1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

'الحريات والتنمية والديمقراطية لا تكفي وحدها لمنع التطرف'

عماد الدين حسين٢١ يوليو ٢٠١٦

في هذا المقال يلقي عماد الدين حسين الضوء على مواجهة الإرهاب والتطرف بعيدا عن الشعارات المكررة، معتبراً أن الهجمات الإرهابية في أوروبا كشفت أن التنمية والحريات لا يكفيان وحدهما للحد من التطرف.

Kolumnisten Emad El-Din Hussein

لفترات طويلة اعتنق غالبية المفكرين والخبراء والمعلقين والمحللين، في المنطقة العربية أفكاراً اعتبروها بديهية، خلاصتها أن هناك علاقة وثيقة بين انتشار العنف والإرهاب والتطرف وبين انتشار الفقر والاستبداد والديمقراطية.

والآن حان الوقت لإجراء مناقشة جادة بشأن هذه المقولات التي يتعامل معها كثيرون باعتبارها مسلمات.

أهمية هذه المراجعة أن أمر الإرهاب والتطرف لم يعد تأثيره قاصراً على دولة هنا أو هناك أو حتى إقليم معين، بل صار شراً يضرب عشوائياً في كل القارات تقريباً، من فرنسا وبلجيكا غرباً إلى أستراليا وإندونيسيا شرقاً ،ومن نيجيريا جنوباً إلى ألمانيا شمالاً، مروراً بوسط العالم المتمثل في منطقة الشرق الأوسط.

لم يعد هناك منطق يمكن به تفسير هذا الإرهاب الأعمى، الذي يجعل شخصاً مختلاً يقود شاحنة ويدهس بها أبرياء في نيس، أو يقتحم قطاراً ألمانياً ويطعن بعض ركابه بالساطور.

أذكر أن غالبية الخبراء في مصر طوال إرهاب الجماعات الإسلامية في التسعينيات والذي وصل إلى ذروته بحادث مقتل السائحين - ومعظمهم كانوا من سويسرا- في معبد وادي الملكات بالأقصر عام 1998، كانوا يعتبرون أن غياب الانتخابات النزيهة وعدم إعطاء الفرصة، لتيار الإسلام السياسي للوصول إلى السلطة، هو السبب الرئيسي في هذا العنف.

لكن التجربة التونسية الأخيرة، كشفت عدم صحة هذا الزعم، لأن جماعة "النهضة" الإخوانية شاركت في الانتخابات بتونس ووصلت إلى السلطة وحكمت بالفعل، لكن ذلك لم يمنع وجود عمليات إرهابية دامية ضربت تونس عدة مرات، على يد تنظيمات إرهابية متطرفة مثل "أنصار الشريعة"، بل هناك تقديرات تقول إن أكثر الجنسيات العربية تطوعاً في القتال مع داعش في سوريا والعراق من تونس قياساً بنسبة السكان.

كان هناك زعم آخر مفاده أن الفقر وغياب التنمية سبب جوهري لانتشار العنف والتطرف، لكن العمليات التي شهدتها بلدان الخليج الغنية مثل السعودية والكويت، أكدت أن هذا العامل لا يصمد طويلاً أمام المناقشة. والمفارقة إن بعض قادة العنف والتطرف والإرهاب في المنطقة ينحدرون من أسر ميسورة وثرية، ولم تعان من الفقر المدقع، مثل أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وغيرهم كثيرون.

ورغم ذلك فإن حجة هؤلاء تظل قابلة للنقاش وأحياناً منطقية، بالنظر إلى أن معظم المنطقة العربية تشهد مناخاً عاماً من غياب الديمقراطية الفعلية والقمع والاستبداد والتنمية الشاملة وسوء توزيع الثروة، وبالتالي فإن البعض يقول إن السبب الجوهري للعنف والتطرف هو انعدام الحريات وغياب حقوق الإنسان.

عماد الدين حسين: "لم يعد هناك منطق يمكن به تفسير هذا الإرهاب الأعمى، الذي يجعل شخصاً مختلاً يقود شاحنة ويدهس بها أبرياء في نيس، أو يقتحم قطاراً ألمانياً ويطعن بعض ركابه بالساطور". الصورة: حزن في مكان اعتداء نيس، حيث دهس إرهابي العشرات من المحتفلين بعيد الاستقلال في مدينة نيس الفرنسية.صورة من: Reuters/P. Rossignol

الآن وبعد الاعتداء الإرهابي الذي ضرب مدينة نيس يوم الخميس الماضي، وغيره من العمليات الإرهابية في باريس وبروكسل وغيرها من المدن الأوروبية، يحق لنا أن نسأل هؤلاء الخبراء ونقول لهم:

إذا كان تحليلكم صحيحاً ومنطقياً وينطبق على منطقة الشرق الأوسط التي تعانى أمراضاً عضالاً، فكيف يمكن لكم أن تفسروا لنا سبب إقدام الإرهابيين على تنفيذ عملياتهم في أوروبا والولايات المتحدة؟

إذا كان هناك تضييق على الحريات وانتهاك لحقوق الإنسان في الشرق، فلماذا يلجأ الإرهابيون إلى ارتكاب عملياتهم في الغرب؟!!

دولة مثل فرنسا، علمانية لا دين لها، وتساوي بين الجميع، تعطي المهاجر المسلم والمسيحي واليهودي والملحد حق الإقامة والجنسية، طبقاً لشروط موحدة وميسرة، وهو ما تفعله معظم الدول الأوروبية والغربية تقريباً.

ودولة مثل بريطانيا تعطى حق اللجوء والإقامة لكثيرين من قادة جماعات الإسلام السياسي، بما فيهم شخصيات متطرفة تقوم بتكفير الغرب بأكمله.

بعد كل ذلك: كيف يمكن تفسير قيام الإرهابيين بتنفيذ عملياتهم في أوروبا؟

ببساطة، الإجابة التي اكتشفناها أخيراً أن أمر تفسير سبب تنامي العنف والتطرف والإرهاب لا يعود فقط إلى تفشي الاستبداد والقمع وانعدام الحريات وغياب حقوق الإنسان.

بالطبع كلها أسباب مهمة، وكلما اختفت كلما انخفض معدل الإرهاب والعنف والتطرف، وزاد منسوب التوافق في المجتمع، وأمكن محاصرة المتطرفين والإرهابيين وعزلهم عن المجتمع.

لكن في النهاية يتضح لنا أن السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة هو الفكر ثم الفكر ثم الفكر، وبعده بمراحل تأتى بقية العوامل من القهر والاستبداد والفقر وغياب الديمقراطية والتنمية الشاملة وزيادة معدلات الفقر والبؤس وانتشار الفساد.

الفكر المتطرف هو الذي يجعل شخصاً غنياً جداً لم يتعرض للقهر أو يعانى شظف العيش مثل أسامة بن لادن، يقود منظمة إرهابية هي القاعدة.

عمليات الإرهاب في أوروبا تعني أن التنمية والحريات وحقوق الإنسان لا تمنع التطرف والإرهاب للأسف، حتى لو كانت تحد منهما.

إذا ثبت صحة هذا الرأي وجب على العالم أجمع، وفى مقدمته المسلمين أن يبحثوا بجدية في كيفية مواجهة هذا الفكر المتطرف الذي يكاد يكون قد اختطف ديناً بكامله هو الإسلام ومعه كل اتباعه من المسلمين وشوه صورته بصورة لم يحلم بها أعدى أعداء الإسلام.

السؤال: كيف يمكن مواجهة هذا الفكر المتطرف بعيداً عن الشعارات المكررة والأفكار النمطية؟ سؤال يستحق المتابعة.

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW