1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

عماد الدين حسين: دلالة وقف برنامج إبراهيم عيسى

٥ يناير ٢٠١٧

في مقاله لـ DW عربية يعلق الكاتب الصحفي عماد الدين حسين على وقف برنامج"مع إبراهيم عيسى" ويستقرئ تداعياته على أوضاع الحريات في مصر.

Kolumnisten Emad El-Din Hussein

فى مساء يوم الأحد الماضى تم وقف برنامج الإعلامى المصرى الكبير إبراهيم عيسى على قناة "القاهرة والناس" بسبب ما وصف بأنه ضغوط حكومية على مالك القناة رجل الاعمال طارق نور. وفى مساء الاثنين كان كثيرون يلتفون حول إبراهيم عيسى خلال حضوره حفلا للمطربة أنغام فى دار الأوبرا المصرية. وفى مساء الثلاثاء كان عدد أكبر يحضر العرض الأول الخاص بفيلم "مولانا" المأخوذ عن رواية حقيقية لإبراهيم عيسى، الذى حضر العرض وحرص غالبية الحضور علي التقاط صور تذكارية معه.

غالبية الكتاب والمثقفين والإعلاميين وبعض السياسيين رأى فى وقف برنامج "مع إبراهيم عيسى" التلفزيونى رسالة سياسية محبطة، من الحكومة بأنها تنوي تأميم الفضاء العام وإسكات كل الأصوات المختلفة معها، بحيث لا يتبقى إلا المؤيدين فقط، علما أن عيسى كان أكبر الناقدين لحكم جماعة الإخوان المسلمين، وأكبر الداعمين لثورة 30 يونيو 2013 التى أطاحت بحكم الجماعة.

لكن عيسى ومنذ شهور ــ وتحديدا بعد توقيع الحكومة المصرية مع السعودية على اتفاقية التنازل عن جزيرتى تيران وصنافير، تحول إلى معارض صعب المراس للعديد من السياسات الحكومية، وصار الصوت الأبرز فى نقد هذه السياسات وتفنيدها سواء عبر برنامجه التلفزيونى اليومى أو جريدة "المقال" التى يرأس تحريرها وتتخصص فى مقالات الرأى فقط.

وطبقا لمعلقين ومراقبين فإن ما يقوله عيسى فى برنامجه صار مزعجا لبعض الدوائر الحكومية، التي تواجه مشكلات اقتصادية ضخمة خصوصا بعد تعويم الجنيه المصرى أمام العملات الأجنبية، وزيادة أسعار الوقود، الأمر الذى أدى إلى انفلات أسعار غالبية السلع بصورة لم يسبق لها مثيل.

وقبل وقف برنامج عيسى كان بعض أهل الحكم فى مصر يستشهد بهذا البرنامج الجريء للدلالة على اتساع صدر الحكومة وتقبلها للأصوات المختلفة والمعارضة، وهو أمر صحيح للغاية، وبالتالي، فإن السؤال هو: هل ضاق صدر الحكومة تماما بحرية الرأى والاختلاف؟!.

للموضوعية يصعب الجزم تماما بالإجابة سواء نعم أو لا. لكن المؤكد أن وقف البرنامج رسالة شديدة السلبية لكل المراهنين على تحسين صورة المشهد السياسى فى مصر، وكذلك وقف أي رهان على إمكانية التقدم للأمام فى ملف الحريات خصوصا بعد التفاؤل الكبير الذى أعقب انعقاد مؤتمر الشباب الأول فى شرم الشيخ نهاية أكتوبر تشرين أول الماضى، وما تلاه من الإفراج عن دفعة أولى من المسجونين السياسيين، وتشكيل لجنة لتعديل قانون التظاهر الذي قضت المحكمة الدستورية قبل أيام ببطلان إحدى مواده، الأمر الذى يفتح الباب أمام تعديله بما قد يرضي المعارضة السياسية.

الأصوات المعارضة ماتزال موجودة حتى الآن فى بعض الصحف الخاصة، وقلة منها تظهر فى القنوات الفضائية داخل مصر، وبعضها لم يستطع التحمل وترك مصر بأكملها متجها إلى فضائيات عربية أو تركية أو دولية.

ولذلك كان منطقيا أن يتساءل كثيرون بعد وقف برنامج عيسى: من الذى سيكون عليه الدور فى المرة المقبلة؟!

العديد من الإعلاميين الذين ليس لديهم خلافات جذرية مع الحكومة انتقدوا قرار ايقاف برنامج عيسى، خصوصا عمرو أديب ويوسف الحسينى، ولميس الحديدي التي تحدثت على فضائية سي بي سي بسخرية قائلة إن "استقالتها جاهزة كى تتفرغ لأعمال المنزل والتريكو (الحياكة)"، وذلك محاكاة للبيان الذى عللت به فضائية "القاهرة والناس" توقف برنامج عيسى وهو "التفرغ للأعمال الإبداعية"! وبالطبع لم يكن ذلك سببا حقيقيا، بل بسبب ما ألمح اليه ابراهيم عيسى فى بيانه اللاحق الذي جاء فيه:

"لا أجد من بلاغة اللغة ما يبلغ مدى امتناني وشكري للجمهور الذي أحاط برنامجى باهتمام بالغ وتفاعل مدهش وجدل متجدد ونقاش واسع جعل حلقات البرنامج على درجة من التأثير الذى عبر حدود تأثير مجرد برنامج تلفزيونى مما ألقى عليه أعباء وتعرض معه لأنواء وأحيط بالضغوط، ففي الوقت الذي ساهم به في اتساع عقول، تسبب كذلك فى ضيق صدور، وبكل حب لمن أحب البرنامج ولمن اختلف مع صاحبه". وتابع البيان، "بكل اعتزاز برأي من وضع البرنامج موضع التقدير وبكل تفهم لمن أثقل البرنامج قلبه بالغضب والكراهية، فإنني أتقبل أن تكون هذه اللحظة مناسبة للتوقف عن تقديم البرنامج، حيث أظن أن مجريات الوقائع وطبائع المقادير تقود لأن أترك مساحة التعبير التلفزيونى لمرحلة أخرى، ووقت لعله يأتي."

انتهي بعض الاقتباس من بيان عيسى. لكن المؤكد أن الحكومة المصرية ستخسر على المدى الطويل من توقف الأصوات المختلفة، التى كانت قادرة على إعطاء إحساس ولو بسيط بأن هناك تنوعا وأن صدر النظام ما يزال متسعا لتحمل بعض الانتقادات.

المشكلة الكبرى كما يقول البعض أن تحالف 30 يونيو الذى أسقط حكم الإخوان قد تبخر تماما، وان الحكومة خسرت مجانيا العديد من الحلفاء بلا سبب مقنع، والأهم من دون وجود معارك تستحق، علما أنها فى أشد الحاجة لكل من يدعمها فى مواجهة تحديات غير مسبوقة، ليس فقط اقتصاديا، بل ضد الإرهابيين والمتطرفين.

يأمل كثير من العقلاء أن يكون وقف برنامج عيسى مجرد حالة فردية وليس اتجاها عاما سوف يشمل آخرين سواء كانت صحفا أو فضائيات أو كتابا أو جمعيات أهلية وحقوقية، لأن حدوث ذلك يعنى أننا مقدمون على أيام صعبة ،نسأل الله ان يخفف منها.

 

الكاتب: عماد الدين حسين

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW