علاء الأسواني: خمس رسائل من اعلام السيسي ..
١١ يوليو ٢٠١٧أى مصري، مهما يكن انتماؤه السياسي، لابد أن يشعر بحزن بالغ عندما يرى الجنود والضباط المصريين يسقطون شهداء وهم يقاتلون الارهابيين دفاعا عن بلادنا، على أن تقديرنا لتضحيات هؤلاء الأبطال لايجوز أن يمنعنا من التفكير في أحوالنا بطريقة صحيحة. لقد أنفق نظام السيسي الكثير من المال والجهد حتى تحققت له السيطرة الكاملة على كل وسائل الاعلام في مصر وبعد كل عملية ارهابية يبث اعلام السيسي الرسائل التالية:
أولا: ان الارهاب لادين له
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصد من هذه الرسالة ان الارهاب لاعلاقة له بالاسلام وهذه مغالطة كبرى لأن معظم العمليات الارهابية يقوم بها اسلاميون كما أن الارهابي مجرم له عقيدة يموت في سبيلها وهو يستند في جرائمه إلى فهم منحرف للدين لابد من تصحيحه حتى نقضى على الارهاب. المجتمع الدولى يحاسب قطر الآن على دعمها للجماعات الارهابية (هذه حقيقة) لكنه ينسى أو يتناسى ان الارهابيين جميعا وهابيون قد اعتنقوا أفكارهم المتطرفة بأموال النفط السعودي.
السعودية - بالمال الحكومي أو الخاص - هي التى أنشات القنوات الفضائية الوهابية و المدارس الوهابية في باكستان والمساجد الوهابية في كل المدن الغربية حيث تخرج ارهابيون ولدوا في الغرب لكنهم تعلموا أن يكرهوه ويحاربوه باعتباره دار الكفر. الفكر الوهابي أصل الارهاب. هذه حقيقة لاجدوى من انكارها. لا يمكن القضاء على الارهاب بالاناشيد والكلمات الحماسية وانما يجب أن يجتهد علماء الدين لتقديم فقه جديد يناسب العصر ويحترم حقوق الانسان...
ثانيا: لاصوت يعلو فوق صوت المعركة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا يستغل الاعلام تضحيات الشهداء من أجل اسكات كل من يعترض على انتهاكات حقوق الانسان المصري فاذا مات مواطن من التعذيب في قسم شرطة وطالب الناس بمحاكمة الضابط القاتل فان الاعلام يرد قائلا:
ــ كيف تطالبون بمحاكمة ضابط شرطة بينما يموت زملاؤه دفاعا عنكم؟
هنا يتم خلط الأوراق بحيث تتم التغطية على الأخطاء والجرائم بدعوى أن المحاسبة تضعف أفراد الشرطة...في الدول المحترمة يحاسب كل من يخطئ بالقانون مهما يكن موقعه. شهداء الجيش والشرطة تضحياتهم عظيمة لكنها لا يمكن أن تبرر الانتهاكات المشينة لحقوق الانسان التى تحدث في مصر من اختفاء قسري وتعذيب وأوضاع آلاف المعتقلين غير الانسانية..لا يوجد أي ظرف أو سبب يمنع أو يؤجل محاسبة أي ضابط ارتكب جريمة في حق المصريين.
ثالثا: كل من يعارض السيسي خائن
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هنا يعمل الاعلام على تصوير المعارضين باعتبارهم أعداء الجيش والشرطة والدولة ويتم التشهير بهم باعتبارهم شامتين في الشهداء ويخرج المذبعون - عملاء الأمن - في وصلات شتائم يومية يصرخون خلالها في معارضي السيسي:
ــ بيادة الشهيد أشرف منكم يا خونة
وهكذا يقسم الاعلام المصريين إلى نوعين لاثالث لهما: مؤيدو السيسي وهم شرفاء يساندون الجيش، ومعارضو السيسي وكلهم عملاء ممولون من المخابرات المعادية لاسقاط الجيش. هنا يجب أن نفرق بين السيسي والجيش والدولة. الجيش المصري ينتمي للشعب بمعنى الكلمة لأنه يقوم على التجنيد الالزامي وبالتالي فكل بيت في مصر يشترك في الجيش بأبنائه كما أنه لايمكن لانسان عاقل أن يعادي جيش بلاده الذى يدافع عنه وحتى أشد الناس معارضة للسيسي يستحيل أن يتمنى انهيار الجيش لأن ذلك لو حدث - لا قدر الله - ستسقط مصر كلها في فوضى لن ينجو منها أحد. من يعارض السيسي لا يعادى الجيش وليس عدوا للدولة وانما هو مواطن لايوافق على سياسات السيسي ويعتبرها فاشلة ومضرة للمصريين.
رابعا: ضرورة الاصطفاف الوطني
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يدعو الاعلام المصريين إلى التوحد ضد الارهاب وهذه دعوة صحيحة نظريا ولكن عمليا فان نظام السيسي قد تسبب في مظالم كثيرة تمنع الاصطفاف معه. هناك آلاف المعتقلين الأبرياء كما قال السيسي نفسه. النظام في مصر يعتبر شباب الثورة أعداءه وهو ينكل بهم باستعمال قانون الطوارئ. عندما يشترك شاب في مسيرة احتجاجية سلمية اعتراضا على تنازل السيسي عن جزيرتين مصريتين للسعودية فيتم القبض على هذا الشاب ويحكم عليه بخمس سنوات في السجن. كيف نطلب دعمه بعد ذلك؟ اذا اردنا للمجتمع أن يتوحد ضد الارهاب لابد من رفع الظلم عن المصريين حتى يتحقق الاصطفاف الوطني.
خامسا: مزيد من القمع يقضي على الارهاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد كل عملية ارهابية تتعالى أصوات الاعلاميين مطالبة بسحق الارهابيين ومن يتعاطف معهم حتى أن البعض دعا إلى اعتقال أهل الارهابيين جميعا. هذه الاصوات تعكس فلسفة النظام التي تعتبر القمع علاج الارهاب.
الحقيقة ان القمع لا يقضي على الارهاب وانما يغذيه ويزيده ضراوة. اذا تورط شخص في عمل ارهابي وحوكم بطريقة عادلة سيظل في النهاية ارهابيا واحدا، اما اذا تم القبض على أقاربه وأفراد أسرته وتم تعذيبهم وانتهاك آدميتهم سينتهي الأمر بانتاج عشرة ارهابيين بدلا من ارهابي واحد. ان الاستبداد والقمع وتضييق الحريات وتشويه المعارضين كلها أساليب فاشية فشلت في كل مكان في مواجهة الارهاب.
عبد الفتاح السيسي ليس هو الجيش ولا الدولة ولا الوطن وانما هو موظف عام يصيب و يخطئ ومن حقنا بل من واجبنا ان نصوبه اذا أخطأ. اذا أردنا القضاء على الارهاب فلابد من تجديد الفقه الاسلامي ودحض المذهب الوهابي واعلاء سيادة القانون واحترام تعدد الآراء وحماية الحريات. المجتمعات الديمقراطية وحدها هي القادرة على التصدي للارهاب بالعدل والحرية.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW.