عندما تؤجج مواقع التواصل الاجتماعي العنف بين الناس
١٨ نوفمبر ٢٠١٨
منشور واحد على صفحة فيسبوك قد يكون مفعوله بمثابة مدفع رشاش يتسبب في قتل وجرح العشرات بين الناس في عدة دول. فكيف تتحكم شركات التواصل الاجتماعي في المحتوى المنشور على صفحاتها بما لا يتسبب في أضرار لها وللمستخدمين.
إعلان
على الرغم من أن الغرض من منصات التواصل الاجتماعي كان سرعة دمج وتواصل الناس فيما بينهم إليكترونيا، إلا أن بعض موادها أضحت مؤخرا تمثل تهديدا بسبب سوء استخدامها من خلال بث الكراهية والعنف، وهو ما يراه المتخصصون تحديا يتعارض مع الأهداف الربحية لشركات مثل يوتيوب وفيسبوك.
وكان قد دق ناقوس خطر مبكرا حول سلبيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعي عام2014 في مدينة مندلاي، الواقعة وسط ميانمار، عندما توجهت سيدة بوذية إلى قسم شرطة محلية للإبلاغ عن واقعة اعتداء عليها جنسيا من قبل زميليها المسلمين، وقام على إثرها أحد الرهبان البوذيين بنشر تفاصيل البلاغ على فيسبوك، متسببا في خلق حالة من الغضب أسفرت عن تصاعد وتيرة عنف استمرت ليومين بين الأغلبية البوذية والأقلية المسلمة.
واستعادت السلطات المحلية السيطرة على الوضع في المدينة بعد إغلاق موقع فيسبوك بشكل مؤقت، ولكن بعد أن أسفرت عن مقتل شخصين واصابة 19 آخرين.
بيد أنه اتضح بعد ذلك أن القصة التي تسببت في هذه الموجة من العنف كانت محض افتراء. وتم على إثرها إدانة خمس أشخاص بتهمة بث أخبار كاذبة، بمن فيهم السيدة التي ادعت بأنها ضحية واعترفت بعدها بأنها كانت مأجورة لتقوم بتحرير واقعة الاغتصاب المزعومة لدى الشرطة في بلد فر منه حوالي 700 ألف من المسلمين الروهنجيا منذ العام الماضي.
وفي مطلع الأسبوع الحالي، أظهر تقرير مستقل صادر عن منظمة BRS (العمل من أجل المسؤولية الاجتماعية) بعنوان "تقييم أثر حقوق الإنسان: فيسبوك في ميانمار" أن هناك أقلية من المجتمع تستغل وسائل التواصل الاجتماعي في "التحريض على العنف." وركزت الدراسة على الأجواء السياسية في ميانمار كجزء من المشكلة الحالية.
المعلومات المغلوطة والعنف
ولم تقتصر إثارة العنف ونشر المعلومات المغلوطة على الدول حديثة استخدام الانترنت فحسب، بل تم رصدها في دول أخرى منها سريلانكا واندونيسيا والهند والمكسيك والولايات المتحدة الأمريكية، فضلا عن ألمانيا.
وفي بداية العام الحالي، أصدر باحثان في جامعة وارويك البريطانية دراسة بعنوان "التحريض على الكراهية: التواصل الاجتماعي وجرائم الكراهية"، حيث قاما بدراسة كل الهجمات التي استهدفت اللاجئين في الفترة بين 2015 و2017.
وخلص التقرير إلى أن الهجمات التي استهدفت اللاجئين تحدث بكثرة في الأماكن التي يتزايد فيها استخدام فيسبوك وفي الأوقات التي كان ينشر فيها اليمين المتطرف أو "حزب البديل من أجل ألمانيا" منشورات ضد اللاجئين على صفحاته بموقع فيسبوك.
ثقافة الكراهية
ويرى باهراث جانيش الباحث بمعهد اسكفورد للانترنت أن تشويه الواقع يكون وسط المجموعات المتطرفة على شبكات الانترنت، قائلا "الشبكات والأماكن التي تنشأ على الانترنت تهدف إلي خلق ثقافة تقبل الكراهية والتشهير والتحقير من الآخرين... فإذا اعتد بهذا النوع من اللغة، فقد يخلق مناخا يمكن أن تصبح فيه الكراهية والعنف أمرا مشروعا."
وفي مدينة كيمنتس الواقعة شرقي ألمانيا بولاية ساكسونيا، أسفرت الأخبار الكاذبة على تويتر وفيسبوك عن حشد أكثر من 6 آلاف متظاهر من اليمين المتطرف في اغسطس الماضي. وقبل عام من هذا التاريخ كان المتظاهرون من اليمين المتطرف ينادون بشعارات تتحدث عن نظريات المؤامرة يتم تداولها علي مواقع التواصل الاجتماعي.
ويعتقد الباحثون أن نظام إدارة شركات التواصل الاجتماعي يمكن أن تساهم في نشر نظريات المؤامرة ووجهات النظر المتطرفة. فعلى سبيل المثال تستخدم فيسبوك ويوتيوب نظام اللوغاريتمات وهو نظام خوارزمي يعمل على تخمين نوعية المنشورات لدى أي مستخدم بناءًا علي المعلومات المتاحة عن هذا الشخص على حسابه الشخصي.
فتشير ليندا شليغيل، مستشارة في قضايا مكافحة الإرهاب لدى مؤسسة كونراد اديناور الألمانية، إلى أن هذه الفقاعات والتي تسمى أيضا "بفقاعات المرشح" يمكن ان تخلق "إرهابيين إليكترونيين." وتابعت في حوار مع DW و"تعمل هذه الفقاعات على نشر التطرف، إذا كانت تحتوي على اتجاهات متطرفة ومفاهيم معينة يتم التعامل بها بشكل متكرر على أنها حقيقة."
أما جيوليومي شاسلوت الذي عمل منهدسا في نظام اللوغاريتمات لموقع يوتيوب طيلة ثلاث سنوات فيعتقد أن فقاعات المرشح لديها تأثير سلبي على الخطاب العام. وفي 2016، انشأ شاسلوت موقع " Algotransparency"الذي يعمل على تحليل وتبسيط نظام اللوغاريتمات في يوتيوب لمعرفة أي أنواع الفيديوهات التي تنتشر بسرعة عن غيرها.
تبسيط فهم لوغاريتماتاليوتيوب
وأضاف شاسلوت لـDW أنه بالرغم من أن يوتيوب أدخل العديد من التغييرات إلا أنها لم تكن كافية، قائلا "لم يستطيعوا حل المشكلة وهو أن اللوغاريتمات كانت قد صممت في الأساس لزيادة وقت المشاهدة" على قنوات يوتيوب لدر عائدات أعلى من الإعلانات."فالفيديوهات التي تجعل المشاهد يمكث فترات أطول عادة ما تكون خلافية أو مثيرة للجدل".
وببساطة، يقوم نظام لوغاريتمات بتزكية فيديو معين إذا رأى أنه قد يحقق نسبة مشاهدة عالية، وهو ما يعني مشاهدة إعلانات أكثر على الفيديو وبالتالي يحقق إيرادات أعلى.
فعلى سبيل المثال، بعد حادث اطلاق النار داخل كنيس بيتسبيرغ في أمريكا الشهر الماضي، لاقى فيديو يظهر مؤيدا لنظريات المؤمرة يُدعى دافيد ايكه باتهام ملياردير يهودي بـ"استغلال الأحداث السياسية بالعالم"، أكثر من ألف مشاهدة بعد أن بدأ اللوغاريتمات بتزكيته للمشاهدين، حسبما ذكر شاسلوت.
مورغن مايكر/ س.س
فيسبوك - من أيادي الطلبة إلى أداة للأنظمة
جعل العالم "قرية صغيرة" لم يعد هدف "فيسبوك" الوحيد. فمع السنين، صار الموقع الأشهر سلاحاً ذا حدين؛ يسمح بحرية التعبير، ولكنه يثير مخاوف خاصة فيما يخص البيانات الشخصية التي بات اختراقها ممكناً وتحويلها إلى أداة قمع وارداً.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/J. Arriens
البداية من هارفارد
لم تكن نية مارك زوكربرغ ورفاقه في أول الأمر سوى إطلاق شبكة اجتماعية خاصة بتبادل المعلومات والصور والآراء بين طلاب جامعتهم هارفارد. أطلقوا على تلك الشبكة اسم: فيسبوك. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2004 تم تأسيس الشبكة رسمياً، ليتوافد عليها طلبة من جامعات أخرى وتلقى رواجاً ونجاحاً مهمين. هذا النجاح دفع مؤسسي "فيسبوك" إلى فتح باب العضوية للجميع ابتداءً من نهاية عام 2006.
صورة من: Reuters/B. Snyder
إقبال متزايد
كان لـ"فيسبوك" قدرة خارقة على اختصار المسافات والربط بين أطراف العالم بضغطة زر، حيث زاد المقبلون على استخدامه إلى الملايين منذ إنشائه. وقد تجاوز مستخدموه الآن ربع سكان العالم، كان مارك زوكربرغ قد كتب في تدوينة له السنة الماضية (2017) على "فيسبوك" أن عدد المشتركين وصل إلى ملياري شخص، في حين كان عددهم مليون شخص عام تأسيسه (2004).
صورة من: Reuters/D. Ruvic
كوكب مواز
اختراق "فيسبوك" للعالم وحيازته لمساحة مهمة من حياة الناس لم يكن بمحض الصدفة. فقد أتاح لمستخدميه فرصة التواصل مع العالم الخارجي والتعارف كما التعرف على أشخاص وأماكن جديدة، بالإضافة إلى الانفتاح وتبادل المعلومات والإدلاء بالآراء والمواقف الشخصية، سواءً عن طريق نشر تدوينات أو صور أو حتى مقاطع فيديو. هذه الميزات والتقدم الذي عرفه الموقع جعل كثيرين يطلقون عليه "الكوكب الموازي".
صورة من: picture-alliance/dpa/J.W.Alker
"استحواذ" وشراكات
استطاع "فيسبوك" أن يكتسب شهرة عالمية ويعقد بذلك شراكات مع مؤسسات معروفة. كما مكنته الأموال التي حصل عليها عن طريق الإعلانات من "الاستحواذ" على برامج أخرى. وتعتبر شركة "مايكروسوفت" من بين الذين قدموا عرضاً لشراء "فيسبوك" عام 2007 بشراء حوالي خمسة في المائة من أسهم "فيسبوك". أما بالنسبة للمواقع التي ضمها إليه، فقد كان تطبيق "إنستغرام" أولها عام 2012، تلاها "واتساب" عام 2014.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Becker
"نافذة للرقابة والقمع"
اعترفت بعض المحاكم بـ"فيسبوك" منذ 2008. كما عوقب كثيرون بسبب نشرهم لمحتوى "لم يرق" لدولهم أو جهات أخرى. وكانت وزارة الداخلية المصرية عام 2014، مثلاً، قد ألقت القبض على سبعة أشخاص يستخدمون موقع "فيسبوك" "للتحريض" ضد قوات الأمن، حسب ما نقلت رويترز آنذاك. كما حُظر الموقع في بعض الدول كسوريا وإيران. لكن سرعان ما رُفع هذا الحظر. المنع لا يخص الدول، بل يشمل بعض الإدارات التي منعت موظفيها من استعماله.
صورة من: picture-alliance/empics/D. Lipinski
أفيون الثورات؟
شكل "فيسبوك" مساحة للإدلاء بوجهات النظر دون أي قيد قد يواجه المستخدم على أرض الواقع. الثورة في مصر عرفت طريقها نحو الواقع من "فيسبوك"، الذي لعب دوراً مهماً في تحويل قضية الشاب خالد سعيد إلى شرارة لإطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما أشار إليه الناشط المصري وائل غانم في كتابه "ثورة 2.0". لكن الحرية بدأت تتراجع حين اعترفت المحاكم بالموقع وصارت الجرائم الإلكترونية ضمن ما تعاقب عليه هناك.
صورة من: picture alliance/AP Photo/M. Deghati
منصة للجيوش الإلكترونية
خلق "فيسبوك" أرضاً خصبة لمجموعة من الأنظمة التي سخرته لخدمة مصالحها السياسية. وكان الجيش السوري الإلكتروني، الذي ظهر إبان الثورة السورية (2011-2012) واحداً من أبرز هؤلاء، حسب ما ذكر بعض المراقبين. فقد شن انطلاقاً من الموقع حرباً إلكترونية، وذلك باختراقات أو إغراق الصفحات بتعليقات مؤيدة لنظام الأسد أو اتهامات بالخيانة للمعارضين. بالإضافة إلى إرسال بلاغات لـ"فيسبوك" بإغلاق حسابات لمعارضين.
صورة من: Vernon Manlapaz
انتقادات متكررة!
"انتهاكات خصوصية المستخدمين، تسريب البيانات وإمكانية استغلالها من طرف الاستخبارات، فضلاً عن نشر مواد تدعو إلى العنف والكراهية والتمييز..." كلها انتقادات وجهت لـ"فيسبوك". لكن كريس هيوز، المتحدث الرسمي باسم الشركة سابقاً، رد على هذه الانتقادات بقوله: "لم نقم من قبل مطلقاً بتزويد أطراف آخرين بالبيانات الخاصة بمستخدمي الموقع، ولا نعتزم القيام بذلك على الإطلاق"، حسب ما تناقلته عدة مواقع إلكترونية.
صورة من: picture alliance/dpa/epa/R. Khan
دعاوى قضائية متعددة
رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد "فيسبوك"، كما رفع هو الآخر ضد مستخدمين. كان أول الدعاوى ضد الشبكة عام 2004، إذ اتهمت شركة "كونكت يو" مارك زوكربرغ بسرقة الأفكار التي وضعوها حول الموقع واستخدام الكود الرئيسي الخاص بهم. كما رفع الموقع هو الآخر دعوة ضد ضد آدم جوربوز، وحصل على تعويض قيمته 873 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
"إخفاق كارثي"
مسألة الحصول على بيانات المستخدمين جعلت "فيسبوك" محط محاسبة في مرات كثيرة؛ آخرها يوم 20 مارس/ آذار 2018. فقد دعت لجنة من المشرعين البريطانيين من مختلف الأحزاب رئيس "فيسبوك" إلى تقديم تفسير بخصوص "إخفاق شركته الكارثي" في حفظ البيانات الشخصية. كما قررت السلطات البريطانية التحقيق بشأن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية، التي اتهمت بحيازة غير قانونية لمعطيات مستخدمي الشبكة. إعداد: مريم مرغيش