ألا يحترمه الناس. ان احترام القانون ليس صفة أخلاقية يتمتع بها بعض الناس دون بعضهم وانما هو في الأساس سلوك اجتماعي لا يحدث أبدا الا إذا تم تطبيق القانون على الجميع. ان التمثال الشهير للعدالة معصوبة العينين يرمز إلى أن القانون لا يرى على من يتم تطبيقه لأن الكل سواء أمام القانون. عندما يفقد الناس احساسهم بالعدالة فمن الطبيعي أن يتحايلوا على القوانين ويخالفوها إذا أمنوا العقاب.
عندما يختفي تعبير الجهات السيادية في مصر ويقف أي شخص مهما علا مركزه أمام القانون مثل أبسط الناس. عندما يتساوى أمام القانون القاضي واللواء مع الكناس وعامل البناء. عندئذ فقط سيلتزم المصريون بالقانون. ان سيادة القانون لا يمكن أن تتحقق الا في نظام ديمقراطي.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.