علاء الأسواني: هل نحن مواطنون فعلا..؟
٥ ديسمبر ٢٠١٧كان أبو العباس السفاح مؤسس الدولة العباسية وأول خليفة عباسي وقد اكتسب لقب السفاح بعد أن قتل آلاف الأمويين. ذات يوم أعطى الخليفة أبو العباس الأمان لأمير أموي (سليمان بن هشام بن عبد الملك) فاستقبله بود وأحسن ضيافته ولكن أحد الشعراء استأذن ثم أنشد قصيدة وصف فيها جرائم الأمويين في حق العباسيين. عندئذ تغير مزاج الخليفة أبي العباس وتملكه الغضب فأمر بقتل الأمير الأموي فتم ذبحه فورا. سوف يتكرر نفس المشهد الدموي بين الخليفة أبي العباس ومجموعة من الأمراء الأمويين الذين أعطاهم الأمان واستقبلهم بود لكن شاعرا أنشد قصيدة هيجت أحزان أبي العباس فأمر بقتلهم جميعا، ثم أمر بتغطية جثثهم ببساط كبير ودعا بالطعام وأكل على جثث ضحاياه ثم قال:
"والله ما أكلت أشهى من هذه الأكلة قط".
هذا النمط من الحوادث تكرر بلا انقطاع عبر التاريخ العربي، فالسلطان كثيرا ما يتغير مزاجه او ينتابه غضب مفاجيء بسبب هفوة أو كلمة أو قصيدة، فيأمر بقتل أحد جلسائه. هكذا بلا تهمة ولا تحقيق ولادفاع يأمر السلطان بقتل أي إنسان فتطير رقبته فورا. للانصاف لم يكن هذا الحكم الدموي قاصرا على الدولة العربية، وإنما كان نمطا معتادا في الامبراطوريات القديمة جميعا. لم يكن مفهوم المواطنة قد نشأ وكان الناس مجرد رعايا للسلطان عبيد احسانه ورهن مشيئته.
على أن الانسانية تطورت على مدى قرون وطبقت مباديء حقوق الإنسان وتبنت مفهوما جديدا للعلاقة بين الحاكم والشعب، فلم يعد السلطان ظل الله على الارض ولا هو شيخ القبيلة ولا كبير العائلة ولا رمز الوطن. كل هذه الألقاب الاستبدادية انتهت من الدول الديمقراطية الحديثة وأصبح الحاكم مجرد موظف يعمل في خدمة الشعب تحاسبه أكثر من جهة رقابية بخلاف البرلمان الذي يراقب قراراته ويستطيع أن ينزع الثقة منه في أي وقت.
هذا التطور في مفهوم السلطة لم يصل إلى عالمنا العربي بعد. لقد عاش العرب قرونا تحت الاحتلال العثماني ثم الاحتلال الاوروبي وعندما حصلوا على الاستقلال في خمسينيات وستينيات القرن الماضي سقطوا في قبضة أنظمة استبدادية قمعية..
في أي دولة عربية ستجد برلمانا وأحزابا وصحافة وبرامج تليفزيونية وندوات تدير مناقشات صاخبة مطولة، كل هذه أشكال زائفة تسيطر عليها المخابرات، أما صاحب القرار الأوحد فهو الحاكم سواء كان ملكا ورث العرش أو رئيسا حصل على منصبه بالقمع والتزوير. ربما تقدم العالم العربي في التعليم أو انشاء المدن أو المشروعات المختلفة، أما في الفكر السياسي فنحن العرب للأسف لازلنا في العصور الوسطى.
هكذا رأينا ولى العهد السعودي يحتجز سعد الحريري رئيس وزراء لبنان ويجبره على الاستقالة حتى تدخل الرئيس الفرنسي لإطلاق سراحه، ثم يقرر ولي العهد السعودي فجأة القبض على مجموعة من الأثرياء والأمراء ويتهمهم بالفساد بلا محاكمة ولا قرارات اتهام ولا دفاع من محامين، ثم يفرض عليهم دفع الأموال حتى يطلق سراحهم.
بعض الآكلين على موائد السعودية يصفقون لهذا الاجراء القمعي باعتباره حربا على الفساد والحق أن محاربة الفساد لا تكون بالإرادة المنفردة للسلطان، وإنما بجهاز قضائي يطبق القانون على الجميع بمن فيهم الحاكم نفسه، ثم ظهرت قضية أحمد شفيق تلميذ مبارك وممثل عصره وهو مسئول عن سقوط العشرات من شهداء الثورة في موقعة الجمل وكانت لديه قضايا فساد تم تحويل معظمها إلى القضاء العسكري ولم نسمع بها بعد ذلك.
استقال شفيق من منصب رئيس الوزراء تحت ضغط الثورة المصرية وبعد أن خسر أمام مرسي مرشح الإخوان في انتخابات رئاسية (تحيط الشكوك بنتائجها) لجأ إلى الإمارات حيث إرادة السلطان هي القانون مثل بقية الدول العربية. سلطان الإمارات تربطه علاقة ممتازة بسلطان مصر السيسي، وهكذا كان شفيق محل ترحاب في الإمارات حتى قرر الترشح لانتخابات الرئاسة.
لا توجد انتخابات ديمقراطية أصلا في مصر، فالإعلام والشرطة وأجهزة الدولة جميعا تساند السيسي، لكن ترشح شفيق سيكون مصدر قلق للسيسي لأنه ينتمي للجيش مثله وقد يكون له مناصرون داخل أجهزة الدولة. هنا تغير مزاج سلطان الإمارات فقام بتحديد إقامة أحمد شفيق ومنعه من السفر. وعندما تحدث شفيق لوسائل الإعلام هاجمه المسئولون في الإمارات واعتبروه ناكرا للجميل، وكأن المفروض أن تتم تحديد إقامته فيشكرهم اعترافا بالجميل. وفي اليوم التالي تم اعتقال شفيق وترحيله إلى مصر حتى يعرف السيسي شغله معه. كل هذه الأحداث تؤكد أن حكامنا - وإن كانوا يعيشون في قصور فخمة ويركبون أحدث السيارات والطائرات - لازالوا ذهنيا وسياسيا يعيشون في عصر أبي العباس السفاح.
ليس من الانصاف أن نحمل الحكام العرب وحدهم مسئولية الاستبداد فنحن العرب - كمحكومين - مسئولون بنفس القدر عن الاستبداد لأننا لانرفض الديكتاتورية من حيث المبدأ، لكننا نرفضها فقط إذا ساءت نتائجها. في دول الخليج، بلا استثناء، انتهاكات رهيبة لحقوق الإنسان لكن أهل الخليج غالبا يحبون حكامهم المستبدين برغم قمعهم لأنهم يتمتعون بحياة مريحة بفضل إيرادات النفط. القوميون العرب يعتبرون حكاما سفاحين مثل القذافي وصدام حسين وبشار الأسد أبطالا للعروبة لأنهم في رأيهم تصدوا للإمبريالية الأمريكية. الإسلاميون على استعداد لتأييد أى طاغية مادام يطبق ما يعتبرونه قوانين الشريعة، هكذا ناصروا ضياء الحق في باكستان والنميري في السودان ويناصرون الآن أردوغان في تركيا. عندما نتعلم أن نرفض الاستبداد من حيث المبدأ، عندئذ فقط سيحقق العرب النهضة الحقيقية.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة رأي مؤسسة DW