عودة أولي هونيس لبايرن.. حين يشفع التاريخ للخطيئة
١٠ أغسطس ٢٠١٦ كما كان متوقعاً فقد أعلن أولي هونيس، رئيس نادي بايرن ميونيخ الألماني لفترة طويلة، نيته الترشح لرئاسة النادي في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. والمطلع على خبايا البافاري يدرك تماماً أن هذا الإعلان ما هو إلا الخطوة الأولى نحو عودة أكيدة للملك البافاري إلى مملكته بعد خروجه من محبسه بسبب التهرب الضريبي.
وحكم على الرئيس السابق لبايرن بين عامي 2009 و2014 بالسجن لثلاث سنوات، لتهربه من دفع 28 مليون يورو ونصف مستعيناً بحساب سرّي في سويسرا, وآنذاك أكد المحققون أن هذه الأموال جناها هونيس من مضاربات في البورصة من ماله الخاص، دون وجود أي صلة بين دفاتر بايرن ودفاتر رئيسه آنذاك.
وبسب سلوكه المثالي في السجن، حصل هونيس على إطلاق سراح مشروط في أواخر شباط/ فبراير الماضي بعد إتمام نصف مدة العقوبة؛ وقبل ذلك كان يسمح له بمغادرة السجن منذ مطلع العام الماضي نهاراً والعودة إليه ليلاً، ليتجه إلى مقر النادي وتحديداً إلى قسم الشباب الذي يعنى بالناشئة سواء على صعيد كرة القدم أو الرياضات الأخرى ككرة السلة.
"المؤسس" والنادي
وبالحقيقة، حتى حين كان هونيس قابعاً في السجن ولم يكن يخرج من زنزانته، فإنه كان دائم الإطلاع على جميع التفاصيل التي تدور في أروقة النادي. واستناداً إلى تسريبات صحيفة بيلد الواسعة الانتشار فإن جميع الصفقات التي أبرمت في تلك الفترة لم تتم إلا بموافقته. وهذا ما يعكس أهميته بالنسبة للنادي الذي لن نبالغ حين نقول أنه اليوم يجسد ثمرة نجاح وذكاء ذلك الرجل الذي لم يشكك يوماً في قدرته في وضع بايرن بين صفوة الأندية الأوروبية.
بداية العلاقة الجدلية بين "المؤسس" والنادي تعود إلى عام 1979، حين تولى بطل العالم في مونديال 1974، مهمته بإدارة بايرن وعمره لم يتجاوز آنذاك 27 عاماً، ما جعل منه أصغر مدير رياضي على الإطلاق في تاريخ بوندسليغا.
وحينها كانت ميزانية النادي الألماني لا تتجاوز الستة ملايين مارك، وعليه ديون تفوق 3.5 مليون مارك فضلاً عن مستحقات ضريبية قُدرت بالملايين.
وحتى الألقاب غابت عنه خلال خمس سنوات على التوالي. وفي ظل هذه الأجواء كرّس هونيس جهوده لإيجاد راعٍ وعلى وجه السرعة. وبالفعل تعاقد مع شركة "ماغيوروس دوتس" لمدة ثلاث سنوات حصل بموجبها البافاري آنذاك على 1.8 مارك ألماني سنوياً، كانت أولى الجرعات المنقذة.
ما أعقب ذلك في العقود الأربع الأخيرة لا يمكن حصره في هذه السطور، ويكفي إلقاء نظرة خاطفة على سجل الصافي من الأرباح لموسم 2015، لنجد أن بايرن ميونيخ حصل على 513 مليون يورو وأصبح خامساً على قائمة أكثر الأندية ربحاً وذلك خلف ريال مدريد وبرشلونة ومانشستر يونايتد وباريس سان جيرمان.
البعد الأخلاقي
رغم ذلك تبقى عودة أولي هونيس ملفاً شائكاً على الساحة الألمانية، فكيف يعقل أن يعود رجل قام بجريمة من هذا الحجم إلى منصب حساس كهذا وكأن شيئا لم يقع؟ ألم يخدع هذا المليونير المواطنَ البسيط الذي يدفع ضرائبه بشكل فوري وضرب بعرض الحائط قيم المساواة والمواطنة والتي هي أهم مبادئ الديمقراطية الألمانية؟ وكيف يعقل لشخص أعماه جشعه وطمعه في إدارة نادٍ يعتبر وجه ألمانيا على الساحة الكروية الدولية، أن يعود إلى قيادته؟
كل هذه الأسئلة شكّلت فحوى الجدل الدائر حالياً في ألمانيا منذ إعلان بايرن ترشح رئيسه القديم إلى الانتخابات القادمة. وبالنسبة لرجالات الكرة فإن الأمر محسوم، هونيس أخطأ والقانون قال كلمته وأقرّ عقوبة التزم بها الجاني، وبهذا لا بدَّ من طيّ الصفحة والنظر إلى المستقبل، والمستقبل طبعاً مع هونيس.
"هونيس قلب بايرن النابض" هكذا يقول الفرنسي فرانك ريبري تعقيباً على خبر عودته، أما مدير نادي ليفركوزن رودي فولر فشدد على أن "هذا القرار له علاقة ليس ببايرن فحسب، وإنما بالدوري الألماني ككل"، في إشارة إلى أن هونيس كان له أيضاً دور كبير في الرفع من مستوى بوندسليغا عبر بوابة ناديه.
قلب بايرن النابض
تاريخ هونيس إذا هو الذي يشفع له الآن، وهو ما يفسر كيف أن الدولي المعتزل شفاينشتايغر هرع إلى ميكروفون القناة الثانية مبتهجاً بتتويج ألمانيا بلقب مونديال البرازيل، وأول ما قاله قبل عامين، حين كان هونيس في زنزانته: "شكراً أولي هونيس على كل ما قدمته لنا لكي نصل إلى مستوى أبطال العالم".
وفي الحقيقة لم يحمل هونيس الهمّ البافاري فقط بل كان أيضاً يهتم شخصياً بتنسيق الجهود بين ناديه والاتحاد الألماني لكرة القدم، فبايرن قدم عشرة لاعبين في تشكيلة مونديال البرازيل، والتنسيق كان مكثفاً بين الجانبين. ولعلّ طريقة معالجة ملف ماريو غوتسه أثناء غياب هونيس قبيل منافسات اليورو 2016، أوضحت جلياً أهمية هذا التعاون، إذ واجه يواخيم لوف آذاناً صماء حين طالب مراراً المدرب بيب غوارديولا بمنح المهاجم ماريو غوتسه فرصة أكبر للعب.
في المقابل وعلى المستوى الشعبي، بدت الكفة المؤيدة والرافضة للعودة متقاربة جداً وفق استبيان قام به بشكل منفصل موقع "كيكر" الرياضي وقناة NTV الإخبارية، وكذلك كان الأمر بالنسبة للصحافة الألمانية التي أكدت أن هونيس "ابن الشعب" ومن حقه أن العودة إلى أحضانه، حسب صحيفة "مونشينر ميركور".
أما ممن أبدى معارضة محتشمة، فكانت صحيفة "كولنر شتات أنتسايغر" التي تساءلت في عددها الصادر يوم أمس الثلاثاء، "كيف هو هذا النادي، نادي بايرن ميونيخ، الذي لا يمكنه الوجود دون مديره العجوز (أولي هونيس)؟".