بعد ثمانين عاما من وصف أينشتاين فكرة أن مراقبة جسيم ما يمكن أن تغير في نفس الوقت من وضعية جسيم آخر بعيد عنه بأنها خيالية، قال علماء ألمان إنهم أكدوا ثقتهم في صحة هذه الفرضية.
إعلان
يبدو أن هذا الكشف العلمي الجديد كان ليحبط آينشتاين لو كان حياً، فقد أفاض باحثون ألمان في دورية (نيتشر) في تفاصيل تجربة كيف أن إلكترونين في موقعين منفصلين تفصل بينهما مسافة 1.3 كيلومتر في حرم جامعة (دلفت) للتكنولوجيا نشأت بينهما رابطة واضحة وآنية وغير مرئية.
وسدت هذه الدراسة الجديدة ثغرات في تجارب سابقة تركت ظلالا من الشك بشأن ما إذا كانت هذه العلاقة الغامضة التي تضمنتها نظرية الكم حقيقية أو خلاف ذلك. وكان آينشتاين قد اشتهر بتمسكه في ثنايا بحوث علمية في عام 1935 بأن ما وصفه بأنه "الفعل الخيالي من على بعد" يجب أن يجافيه الصواب وأنه يجب أن تكون هناك خصائص لم تكتشف بعد للجسيمات لتفسير مثل هذا السلوك الذي يناقض الفطرة.
ومثل هذه الفكرة تبث الحيرة في خبراتنا الحياتية اليومية حيث لا يبدو أن التغيرات تظهر للعيان إلا من خلال تفاعلات مكانية. لكن أدلة علمية تراكمت في العقود الأخيرة أفادت بأن الجسيمات قد تتصل وترتبط بعضها بعضا في واقع الأمر مهما كانت المسافة التي تفصل بينها.
ويذكر العلماء تجربة جامعة (دلفت) ثقتهم في التجربة لأنه -وللمرة الأولى- قام العلماء بسد فجوتين محتملتين في آن واحد تشير الأولى إلى أن الجسيمات قد تتصف بسلوك تزامني على نحو ما فيما توضح الثانية أن التجارب السابقة ربما لم ترصد سوى زوجين مترابطين غير أساسيين من الجسيمات. ومن أجل إثبات هذه الفرضية استخدم الفريق البحثي تحت إشراف رونالد هانسون الأستاذ بجامعة (دلفت) ألماستين تحتويان على شراك دقيقة للإلكترونات ذات خاصية مغناطيسية تسمى عزم الدوران ثم رصدوا جميع الأزواج المترابطة على مسافة 1.3 كيلومتر تفصل بين المختبرين.
محاكاة الانفجار الكوني العظيم - مشروع رائد كشف العجائب
قبل 5 سنوات جرت في مختبر مصادم الهدرونات الكبير (LHC) لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية محاكاة للانفجار العظيم. استخدمت في التجربة كاميرات عملاقة واكتشفت أشياء مثيرة، في مشروع مفتوح لكل الجامعات والمعاهد في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa/Illustris Collaboration
في نهاية مارس/ آذار 2010 أجرت المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية عملية محاكاة صغيرة للانفجار العظيم، بقيادة علماء فيزياء الجسيمات. كان هناك مناهضون لهذه العملية وحاولوا منعها بطرق قانونية. فقد كانوا يخشون أن تتسبب في نهاية العالم. لكنها أجريت في النهاية وأسفرت عن اكتشافات مثيرة.
صورة من: picture-alliance/dpa/Illustris Collaboration
وفي عام 2013، تم اكتشاف "بوزون هيغز"، وهو جسيم أولي يعتقد أنه المسؤول عن اكتساب المادة لكتلتها. كاميرا رقمية عملاقة، أطلق عليها اسم "أطلس" تمكنت من تصوير أصغر عناصر بناء الكون وأجزاء من نواة الذرة. وهنا رسم جداري للتجربة يبين مدى ضخامة "أطلس". أما الكاشف نفسه فهو أكبر حجما ويقع على عمق 90 مترا.
صورة من: DW/F.Schmidt
وعلى طول مختبر مصادم الهدرونات الكبير توجد أربع كاميرات كاشِفات. أسماؤها: "أليس"، و"أطلس"، و"سي ام اس"، و"ال اتش سي بي". ومن يريد مشاهدتها عليه أن يهبط إلى أعماق الصخور في الألب الفرنسية والسويسرية، ويجب أن يرتدي خوذة لحماية رأسه، فهناك تنتشر مواسير وتوصيلات، ويمكن أن يرتطم الرأس بها بسهولة، أو أن تسقط أي معدة من أعلى على الرأس.
صورة من: DW/F.Schmidt
هكذا تبدو الصور التي رصدت في التجارب عند تصادم البروتونات أو أيونات الرصاص مع بعضها بسرعة الضوء، مسببة إطلاق أصغر الجسيمات الأولية، بوزون هيغز، المكتشف حديثا. إنها جزيئات تكون منها الكون الذي نعيش فيه في أول جزء من مليار جزء من الثانية بعد الانفجار العظيم.
صورة من: 2011 CERN
في هذا الأنبوب تتسارع أيونات الرصاص وبروتونات الهيدروجين بطاقة قطار سريع، وتبقى في مسارها بفضل وحدات مغناطيس كهربية. الأنبوب يقع في أعماق أراضي سويسرا وفرنسا، ويبلغ محيطه 27 كيلومترا.
صورة من: DW/F.Schmidt
وحدات المغناطيس الكهربية، المذكورة تتكون من لفائف فائقة التوصيل، ويتم تبريد الكابلات إلى 271.3 درجة مئوية تحت الصفر، لذلك تختفي منها المقاومة الكهربائية تماما. ولأجل ذلك يحتاج مُسَرّع سير الجزيئات إلى الكثير من الهيليوم السائل، الذي يتدفق في المواسير. وبهذا فإن المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية هي الجهة التي لديها أكبر ثلاجة في العالم.
صورة من: DW/F.Schmidt
لكل كاشِف كما هنا في "أطلس" غرفة تحكم عن بعد بسبب الخطورة. وعندما يكون مُسَرّع الجزيئات في وضع عمل يجب ألا يبقى أحد في الوحدات تحت الأرض. إذ لو خرج شعاع بروتون عن السيطرة يمكنه إذابة 500 كيلوغرام من النحاس. وتسرب الهيليوم قد يسبب الاختناق والتجمد، كما أن شعاع الجسيمات يمكن أن تكون له أنشطة نووية.
صورة من: DW/F. Schmidt
ملايين البيانات في الثانية الواحدة تمدنا بها الكاشِفات الأربعة عن تصادم الجزيئات. ولأنه ليس بالضرورة أن تكون كل التصادمات مهمة بالنسبة للعلماء؛ توجد عملية تصفية للبيانات المهمة. وتخزن على أقراص مدمجة (سي دي)، وتوضع في البداية في مركز الحاسب الآلي لدى المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية.
صورة من: DW/F.Schmidt
تنتج المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية كل عام الكثير من البيانات تكفي لتشكيل كومة من الأقراص المدمجة، بارتفاع عشرين كيلومترا. ولا تستطيع أقسام المحفوظات "الأرشيف" حتى الآن الاحتفاظ بكل هذه البيانات، لذلك يتم توزيعها في جميع أنحاء العالم. وهناك أكثر من 200 من الجامعات ومعاهد الأبحاث قامت بتوصيل مراكز الحاسب الآلي لديها مع بيانات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية، مكونة شبكة عالمية.
صورة من: DW/F.Schmidt
علماء فيزياء الجسيمات من كل أنحاء العالم مسموح لهم بالوصول إلى بيانات المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية. فالمنظمة تعتبر نفسها مقدم خدمات للجامعات والمعاهد التي تعمل في مجال البحوث الأساسية، كمشروع مشترك للبشرية جمعاء.
صورة من: DW/F.Schmidt
10 صورة1 | 10
وتسدل هذه التجربة بالفعل الستار على جدل علمي استمر 80 عاما، لكن هانسون قال إن لها آفاقا مهمة بالنسبة إلى المستقبل نظرا لأن علوم التشفير المتطورة تستعين بالفعل بخواص نظرية الكم لتأكيد أمن المعلومات. ومثل شبكات منظومات التشفير هذه التي تستخدم نظرية الكم ستكون مؤمنة بنسبة 10 في المائة إذا ما تم سد جميع الفجوات والثغرات مثلما حدث في تجربة (دلفت).
وقال هانسون لرويترز "ربما كانت هذه الثغرات أبوابا خلفية لاقتحام شبكات منظومة ما. وعندما تخلو المنظومة من الفجوات عندئذ تكون قد أضفت طبقة إضافية من التأمين وتكون واثقا بصورة مطلقة من استحالة أن يقوم المتسللون باقتحام الشبكات".