علاء الأسواني: لماذا يحتقر السيسي إرادة المصريين ..؟
٥ فبراير ٢٠١٩عزيزي القارئ
تخيل أنك حجزت تذكرة طائرة ودفعت ثمنها بالكامل وأعددت حقائبك وذهبت إلى المطار وهناك فوجئت بشركة الطيران تطلب منك دفع ثمن التذكرة من جديد وإلا فإنك لن تسافر .. تخيل أنك استأجرت شقة وكتبت عقدا مع المالك ودفعت الإيجار وسكنت وبعد يومين فوجئت بالمالك يخبرك بأن الإيجار قد تضاعف، فإما أن تدفع الإيجار الجديد أو تغادر الشقة فورا. تخيل أنك دفعت مصروفات المدرسة لأطفالك ثم فوجئت بإدارة المدرسة تطردهم وتشترط لعودتهم أن تدفع المصروفات من جديد. في مثل هذه الحالات سترفض ماحدث وسوف ينتابك الغضب لأنك اتفقت مع الطرف الآخر فإذا به يخالف الاتفاق وينقض عهده معك. سيعود غضبك لسببين: سبب عملي هو المشكلة غير المتوقعة التي وجدت نفسك فيها وسبب معنوي هو أن الطرف الآخر يخدعك ويستخف بك و يتصور أن بمقدوره أن يفعل بك مايريد وقتما يريد لأنك في نظره بلا قيمة ولا قوة ولا كرامة ولا رأي .. هذا هو بالضبط ما يفعله نظام السيسي الآن في الشعب المصري. لقد كتب المصريون الدستور ووافقوا عليه في استفتاء بأغلبية كبيرة وقد مدح السيسي الدستور وأشاد به في مناسبات عديدة وأكد أنه لن يستمر في الحكم أكثر من فترتين كما يقضى الدستور وما أن بدأ السيسي فترته الرئاسية الثانية التى يفترض أن تكون الأخيرة حتى بدأت مسرحية سخيفة توالت مشاهدها على النحو التالي:
المشهد الأول: بدأ السيسي يوجه النقد للدستور في تصريحات غريبة تتناقض تماما مع تصريحاته السابقة التى أشاد فيها بالدستور
المشهد الثاني: تم القبض على شباب الثورة وشخصيات عامة وتم تلفيق التهم لهم والتنكيل بهم في السجون مثل يحيى حسين ومعصوم مرزوق وشادي الغزالي ويحيى القزاز ومحمد أكسجين وآلاف مثلهم. هؤلاء لاعلاقة إطلاقا لهم بالإرهاب، لكن النظام قرر عقابهم على شجاعتهم في إبداء الرأى وقد كان التنكيل بهم لهدفين: أولا توجيه ضربة استباقية لهم حتى لا يعترضوا على العبث بالدستور وثانيا تقديمهم بمثابة عبرة لمن يجرؤ على الاعتراض على مشيئة السيسي في تغيير الدستور.
المشهد الثالث : حيث أن المخابرات تسيطر على الإعلام بالكامل، فقد استضافت القنوات التليفزيونية مجموعة من المنافقين والدجالين وتم توزيع الأدوار عليهم، فطالب بعضهم بتعديل الدستور مباشرة وتقدم بعضهم برجاء واستعطاف للرئيس السيسي حتى يظل في منصبه لفترات أخرى حتى يستكمل إنجازاته (!)، بينما أعلن البعض أن الدستور ليس كتابا مقدسا ومن الطبيعي أن يتم تعديله أو تغييره بالكامل.
المشهد الرابع: البرلمان المصري لايعبر عن إرادة الشعب وإنما عن إرادة ضباط المخابرات الذين قاموا بتشكيله وهكذا تم تحريك النواب للمطالبة بتعديل الدستور ليبقى السيسي في السلطة إلى الأبد ولا بأس من وضع مواد أخرى في التعديلات للتمويه مثل إعطاء الأقباط مقاعد إضافية في البرلمان أو مناصب جديدة في الدولة أو زيادة عدد النساء في البرلمان حتى يبدو السيسي حاكما مستنيرا أمام العالم.
المشهد الخامس: سوف يعلن السيسي أنه لم يكن راغبا في البقاء في الحكم أكثر من فترتين، لكنه فوجيء فعلا بإرادة شعبية جبارة تريد منه البقاء وهو بالطبع لايملك إلا أن يطيع أمر الشعب.
هذه المسرحية السخيفة يعرفها المصريون جيدا، فقد سبق أن نفذها رؤساء سابقون. هذا العبث بالدستور يمثل أقصى درجات الاحتقار للمصريين. الدستور هو الذى يحكم علاقة الحاكم بالشعب، فلا يملك الحاكم ولا يجوز له أن يغيره كلما شاء وهو إذا فعل ذلك فقد شرعيته كحاكم وأصبح مجرد شخص اغتصب السلطة بالقوة المسلحة لا أكثر ولا أقل. المدهش أن اللجنة التي وضعت الدستور توقعت أن يعبث به السيسي ليبقى في الحكم إلى الأبد، فكتبت مادة 226 في الدستور التي تنص على:
"وفي جميع الأحوال لايجوز تعديل النصوص المتعلقة بإعادة انتخاب رئيس الجمهورية أو بمبادئ الحرية أو المساواة، مالم يكن التعديل متعلقا بالمزيد من الضمانات".
إن المسرحية التي تجرى الآن أمام أعيننا من تأليف شخص واحد هو عبد الفتاح السيسي ، إنه ببساطة لا يريد أن يغادر منصبه كما ينص الدستور ويريد أن يبقى رئيسا لمصر طوال العمر. إن العبث بالدستور معناه أن الرئيس السيسي يحتقر إرادة المصريين ، معناه أن المصريين ليسوا مواطنين وإنما رعايا ومن حق الحاكم أن يفعل بهم ما يشاء كيفما ومتى يشاء. العبث بالدستور معناه أننا فقدنا إرادتنا وكرامتنا وتحولنا إلى كائنات خاضعة ذليلة لا تجرؤ على التفكير أو الاعتراض أو حتى الكلام. أنا كمواطن مصري أرفض العبث بالدستور وأدعو المصريين جميعا إلى الدفاع عن الدستور الذين وافقوا عليه. أدعو أعضاء اللجنة التى كتبت هذا الدستور إلى احترام أنفسهم والتحلي بالشجاعة وإعلان رفضهم للعبث بالدستور. إذا لم ندافع عن حقوقنا فلماذا نلوم من يغتصبها؟ السيسي ليس إلها حتى ينفذ فينا مشيئته، فنستسلم. إذا كانت عقوبة التظاهر السلمي سنوات من السجن فهناك عشرات الوسائل غير التظاهر لنعبر عن رأينا ونسمع الدنيا أصواتنا. اكتب هاشتاج على تويتر أو اكتب رسالة على التليفون وارسلها لأصدقائك. اكتب لافتة صغيرة "أرفض العبث بالدستور" وعلقها على نافذة بيتك. كل هذه الاشياء الصغيرة لايمكن عقابك عليها وسيكون لها تأثير كبير وحاسم. لابد أن نسمع أصواتنا للسيسي وللعالم كله. يجب أن نثبت أننا مواطنون أصحاب إرادة وكرامة وإذا لم يحترمنا الحاكم فبمقدورنا أن نجبره على احترامنا.
الديمقراطية هي الحل draswany57@yahoo.com
*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW.