على عكس المتوقع ـ اليمين الشعبوي يتراجع في ألمانيا
٢٨ فبراير ٢٠١٧
بعد أن سجلت شعبيته تقدما كبيرا العام الماضي، عاد حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي المعادي للاجئين للتراجع. وأسباب ذلك تعود إلى حرب داخلية بين قادته، وكذلك لصعود نجم مرشح الاشتراكيين لمنصب المستشار مارتن شولتس.
إعلان
بعد أن عزز موقعه نتيجة سلسلة نجاحات حققها في انتخابات برلمانات الولايات عام 2016، وضع حزب "البديل من أجل ألمانيا" لنفسه هدفا بأن يصبح أول حزب يميني شعبوي يدخل البرلمان الاتحادي (بوندستاغ) منذ عام 1945، عبر الانتخابات التشريعية المقررة في 24 أيلول/سبتمبر. ليس هذا فحسب، بل سربت مصادر إعلامية رسالة داخلية للحزب تقول إن هدفه الوصول إلى نسبة الـ 20 في المائة في الانتخابات القادمة.
بيد أن "حسابات البيدر لم تنطبق مع حسابات الحقل"، حسب ما يقول المثل الشعبي. فقد أخذت شعبية الحزب تتراجع قبل سبعة أشهر من موعد الانتخابات. وكشف استطلاعان للرأي الأسبوع الماضي أن حزب البديل من أجل ألمانيا بات تحت عتبة 10 في المائة من نوايا الأصوات، بعيدا عن نتائجه في كانون الأول/ديسمبر التي وصلت إلى 15 في المائة. وحتى لو بقي فوق عتبة الـ 5 في المائة، اللازمة لدخوله البرلمان، فإن هذه النتائج تشكل تراجعا ملحوظا.
حرب أجنحة داخل الحزب الشعبوي
وتزامن بدء هذا التراجع مع الجدل الذي أثاره في منتصف كانون الثاني/يناير أحد أبرز كوادره وهو بيورن هوكه، رئيس الكتلة البرلمانية للحزب في ولاية تورينغن. وكان هوكه انتقد في خطاب سياسة ألمانيا الرسمية حول الجرائم النازية وإقامة نصب تذكاري لضحايا الهولوكست في قلب برلين.
وردا على هذا الخطاب اتخذت قيادة الحزب برئاسة فراوكة بيتري قرارا بوضع إجراءات فصل هوكه من الحزب قيد التنفيذ. بيد أن القرار اصطدم بالشعبية التي يحظى بها هوكه داخل الحزب، وبمعارضة زعماء آخرين لها. وفي مقدمة هؤلاء الرئيس المشارك للحزب يورغ مويتين ونائب الرئيس ألكسندر غاولاند لأنهم يطمحون لأن يحلوا مكانها، وهي الشابة البالغة من العمر 41 عاما.
وقال الباحث الألماني وأستاذ دراسات الهجرة في جامعة هومبولدت تيمو لوشوكي إن "ثمة نهجا (فراوكه بيتري) يرغب في إبقاء الحزب على أرضية مناهضة الهجرة حصريا، في حين أن النهج الأخر (بيورن هوكه) يرغب باعتماد موضوع جديد، فلنقل موضوع عظمة ألمانيا".
بيتري تسير على خطى مارين لوبان
والمعركة بين المعسكرين لا تجري بعيدا عن الأضواء: فقد أطلق مؤيدو هوكه دعوة إلى أعضاء الحزب لاستبعاد قادته الحاليين قبل أسابيع من اختيار قائمة مرشحي الحزب للانتخابات التشريعية. واعتبر لوشوكي أن الحزب "قد يخسر ثلث" أصوات ناخبيه المحتملين، الذين لا يستسيغون اعتماد خطاب قريب جدا من أطروحات اليمين المتطرف.
وتريد بيتري على غرار مارين لوبان في فرنسا، أن تقدم صورة مقبولة بعيدا عن التصريحات العنصرية والمعادية للسامية، من خلال الإصرار على الحفاظ على الهوية الألمانية المهددة بسبب وصول أعداد كبيرة من اللاجئين والمهاجرين المسلمين، حسب رأيها.
وبالنسبة إليها جاءت هذه الإستراتيجية بنتيجة إيجابية كما أظهرت نتائج انتخابات الولايات العام الماضي. إذ تراوح التأييد للحزب بين 10 إلى 20 في المائة.
ظهور شولتس خلط جميع الأوراق
بيد أن نهج فراوكه بيتري يتأثر سلبا بتشدد سياسة الهجرة لحكومة ميركل، التي جعلت من طرد طالبي اللجوء الذين رفضت طلباتهم، أولوية ما ساهم في إرضاء الناخبين الأكثر محافظة في الاتحاد الديمقراطي المسيحي. كما يواجه الحزب الشعبوي تراجعا في تأييد الناخبين الغاضبين من سياسة ميركل في مجال اللجوء. إذ أضر ترشيح الحزب الاشتراكي للرئيس السابق للبرلمان الأوروبي مارتن شولتس لمنصب المستشار بحظوظ الشعبويين.
وأظهرت استطلاعات الرأي أن شولتس متساو مع ميركل، ليس هذا فحسب، بل يتقدم عليها في استطلاعات أخرى، وهو ما شكل مفاجأة كبيرة لانتخابات كان معظم المراقبين يعتقد أنها محسومة لصالح المستشارة. كما ذكرت صحيفة "زودويتشه تسايتونغ" أن "الذين يريدون معاقبة ميركل لن يحتاجوا للتصويت لحزب البديل من أجل ألمانيا"، وذلك في إشارة إلى وجود شولتس.
أ.ح/ص.ش (أ ف ب)
مظاهر متعددة للتطرف في شرق ألمانيا
رغم أن اليمين المتطرف ظاهرة لا تقتصر على بلد معين، إلا أن الحكومة الألمانية أعربت مؤخرا عن قلقها من تنامي كراهية الأجانب ومعاداة الإسلام في الولايات الألمانية الشرقية. جولة مصورة في مظاهر التطرف اليميني بشرق ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
أعربت الحكومة الألمانية عن قلقها إزاء تنامي كراهية الأجانب والتشدد اليميني في شرق ألمانيا، محذرة من أنهما يشكلان تهديدا على السلم الاجتماعي وينفر المستثمرين الأجانب. الإحصائيات الأخيرة تؤكد هذه المخاوف: ففي عام 2014 مثلا سجل 47 من الاعتداءات ذات الدوافع العنصرية في شرقي ألمانيا، على الرغم من عدد السكان فيها لا يشكل سوى 17 بالمائة من إجمالي سكان البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
فمثلا، على الرغم من أن نشاط النازيين الجدد لا يقتصر على ألمانيا فحسب، بل سجل في عدد مناطق من العالم على غرار أمريكا والنرويج، إلا أن حزبهم "حزب ألمانيا القومي الديمقراطي" لم ينجح حتى الآن في الدخول إلى البرلمانات المحلية والمجالس المحلية إلا في شرقي ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Bimmer
شكلت مدينة دريسدن، بولاية سكسونيا شرقي ألمانيا، مهد ومعقل حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) التي تتظاهر منذ أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2014 ضد الإسلام والمسلمين وتواجد الأجانب في ألمانيا. وقد بلغت هذه الاحتجاجات ذروتها مع تدفق سيل اللاجئين، وأغلبيتهم من سوريا، على ألمانيا العام الماضي.
صورة من: picture-alliance/dpa/J. Stratenschulte
خلال احتجاجاتهم الليلية التي تنظمها حركة "أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" (بيغيدا) لم يتوان اليمينيون المتطرفون عن التعبير عن رفضهم لقدوم اللاجئين إلى ألمانيا. في إحدى المظاهرات حمل أحدهم لافتة تصور أناسا في قطار – وذلك في إشارة إلى أن أغلبية اللاجئين قدموا إلى ألمانيا في القطارات انطلاقا من المجر والنمسا – وقد كتب عليها بالإنجليزية: "اللاجئون غير مرحب بهم، عودوا بعائلاتكم إلى أوطانكم".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Schutt
اليمين المتطرف يرفضو أيضا التعددية الثقافية في إشارة إلى المهاجرين، الذين يعيشون في ألمانيا منذ عقود، ويعتبرونها دخيلة على الثقافة الألمانية. في الصورة أحد المتظاهرين في احتجاجات نظمتها حركة بيغيدا في مدينة دريسدن وهو يحمل لافتة كتب عليها "يجب وقف التعددية الثقافية. وطني (يجب) أن يبقى ألمانيّا".
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
كثيرا ما شهدت مدن شرق ألمانيا احتجاجات متكررة ضد اللاجئين وتنديدات بالمستشارة ميركل التي يتهمونها بفتح الأبواب على مصراعيها أمام "من هب ودب" دون أن تعير اهتماما لمخاوفهم ومشاكلهم. وفي الواقع، فقد شهد حزب المستشارة، الحزب الديمقراطي المسيحي، تراجعا في الانتخابات البرلمانية المحلية لعدد من الولايات الألمانية، وليس في شرق ألمانيا فقط.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
إضرام الحرائق في مآوي اللاجئين أو في البنايات المخصصة لإيواء اللاجئين أحداث - وإن لم تقتصر على ولايات شرق ألمانيا - تحسب على اليمين المتطرف وعلى كارهي الأجانب بصفة عامة واللاجئين بصفة خاصة. الصورة تظهر بناية خصصت لإيواء اللاجئين في بلدة باوتسن وهي تحترق. كما أظهرت التحقيقات فيما بعد أن الحريق كان بفعل إجرامي.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Löb
بعدما سمع اليمنيون المتطرفيو أن طائفة الأحمدية تريد أن تبني مسجدا بمنطقة نائية في إيرفورت بولاية تورينغن، شرقي ألمانيا، حتى سارعوا للاحتجاج رغم أن الأمر لم يتعد طور التخطيط. ورغم أن هذا المسجد الذي لايزال مجرد حبر على ورق هو الأول من نوعه في الولاية بأسرها والثالث في شرقي ألمانيا (باسثناء برلين)، إلا أن حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي يرى فيه مشروعا بعيد المدى لأسلمة ألمانيا.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Michael
الاحتجاج على بناء المساجد من قبل البعض في ألمانيا ليس بالأمر الجديد. بيد أن البعض استخدم وسائل أخرى للتعبير عن احتجاجه: ففي عام 2013 ومع انطلاق أشغال بناء أول مسجد في مدينة لايبتسغ وثاني مسجد على الإطلاق في شرق ألمانيا (باستثناء برلين) قام مجهولون بوضع رؤوس خنازير دامية على أرضية المبنى. حادث مماثل تكرر بعدها بثلاث سنوات عندما وضع مجهولون خنزيرا صغيرا ميتا أمام مسجد في المدينة ذاتها.
صورة من: picture-alliance/dpa
لأكثر من 10 سنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية انطلاقا من مدينة تسفيكاو بشرق ألمانيا، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه موندلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته تشيبه. ضحاياهم: ثمانية أتراك ويوناني وشرطية. دافعهم في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.