عودة فكرة المساكن الجماعية المشتركة إلى برلين
٢٨ فبراير ٢٠٠٧تقوم فكرة المساكن الجماعية المشتركة "الكوميونات الجديدة" على أساس التعاون والتضامن والتعاضد في مواجهة ظروف الحياة الصعبة من جهة ومن جهة أخرى لإشباع الحاجة الفطرية لدى الإنسان بالعيش مع الآخرين، لاسيما بعد ان سادت العزلة والفردية في المجتمعات المدنية الحديثة. الجدير بالذكر أن فكرة الكوميونات بمعناها السياسي والفلسفي كانت قد ظهرت في ألمانيا في بداية عام 1976 في برلين. وكانت قد نشأت من رحم ما يعرف بالمعارضة السياسية "غير البرلمانية"، المنبثقة عن الحركة الطلابية التي ظهرت في نهاية ستينات القرن الماضي. تلك الكومونات كانت تطرح نفسها كبديل عن الأسرة بمعناها التقليدي الضيق التي نظر إليها من قبل هؤلاء بأنها منبع الفاشية وكخلية مصغرة من الدولة.
كما نشأت الفكرة كرد فعل على المجتمع الذي صُنف من قبل هؤلاء بأنه "محافظ جدا". وقد احتل هؤلاء مساكن خاصة وعامة وأقاموا فيها وفقا لفلسفة حياة خاصة بهم تمثلت في مخالفة كل التقاليد المعتادة وتجاوز الخصوصيات الشخصية وحرية الجنس والمخدرات والحب بدون روابط أسرية او قيود والتزامات. ورغم قصر عمر تلك التجربة التي استمرت حوالي ثلاث سنوات، الا انها ساهمت في ظهور فكرة "السكن الجماعي المشترك" في عقد السبعينات بما يمثله ذلك من التحرر من القيود الأسرية والمجتمعية وتحقيق الاستقلالية والاعتماد على النفس وبالذات في أوساط جيل الشباب من الجنسين.
"الناس لبعضها"
فكرة السكن الجماعي المشترك أو "الكوميونات الجديدة" عادت إلى الظهور اليوم في ظل تعقيدات الحياة في المجتمع الرأسمالي، حيث الخوف من الوحدة والعجز والشيخوخة والشعور بالغربة في وسط دينامكية المجتمع الصناعي السريعة. في هذا السياق يقول المهندس المعماري هارالد تسينكه الذي عمل لمدة ثلاث سنوات لتنفيذ مشروع سكني مشترك يقوم على أساس "الحياة البيئية المشتركة" بين مختلف الأجيال، بأن الحاجة الى القرب من الأخر لها معان أخرى وأكثر عمقا من الحاجة للجنس، في إشارة إلى الطابع الجنسي الذي ساد العلاقات في ظل الكوميونات القديمة. ويقضي سكان الوحدة السكنية المسماة "حلم الحياة" او "غرفة الحياة" التي شيدت على ساحة مطار قديم عند أطراف مدينة برلين، أوقات فراغهم معا حيث لا يوجد فيها حانات أو دور سينما أو ما شابه ذلك.
ويشبه نمط حياة هؤلاء نمط حياة القرى في المجتمعات التقليدية في العالم الثالث، حيث الكل في القرية يعرف الكل وتسود روح التضامن والتعاون والتبادل للأشياء والوسائل. فيمكن هنا على عكس ما هو متعارف عليه في المدن والقرى الألمانية والمجتمعات المدنية عموما، ان يعير الجار سيارته لجاره، وتعتني الجارة بأطفال جارتها في غيابها، كما يصطحبون بعضهم البعض عند الذهاب للتسوق او قضاء بعض الاحتياجات. والأهم من ذلك انهم يضعون يدهم بيد بعض عن المصائب والمحن والشدائد. وفي مشروع أخر مشابه أوشك على الانتهاء يستعد حوالي 70 شخصا من مختلف الأعمار للانتقال للسكن في وحداته السكنية التي يبلغ عددها 18 وحدة. كما أن الخطة تشمل أيضا بناء منزل مشترك آخر في نفس المنطقة. الناس لا تسكن هنا جنبا إلى جنب فقط بل أنهم يعيشون مع بعضهم ولبعضهم، كما يصفون حياتهم. فهم مثلا يساعدون بعضهم البعض في عملية بناء بيوتهم، مما يوفر لهم من خلال هذه الطريقة التعاونية تكاليف البناء على بعضهم. كما ان هذا يساعد ايضا على خلق وتقوية مشاعر الارتباط والتضامن والتعاضد بين أفراد المجموعة.
حماية البيئة وتوفير تكاليف إضافية
بإتباعهم لطرق البناء الصديقة للبيئة وباستخدامهم لمواد البناء المستمدة من الطبيعة مثل الأخشاب يسعى سكان هذه الوحدات السكنية المشتركة المساهمة في حماية البيئة. وتحظى مثل هذه المشاريع السكنية بالمساعدات الحكومية كما تحصل على قروض مالية ميسرة كونها تحافظ على البيئة. في هذا السياق يقول ميشائيل لافوند، مساعد مشروع المدينة النموذجية بأنه "يمكن للمرء هنا ان يحقق مع الآخرين ما لا يمكن له تحقيقه منفردا"، مشير إلى انه مثلا لا يمكن للمرء منفردا أن ينشئ محطة تدفئة حرارية ونظام توليد كهربائي. هذا الأمر يساهم في حماية البيئة من جهة ويوفر على المشتركين فيه تكاليف مالية كبيرة من جهة أخرى.