علاء الأسواني: لماذا ضحك السيسي على رقصة "كيكي"؟
٧ أغسطس ٢٠١٨كان أبي الراحل عباس الأسواني أديبا معروفا ومحاميا اشترك مثل أبناء جيله في النضال ضد الاحتلال البريطاني فتم اعتقاله بشكل متكرر. كانت أسرة أبي تعيش خلال الأربعينيات من القرن الماضي في منزل كبير من طابقين في شارع رضا بالسيدة زينب، وحكت لي جدتى انها كانت دائما تستقبل الضابط الذي يأتي لاعتقال أبي في حجرة الجلوس في الدور الأول، وترجوه أن يلتزم الهدوء حتى توقظ أبي بغير أن تفزع خوته.
تؤكد جدتي أن الضابط كان يستجيب إلى طلبها بل ويعتذر لأبي لأنه ينفذ التعليمات. على كثرة مرات اعتقال أبي فانه لم يتعرض للتعذيب قط بل وعادة ما كان يقضى الليلة الأولى في مكتب مأمور القسم يتسامر مع الضباط الساهرين الذين كانوا يخاطبونه بلقب "الأستاذ عباس".
وعندما اعتقل أبي بتهمة ملفقة هي الاشتراك في حريق القاهرة وظل مسجونا لشهور في سجن الأجانب لم يتعرض إلى التعذيب مطلقا بل انه اشترك مع زملائه المعتقلين في مباريات كرة قدم وقدموا عروضا مسرحية وكان الطعام الساخن يأتيه يوميا من البيت، وأحيانا من باب التغيير كان يطلب الطعام من مطعم جروبي الشهير بالاضافة إلى سجائره المفضلة من نوع "لاكي سترايك "..نفس المعاملة الانسانية تحدث عنها الرئيس الراحل أنور السادات عندما كان مسجونا عام 1946 أثناء محاكمته بتهمة الاشتراك في اغتيال أمين عثمان (وزير المالية في حكومة الوفد) يشكو السادات في مذكراته من حادثتين اعتبرهما انتهاكا صارخا لحقوقه: أولا عندما تأخرت ادارة السجن في تسليمه حقيبته الشخصية مما أدى إلى عدم حلاقة ذقنه وغسيل أسنانه، والواقعة الأخرى عندما أيقظه مأمور السجن أثناء الليل وأخرجه في الفناء لمواجهته مع بعض المتهمين وكان الجو باردا لدرجة قد تؤذي صحته. عدا ذلك كان أنور السادات مثل أبي الراحل يطلب طعامه من أفخر مطاعم القاهرة وقد أصدر مع زملائه المساجين مجلة وزعوها في السجن وقدموا عرضا مسرحيا قام فيه السادات بدور هارون الرشيد.
هكذا كانت الدولة المصرية تعامل المعتقلين السياسيين حتى استولى العسكريون على حكم مصر عام 1952، فسيطرت المخابرات الحربية على المعتقلات وبدأ التعذيب بالكهرباء والكلاب البوليسية والضرب والتعليق وهتك الأعراض وقد أدى هذا القمع الوحشي إلى قتل كثيرين من أبرزهم المناضل، خريج جامعة كامبردج ، شهدي عطيه الشافعي الذى مات من التعذيب عام 1960. كان عبد الناصر المؤسس الأول لآلة القمع الجبارة التي سحقت معارضيه من كل الاتجاهات السياسية، ولم تتوقف آلة القمع يوما واحدا مع تعاقب الرؤساء على مصر حتى خلال العام الذي تولى الحكم فيه الاخوان المسلمون وكلنا نذكر الشهيد محمد الجندي الذي مات من التعذيب وزعمت حكومة الاخوان انه مات في حادث سيارة ونذكر أيضا كيف أشاد مرسي في التليفزيون برجال الشرطة الذين قتلوا عشرات المتظاهرين المعترضين على الأحكام في قضية مذبحة بورسعيد. على أن القمع في عهد السيسي هو الأسوأ في تاريخ مصر فالتقديرات تتراوح بين 40 و100 ألف معتقل تحت الحبس الاحتياطي لمدد مفتوحة أو يحاكمهم النظام بتهم مطاطة وهمية مثل نشر أخبار كاذبة والحض على كراهية الدولة.
عشرات التقارير من المنظمات المستقلة الدولية والمحلية تؤكد التعذيب البشع الذى يتعرض له المعتقلون في مصر. جريمة هؤلاء المعتقلين الوحيدة انهم معارضون للسيسي أو أنهم غير معجبين بعبقريته ونبوغه. يجب أن ندافع عن حقوق المعتقلين كبشر بغض النظر عن توجهاتهم السياسية .الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح (66 عاما) يتعرض للموت البطيء لأنه يحتاج إلى رعاية طبية بعد اصابته بالذبحة الصدرية لدرجة انه لم يستطع الوقوف أمام القاضي الذي سمح له بالجلوس ورغم ذلك جدد حبسه لمدة 45 يوما ورفض احالته إلى المستشفى. هذه جريمة شروع في قتل يرتكبها نظام السيسي ضد معتقلين كثيرين فيحرمهم من حقهم في العلاج مثل المدون وائل عباس الذي يعاني من متاعب في القلب ويرفض السجن عرضه على طبيب والدكتور حازم عبد العظيم الذي يعانى من آلام رهيبة في عظام ساقيه لكن أجهزة الأمن ترفض علاجه. أضف إلى ذلك الاهانة والضرب والتعذيب والحبس الانفرادي غير القانوني، وكلها ممارسات تعرض لها كثيرون مثل محمد اكسجين وشادي الغزالي وأحمد دومة ومحمد عادل وآلاف المعتقلين الاسلاميين والرئيس المعزول محمد مرسي المحبوس انفراديا والمحروم من زيارة أسرته منذ خمس سنوات.
إن ما يحدث في سجون السيسي جريمة ضد الانسانية ووصمة عار ستظل تلاحق المسؤولين في النظام وكل من يسكت على هذا الاجرام. في مصر شيء اسمه مجلس حقوق الانسان يعين النظام أعضاءه ويمنحهم مرتبات مجزية وهم للأسف لا يفعلون شيئا جديا لايقاف جرائم النظام في حق المعتقلين. اعلام السيسي التابع للمخابرات يؤكد ان آلاف المعتقلين ارهابيون ولذلك فهم بلا حقوق. هذه النظرية الفاشية تتجاهل عدة حقائق: أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته وأن حقوق السجناء في الدول المتحضرة لا تتأثر بالتهم الموجهة اليهم، كما أن هناك فرقا كبيرا بين الدولة والعصابة فالدولة تنفذ القانون ضد مرتكبي الجرائم أما العصابة فهى ترد على الجرائم بجرائم مثلها.
في وسط هذه المأساة التي تحدث لآلاف المعتقلين فوجئنا بالسيسي في مؤتمر الشباب يتحدث عن رقصة "كيكي" ويستغرق في الضحك. لا أفهم كيف يكون السيسي مسؤولا عن معاناة آلاف البشر في السجون ويبدو خالي البال وسعيدا لهذه الدرجة. لماذا ضحك السيسي على رقصة " كيكي"؟
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* الموضوع يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.