علاء الأسواني: هل تريد أمريكا نظاما ديمقراطيا في مصر ..؟!
٨ أكتوبر ٢٠١٩في يناير 2012 جاء الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر في زيارة لمصر ودعاني إلى لقائه. ذهبت إلى اللقاء فوجدت بين المدعوين المفكر الكبير الدكتور جلال أمين والدكتور خالد فهمي أستاذ التاريخ المعروف والمحامية الثورية راجية عمران وآخرين.
بدأ الرئيس كارتر الحديث بالتعبير عن سعادته بالثورة المصرية. كانت الانتخابات البرلمانية قد انتهت لتوها وأسفرت عن أغلبية للإسلاميين من الإخوان المسلمين والسلفيين. فوجئت بالرئيس كارتر يؤكد نزاهة العملية الانتخابية ثم انطلق في فاصل مديح لجماعة الإخوان المسلمين..بعد ذلك طلب كارتر الاستماع إلى آرائنا ولما حان دوري قلت:
ــ سيادة الرئيس اسمح لي ان أختلف معك لأن الانتخابات لم تكن نزيهة. لقد قام الإخوان بشراء أصوات الفقراء بشنط الزيت والسكر ولدينا عشرات الفيديوهات والشهادات التي تؤكد ذلك. وقد تقدمنا بكل هذه الأدلة إلى اللجنة العليا للانتخابات لكنها تجاهلتها تماما والسبب في ذلك أن هناك تحالفا بين الاخوان والمجلس العسكري من أجل إجهاض أي تغيير حقيقي تريده الثورة.
بدا الرئيس كارتر وكأنه لم يسمعني اذ أنه ابتسم وقال:
ــ هل تعتبر هذه الانتخابات غير ديمقراطية؟
ــ قلت لسيادتك إن الاخوان يشترون أصوات الفقراء بالزيت والسكر..؟
قال كارتر:
- هذا يحدث عندنا أيضا في أمريكا
قلت له:
ــ عفوا..لقد تعلمت في الولايات المتحدة وحضرت الانتخابات أكثر من مرة. لايمكن أن يحدث هذا أبدا في أمريكا.
سألني كارتر:
- لماذا لاتعتبر توزيع الزيت والسكر على الفقراء عملا خيريا؟
أجبته:
ــ العمل الخيري لايكون مشروطا بالتصويت لصالح الإخوان. إنهم يوزعون الزيت والسكر مقابل تصويت الفقراء لصالحهم. يستحيل أن تكون هذه انتخابات ديمقراطية.
لم يبد كارتر سعيدا بالحوار معي فتجاهلني تماما ووجه حديثه إلى أحد الزملاء وفتح موضوعا آخر. كان انطباعي أن كارتر (الذى ينتمى إلى الحزب الديمقراطي) يؤيد الإخوان المسلمين، ويبدو سعيدا بأن يتولوا السلطة في مصر وقد تأكد هذا التأييد بعد ذلك عندما ذهب كارتر للقاء مرشد الإخوان، بل إنه عقد لقاءا منفردا مع محمد مرسي (في وقت لم يكن أحد يعرف مرسي ولا يتوقع ترشيحه للرئاسة). بدا لي الأمر وكأن التحالف بين الإخوان والمجلس العسكري قد تم برعاية الادارة الأمريكية، ولعلنا نذكر أثناء الثورة - قبيل تنحي مبارك - كيف فوجئنا بخبر في جريدة الأهرام يؤكد أن الفريق سامي عنان رئيس أركان الجيش قطع زيارته إلى البيت الأبيض مع أن الزيارة لم يعلن عنها أساسا. الواقع أن الحزب الديمقراطي الأمريكي كان ولازال مؤيدا للإخوان المسلمين وقد ظهر في السنوات الأخيرة من أسميهم"الاسلاميون اللطفاء".
CUTE ISLAMISTS
هؤلاء الجيل الثانى من الإخوان، ولدوا في أمريكا وتلقوا تعليما جيدا ثم انفتحت عليهم البوابة الذهبية للمنح الدراسية والتدريبية من مؤسسات عديدة مثل فولبرايت وغيرها. إنهم يذهبون بشكل دوري ليعيشوا في البلدان العربية وتستعين بهم الحكومة الأمريكية في مراكز الابحاث
THINK TANKS
ليساعدوا صناع القرار بالمعلومات التي يجمعونها عن الحركات الاسلامية والمجتمعات العربية. بالاضافة إلى الخدمات التى يقدمونها لحكومتهم الأمريكية، فان هؤلاء الإسلاميين اللطفاء يعملون كمندوبين دعاية للإخوان المسلمين فينشرون مقالات ويلقون محاضرات يخفون فيها تماما الفكر الفاشي والتاريخ الدموى للإخوان. لايتحدثون أبدا عن دعوة الجهاد باستعمال العنف التي أطلقها حسن البنا مؤسس الجماعة وأسس لها مفكر الجماعة سيد قطب ولا يتكلمون أبدا عن الجهاز السري المسلح للإخوان ولا عن نظرية الخلافة التي تفرض على الاخوان قتال الأمم غير المسلمة.
الإسلاميون اللطفاء هم الذين نشروا أكذوبة أن محمد مرسي "كان أول حاكم مصري مدني منتخب ديمقراطيا" وقد رددها بعدهم صحفيون أمريكيون لا يعرفون الكثير عن تاريخ مصر. قبل استيلاء الجيش على السلطة في عام 1952 عرفت مصر حكاما منتخبين كثيرين كان أهمهم الزعيمان سعد زغلول ومصطفى النحاس. أضف إلى ذلك أن الرئيس المدني تطلق على شخص أعزل يتم انتخابه بمفرده ولايمكن اعتباره مدنيا عندما ينتمي مثل مرسي إلى جماعة لديها عشرات الألوف من أعضاء الميليشيات المنظمة العنيفة التي تنزل فورا بالأمر للتنكيل بخصوم الرئيس كما حدث مرارا في أحداث الاتحادية وحصار المحكمة الدستورية وحصار مدينة الانتاج الاعلامي وغيرها.
أما حكاية أن مرسي منتخب ديمقراطيا فأنا أدعو من يردد هذا الكلام إلى البحث على موقع يوتيوب بكلمات "انتخابات - الإخوان - الزيت والسكر" ولسوف يرى بعينيه عشرات الفيديوهات التي توثق شراء أصوات الفقراء مما ينفي تماما ديمقراطية الانتخابات.
الحزب الديمقراطي الأمريكي يساند الإخوان المسلمين وبالمقابل فان الجمهوريين يساندون الديكتاتورية العسكرية في مصر والحق أن الموقفين الديمقراطي والجمهوري بعيدان تماما عن فكرة الديمقراطية وإنما الغرض المشترك الوحيد للحزبين هو تحقيق المصالح الأمريكية والاسرائيلية.
إن السياسيين الأمريكيين يفضلون أن تتولى حكم مصر قوة محافظة حتى لوكانت رجعية فاشية لأنها ستكون أسهل في التعامل من حكومة ثورية ديمقراطية قد توافق على المطالب الأمريكية مرة ثم ترفضها مرارا اعتمادا على تأييد الشعب. إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تتحدث كثيرا عن المبادئ الأمريكية لكنها لا تهتم الا بالمصالح الأمريكية حتى لو تحققت بواسطة ديكتاتورية عسكرية أو فاشية دينية. علينا إذن نحن المصريين ألا ننتظر من أي حكومة غربية أن تناضل من أجلنا.
إن معركة الحرية معركتنا وحدنا وعندما ننتصر فيها سوف ينصت إلينا العالم ويحترم إرادتنا.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي مؤسسة DW