على غرار البوعزيزي ..هل تطلق صرخات لخميدي "الربيع المغربي"؟
١٤ أغسطس ٢٠٢١تظاهر المئات من المغاربة في وقت سابق من الأسبوع الجاري احتجاجا على وفاة الشاب المغربي ياسين لخميدي، الذي لم يتجاوز عامه الخامس والعشرين في مدينة سيدي بنور.
وتعود الواقعة إلى شهر يوليو / تموز الماضي، عندما قامت السلطات المحلية بمصادرة عربة كان يستعملها في نقل المسافرين بدون ترخيص قانوني. وفي المقابل، تقول مصادر إن المصادرة جاءت بسبب عدم ارتداء لخميدي كمامة للوقاية من فيروس كورونا رغم أنه دفع غرامة لمخالفته القواعد إلا أن السلطات رفضت إعادة العربة إليه.
وبسبب حالة اليأس والذهول التي أصابته بعد فقدان مصدر دخله الهام والوحيد لأسرته، أقدم لخميدي على إضرام النار في نفسه ليُنقل إلى المستشفى بعد إصابته بحروق من الدرجة الثالثة في 28 يوليو/ تموز الماضي ويلفظ أنفاسه الأخيرة في 6 أغسطس/ آب الجاري متأثرا بجراحه.
وخلال الأسبوع الماضي، خرج المئات من أهالي مدينة سيدي بنور إلى الشوارع للمطالبة بتحقيق العدالة في واقعة وفاة لخميدي، فيما أعرب المغاربة في مناطق أخرى من البلاد عن تعاطف حذر مع القضية.
وفي مقابلة مع DW، قال عماد، وهو طالب في عامه السابع والعشرين من العاصمة الرباط، "أعتقد أن المواطنين يمتلكون الحق في التظاهر، لكن يتعين عليهم القيام بذلك في إطار القانون".
أما عبد الله (40 عاما) ويعمل في بيع الملابس بالتجزئة من مدينة سلا، فيرى أن المغرب شهد "مظاهرات قليلة مؤخرا في إحدى التداعيات السلبية على جائحة كورونا". وأضاف في مقابلة مع DW "كما أرى فإن الأمر يبدو طبيعيا. الناس لديها الحق في المطالبة بالعدالة الاجتماعية".
عودة الربيع العربي إلى الأذهان؟
وانخفضت حدة الاحتجاجات في سيدي بنور على مدار الأيام القليلة الماضية، بيد أنه سرعان ما طرح مراقبون دوليون تساؤلا حول إذا ما إذا كانت وفاة لخميدي قد تثير مظاهرات واسعة النطاق على غرار حادثة إضرام أيقونة الربيع العربي الشاب التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه نهاية عام 2010.
بيد أن وفاة لخميدي ليست الحادثة الأولى من نوعها التي تشعل مظاهرات ضد الحكومة المغربية. فخلال العقد الماضي، شهد المغرب العديد من الحوادث كان الظلم الناجم عن مشاجرات مع السلطات المحلية التابعة لوزارة الداخلية، سببا في خروج مظاهرات إلى الشوارع.
ففي عام 2012، أضرم خمسة خريجين جامعيين عاطلين عن العمل النار في أنفسهم أمام مبنى وزارة التربية والتعليم خلال مظاهرة ضد الحكومة في الرباط فيما توفي أحدهم متأثرا بجراحه.
وفي عام 2017، تظاهر الآلاف من المغاربة في مدينة جرادة بشمال شرق البلاد، احتجاجا على وفاة شقيقين في منجم مهجور لاستخراج الفحم الحجري. والضحيتان كانا يبلغان من العمر 23 و30 عاما وكانا عاطلين عن العمل وتوفيا عندما كانا يحاولان بشكل غير قانوني استخراج الفحم من المنجم بهدف بيعه لـمن يُطلق عليهم "بارونات الفحم"، أي أصحاب مناجم الفحم، يشغل البعض منهم مناصب حكومية.
إزدراء الشرطة الباعة في الشوارع
بيد أن الحادثة الأكثر شهرة والأكثر شناعة في الوقت نفسه تلك التي وقعت عام 2016، عندما صادرت الشرطة عدة أطنان من سمك "أبو سيف" من تاجر سمك يدعى محسن فكري في مدينة الحسيمة بشمال المغرب. وفي محاولة يائسة منه لاستعادة شحنة السمك التي تم مصادرتها، قفز فكري إلى الجزء الخلفي من مطحنة شاحنة لنقل النفايات، حيث تم إلقاء أسماكه فيها.
وفي ذلك الوقت، ذكرت مصادر صحافية بأن أحد المتواجدين في مكان الحادثة أمر سائق الشاحنة "بسحق فكري" في واقعة نفتها السلطات المحلية بشدة.
وفي نهاية المطاف، تعرض فكري للسحق حتى الموت داخل الشاحنة فيما كان مسؤولون يراقبون الأمر.
وفي أعقاب الواقعة بأيام، تظاهر الآلاف للمطالبة بتحقيق العدالة في وفاته، التي يٌعتقد أنها كانت شرارة اندلاع احتجاجات "حراك الريف " في منطقة الريف شمالي البلاد، والتي يقول المحتجون إنها "مهمشة" من قبل الدولة.
واللافت للأنظار هو أن القاسم المشترك بين هذه الحوادث يكمن في مصطلح "الحقرة" أي الظلم أو الشعور بالازدراء والإذلال في ممارسات ترتبط بـ "مسؤولي الدولة الذين يجعلون الحياة غير قابلة للعيش "، وفقا لما جاء في تعريف معهد الدراسات العربية، وهو مركز بحثي مقره الولايات المتحدة، في قاموس نشر على الإنترنت بشأن المصطلحات التي خرجت في خضم الحركات الاحتجاجية في شمال أفريقيا.
تحت المراقبة
ويمتلك المغرب برلمانا منتخبا فيما نص دستور البلاد عام 2011 على أن نظام الحكم في المغرب هو نظام ملكية دستورية.
إلا أنه في الواقع، فإن الملك محمد السادس الذي يتربع على عرش البلاد منذ أكثر من 22 عاما، يمتلك أكبر قدر من الصلاحيات السياسية والاقتصادية.
وفي السنوات الأخيرة، تعاملت السلطات بشكل سريع مع الإضرابات والمظاهرات ضد الحكومة إذ سمحت بتنظيم بعض الاحتجاجات واستجابت أيضا على نحو سريع للتحديات الجسام التي طرأت في أعقاب مثل هذه الوقائع، فعلى سبيل المثال في واقعة بائع السمك محسن فكري، صرح وزير الداخلية آنذاك محمد حصاد بأن لديه تعليمات من الملك بإجراء تحقيق في وفاته. وخلال أيام، أُلقي القبض على العديد من الجناة المشتبه في تورطهم في الواقعة.
لكن بعد ذلك وفي بعض الحالات، تُرك للشرطة التعامل مع الأصوات المعارضة والصحافيين الاستقصائيين والمتظاهرين، بداية من المراقبة وحتى التعامل بشكل قاسِ في أغلب الأحيان.
فعلى سبيل المثال وفي أواخر عام 2017 وعقب حالة الغضب إثر وفاة محسن فكري، صدر قانون يسمح للسلطات المغربية بقمع الحراك الشعبي بلا رحمة. وهذا هو السبب الذي يجعل الاحتجاجات في هذا السياق تبقى معزولة في المغرب ومن ثم تفشل في أن تتحول إلى ما يشبه مظاهرات ثورية على مستوى البلاد، وفقا لبعض سكان البلاد.
وفي مقابلة مع DW، قال ناشط في المجتمع المدني في الرباط - طلب عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام – "عندما يكون لديك نظام أمني كهذا، يكون من الصعب حقًا الخروج إلى الشارع للاحتجاج أو تقديم مطالب". وأضاف الناشط: "كل واحد (منا) يعرف شخصًا (ما) يعمل في جهاز الأمن. وهذا أمر منتشر جدا وعلى نطاق واسع. وهذا فعلا لا يشجع الناس على الخروج إلى الشوارع" للتظاهر.
ضغوط الجائحة
ويضاف إلى ذلك، مشكلة تتعلق بأن المعارضة باتت منقسمة، وفقا لما ذكره جاكوب موندي، الزميل الزائر في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والأستاذ المساعد والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط والمغرب في جامعة كولجيت في نيويورك.
وأضاف موندي: "باتت آخر موجة كبيرة من الاحتجاجات شهدها المغرب متورطة في قضايا انفصالية عرقية بشمال البلاد، في سياسة لا يتقاسمها معظم المغاربة. لكن إذا انتشرت الاحتجاجات في المغرب في جميع أنحاء البلاد هذه المرة، فإن هذا قد يحمل في طياته شيئا مختلفا".
وفي ظل جائحة كورونا، اعتقد البعض أن الوباء قد يجعل الأمر مختلفا، إذ وضعت الأزمة الصحية الكثير من الضغوط على ما يصفه المراقبون بـ "السرد أو الأسلوب الاستبدادي الخيري" في المغرب.
عمليات الإغلاق وتراجع حركة السياحة وتأثير ذلك على الاقتصاد ساعد في توسيع الفجوة في الدخول وعدم تساويها. تلك الفجوة، التي كانت موجودة أصلا قبل ذلك، وبهذا الشأن كانت المغرب من أسوأ الدول في شمال أفريقيا، طبقا لتقرير منظمة التعاون والتنمية لعام 2018.
ومع تصاعد الضغوط الاجتماعية في المغرب، يقول بعض السكان إن هناك المزيد من الإجراءات القمعية ضد الأصوات المعارضة أو التي تخالف السلطات في الرأي إذ استشهدوا على ذلك بما تم كشفه مؤخرا من استخدام الحكومة المغربية لبرنامج "بيغاسوس" للتجسس على الهواتف لاستهداف محامين يعملون في مجال حقوق الإنسان فضلا عن القبض على صحافيين مستقلين على وقع تهم غير ذات صلة أو مشكوك فيها.
خطر الانزلاق من السيء إلى الأسوأ
وكان خبراء في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي قد أشاروا في تعليق نشر في يوليو / تموز عام 2020 إلى أن تداعيات وباء كورونا "تهدد بتقويض قدرة النظام في المملكة على إخضاع السكان والحد من المعارضة السياسية (...) وسياسيا، عززت الأزمة الصحية من استبداد النظام".
وفي تعليق، قال الناشط في المجتمع المدني في الرباط إن "إن إجراء حوار صحافي معه (مثل حواره مع DW ) لم يكن ليشكل مشكلة قبل عامين، لكن الآن بات من الصعب جدا الحديث عن المطالب بغض النظر عن من أنت ".
وأضاف الناشط أن "الكثير من الناس يعملون داخل المنظومة الاقتصادية غير الرسمية أو العمل مقابل أجر يومي ولقد أدى الوباء إلى وقف هذا كله وبات من الصعب أكثر فأكثر على الناس كسب لقمة العيش. للمرة الأولى أسمع عن بعض الناس يعانون من الجوع في بعض المدن الكبيرة في المغرب".
وأشار الناشط، الذي يرفض ذكر اسمه، إلى أنه بالتزامن مع التطورات، فإن هناك على ما يبدو "محاولات منهجية للحيلولة دون السماح للناس بالحديث عن هذه الأمور بشكل علني إذ يبدو الأمر وكأننا ننزلق على منحدر من سيئ إلى أسوأ ".
كاثرين شاير / م ع