1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

علاء الأسواني: متى نعرف "حكم الجدارة"..؟

٢٢ يناير ٢٠١٩

في مقاله* لـDW عربية يشرح علاء الأسواني معنى حكم الجدارة.

Kolumnisten Al-Aswani
صورة من: Imago/El Mundo

منذ سنوات، تم اختياري عضوا في لجنة تحكيم مسابقة للفيلم التسجيلي. كان أعضاء اللجنة فنانين معروفين وكانت رئيسة اللجنة مخرجة أفلام تسجيلية. يفترض أن تشاهد اللجنة الافلام المتسابقة كلها لكنني فوجئت بأن رئيسة اللجنة استبعدت الأفلام التي أنتجها التليفزيون المصري. دخلت في نقاش حاد معها حتى أجبرتها على عرض الأفلام المستبعدة وعرفت فيما بعد أن لديها مشكلة مالية مع مسئولي الانتاج في التليفزيون وأرادت أن تنتقم باستبعاد أفلامهم.

كنت متحمسا لفيلم عن المعتقلات في المغرب وحاولت اقناع اللجنة بأحقيته في الفوز لكنى فوجئت برئيسة اللجنة تقول:

ــ أرجو عدم منح أي جائزة لهذا الفيلم أولا لأن رسالته السياسية سلبية ثانيا لأنه من انتاج قناة الجزيرة المعادية لمصر. لو فاز هذا الفيلم سنقع في مشاكل مع السلطات نحن في غنى عنها.

انسحبت من لجنة التحكيم وأصدرت بيانا أشرح فيه ما حدث. تكررت مثل هذه الوقائع معي في عدة مسابقات أدبية وفنية مما جعلني أعتذر عن عدم التحكيم في المسابقات المصرية. في نفس الوقت كنت عضوا للتحكيم في مسابقات أدبية دولية فوجدت التحكيم يجرى بموضوعية وبدون ضغوط أو وساطات. لماذا نرى الموضوعية في المسابقات الدولية ولا نراها غالبا في مسابقاتنا العربية؟ 

هل يعنى ذلك أن طبيعة الغربيين الأخلاقية أفضل من طبيعتنا نحن العرب.؟ الاجابة بالنفي فلا توجد طبيعة أخلاقية ثابتة للشعوب والأخلاق ليست قيمة مطلقة وانما ظاهرة اجتماعية. بعض الناس يظنون اننا لو قدمنا المواعظ والنصائح يوميا للشعب فان ذلك سيؤدى إلى انتشار الأخلاق الحميدة. هذ التصور الساذج يفترض ان الناس يتصرفون أخلاقيا بمعزل عن السياق الاجتماعي الذى يعيشون فيه. الحقيقة ان النظام القائم في أي مجتمع يخرج من الناس أفضل او أسوأ أخلاقهم. لو اننا وضعنا الغربيين في الظروف التي نعيش فيها كمصريين فانهم سيتصرفون حتما مثلما نتصرف. ان الفرق بيننا وبين الغربيين يتلخص في كلمة واحدة

MERITOCRACY

وهو مصطلح يمكن ترجمته بحكم الجدارة. بمعنى أن يحصل الناس على مناصبهم ويترقون في المجتمع وفقا لجدارتهم فقط. أعمل الآن كأستاذ زائر للأدب في جامعة

DARTMOUTH

وهي من أكبر الجامعات في الولايات المتحدة وقد لاحظت ان الطلاب يتمتعون بمستوى عال من المعرفة والذكاء. السبب في ذلك ان سياسة القبول في الجامعة منفصلة عن القدرات المالية للطلاب. الطلاب يتقدمون للالتحاق فيتم قبولهم في الجامعة بناء على مؤهلاتهم (فلا يتم رفض طالب متفوق لأنه فقير) بعد ذلك تدرس الجامعة حالتهم المالية ومن لايستطيع دفع مصروفات تقدم له الجامعة قرضا يرده بعد تخرجه. الجدارة هنا وحدها هي السبب في قبول الطلاب وليس الواسطة أو مكانتهم الاجتماعية أو قدراتهم المالية. هذا مجرد تطبيق لحكم الجدارة الذي هو نظام سياسي اجتماعي كامل  لايمكن أن يحدث الا في دولة ديمقراطية حيث يتم تطبيق القانون على الجميع حتى أكبر مسؤول في الدولة الذي لو أساء التصرف في المال العام مرة واحدة فانه سيحاكم ويتم القاؤه في السجن.

يعلمنا التاريخ ان الديكتاتوريات جميعا انتهت بفشل وكوارث والسبب ان الديكتاتورية تنسف حكم الجدارة من أساسه. الديكتاتور يستولي على السلطة بالقوة أو يرثها عن أبيه بغض النظر عن جدارته وهو يمنح المناصب لمن يثق فيهم بغض النظر عن جدارتهم، وهكذا تختفي المعايير العادلة الشفافة للترقي و ينفتح الباب على مصراعيه للوساطة والمجاملة فيأخذ اصحاب الحظوة والأفاقون والمنافقون مناصب ليست من حقهم ويتوارى أصحاب الجدارة لأنهم لا يمتلكون العلاقات أو الوساطات اللازمة.

هكذا يتم تعيين أبناء أساتذة الطب في مناصب المعيدين بغض النظر عن جدارتهم ويتم تعيين أبناء الكبار من ذوي النفوذ بالأمر في أفضل الوظائف. بعض البنوك في مصر تضطر لتعيين أولاد الكبار، بغض النظر عن جدارتهم، حتى تتقي شرهم وتلجأ اليهم في الأزمات. عندما يتأكد الناس أن الجدارة لاتؤدي للترقي يتحول الفساد من سلوك إلى ثقافة ويصبح من العادي والمقبول تماما أن يتدخل الكبار لتغيير نتائج امتحان جامعي أو تعيين شخص في منصب لا يستحقه أو التحكم في نتيجة المسابقات الفنية والأدبية، كل هذه الانحرافات تصبح جزءا من الحياة اليومية ونادرا ما يتصدى أحد لمقاومتها. ما مصير البلد اذا كان معظم من يحكمونه ويقررون سياساته ليسوا جديرين بمناصبهم.

من الطبيعي أن يتدهور الأداء العام في كل المجالات حتى تصاب الدولة بالفشل الكامل، ومن الطبيعي أيضا أن يصاب الأشخاص الأكفَّاء بالاحباط ويحاولون الخروج من بلدهم بأى طريقة ليعيشوا في بلاد أخرى تكون الجدارة فيها السبب الوحيد للترقي. مئات الألوف من المصريين المهاجرين: أطباء ومهندسين وعلماء نجحوا في الغرب ووصلوا إلى أكبر المناصب لأنهم أثبتوا جدارتهم أما في مصر فكان مستحيلا عليهم أن يحققوا أي تقدم لأن الجدارة لا مكان لها. هنا نقف وجها لوجه أمام المأساة: مصر بلد لديها امكانات تجعلها دولة عظمى في سنوات قليلة لكنها تخسر أفضل العقول وتطردهم لتفسح الطريق أمام الأفاقين والطبالين. عبد الفتاح السيسي ديكتاتور (هذه حقيقة لا ينكرها مؤيدوه) وأي ديكتاتورية تحمل بذرة فشلها داخلها. مهما كان الديكتاتور مخلصا فان حكمه لابد أن ينتهي بكارثة ان لم يكن اليوم فغدا. لن تنهض مصر الا اذا تبنت حكم الجدارة ويستحيل أن يحدث ذلك الا باقامة الدولة الديمقراطية العادلة.

  الديمقراطية هي الحل

 draswany57@yahoo.com

*المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW. 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW