عيد العمال بأشكال غير مسبوقة في أجواء العزل بسبب كورونا
١ مايو ٢٠٢٠
تبدو الاحتفالات بعيد العمال هذا العام حول العالم مختلفة للغاية، إذ مُنعت وأُلغيت التظاهرات والتجمعات السنوية المعتادة في إطار إجراءات العزل بسبب جائحة كورونا، فيما تلوح أرقام سلبية في أفق الاقتصاد العالمي.
إعلان
يحتفل سكان العالم المعزولون اليوم الجمعة (الأول من أيار/ مايو 2020) بعيد العمّال من دون أي تظاهرات ولا تجمّعات منتظرة، على الرغم من تدابير رفع العزل الأولى في أوروبا حيث تسبب فيروس كورونا المستجدّ بكارثة اقتصادية غير مسبوقة وكذلك في الولايات المتحدة وفي الكثير من دول العالم.
ولن يُقام أي تجمّع تقليدي الجمعة لمناسبة عيد العمال وهو يوم عطلة رسمية في عدد كبير من دول العالم، مع استثناءات مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا. إلا أن هذا الأمر غير مسبوق في تاريخ النقابات، التي دعت بدورها إلى أشكال أخرى من التحرك: تعبئة افتراضية على مواقع التواصل الاجتماعي أو الوقوف على الشرفات وواجهات المباني مع حمل لافتات.
وبحسب نقابات فرنسية عدة، سيحاول العمّال بذلك التذكير بأهمية عمل أشخاص "مخفيين في مجتمعاتنا" على غرار العاملين في مجال الرعاية الصحية وموظفي الصناديق في المتاجر، الذين "يواصلون العمل وفي أغلب الأحيان يخاطرون بحياتهم".
تأهب الشرطة الألمانية
أما في ألمانيا فسيجري للمرة الأولى منذ أكثر من 70 عاماً الاحتفال بالعطلة اليوم الجمعة بدون احتجاجات أو مسيرات عامة كبيرة، مع إلغاء الفعاليات الخاصة بالاحتفال في المدن في جميع أنحاء البلاد بسبب جائحة كورونا.
وبدلاً من ذلك، ينظم مُعدو هذه الاحتجاجات، الاتحاد الألماني للنقابات العمالية والحزب الاشتراكي الديمقراطي، الفعاليات اليوم عبر الإنترنت. ورغم ذلك، فإن الشرطة في مدن مثل برلين ستكون على أهبة الاستعداد لتفريق أي تجمعات تنتهك قواعد التباعد الاجتماعي الحالية.
وتم السماح بأكثر من 20 مظاهرة صغيرة في العاصمة برلين، على ألا يتجاوز عدد المشاركين في كل منها 20 شخصاً - وهو أمر بعيد كل البعد عن الفعاليات المعتادة لعيد العمال، التي تشهد مشاركة آلاف الأشخاص.
وفضت الشرطة أمس الخميس في برلين مسيرة جرى تنظيمها بدون تصريح بحي فريدريشسهاين. ورغم القيود المفروضة على التجمعات في إطار مكافحة جائحة كورونا، احتشد عشرات المواطنين من تيار اليسار مساء أمس في إحدى الساحات، ودفعتهم الشرطة إلى الخروج منها.
وفي هذا السياق أعلن وزير الداخلية المحلي في ولاية برلين أندرياس غايزل في وقت سابق أمس أن الشرطة ستتخذ إجراءات سريعة وحاسمة ضد المظاهرات التي تخرج دون تصريح.
وكانت جماعات يسارية معتدلة ومتطرفة قد أعلنت من قبل أنها ستنظم مظاهرات واحتجاجات عشوائية في أماكن عدة، لتصيب الشرطة بنوع من الاضطراب. يُذكر أن عيد العمال يعتبر في ألمانيا يوماً للاحتجاجات الصاخبة والشوارع المزدحمة.
أرقام سلبية
و يمر عيد العمال هذا العام وسط توقعات بتراجع وتيرة الاقتصاد العالمي، ففي الولايات المتحدة حيث لا عطلة في هذا العيد، الجمعة، قدّم أكثر من 30 مليون أمريكي طلبات للحصول على إعانات بطالة منذ منتصف آذار/ مارس الماضي، في عدد قياسي.
كما بدأت شركات عدة بنشر نتائج من بينها المجموعة العملاقة للتجارة الالكترونية أمازون التي توقّعت عدم تحقيق أرباح للفصل المقبل. أما مجموعة بوينغ للصناعات الجوية التي تضررت بشدة بسبب توقف الرحلات الدولية، فقد أعلنت عن إطلاق سندات بقيمة 25 مليارات دولار.
في أوروبا، لم تتسبب الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بارتفاع أعداد المصروفين من العمل، لكنها وضعت ملايين الموظفين في "بطالة تقنية". وجاءت الخميس سلسلة من الأرقام لتؤكد التوقعات القاتمة في القارة العجوز.
فقد أعلنت فرنسا أن إجمالي الناتج الداخلي تراجع لديها بنسبة 5.8 بالمئة في الفصل الأول من العام الحالي، وكذلك إسبانيا بنسبة 5.2 بالمئة وإيطاليا بنسبة 4.7 بالمئة. بينما قالت ألمانيا إن عدد العاطلين عن العمل ارتفع بنسبة 13.2 بالمئة.
وفي منطقة اليورو، تراجع النشاط بنسبة 3.8 بالمئة، وفق المكتب الأوروبي للإحصاءات "يوروستات" الذي يحذّر من أن في الفصل الثاني ستكون الأرقام أسوأ. وأعلن البنك المركزي الأوروبي الذي لطالما كان منقذ منطقة اليورو، الخميس أنه "مستعدّ" لتعزيز قدراتها.
ع.غ/ م.س (آ ف ب، د ب أ، رويترز)
عيد العمال.. عنف ومظاهرات واحتفالات
ليست هناك مناسبة تغيرت على مر العقود مثل عيد العمال الذي يصادف الأول من مايو/ أيار. فبعد أن كان هذا اليوم مناسبة للاحتجاج والتظاهر للمطالبة بزيادة الأجور وخفض ساعات العمل، أصبح اليوم مناسبة للاجتجاج على سياسة الحكومة.
صورة من: AFP/Getty Images/F. Parra
يوم عطلة متعدد المعاني
يعتبر الأول من مايو/ أيار مناسبة ليطالب العمال بحقوقهم، لكن هناك مجموعات تستغله للشغب والتخريب. والصورة من مظاهرة سلمية لليسار في برلين بحي كرويتسبرغ.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Burgi
مظاهرة في معقل الرأسمالية
يعود تاريخ عيد العمال إلى عام 1886 حيث نادت الحركة العمالية إلى أول إضراب عام في الولايات المتحدة الأمريكية والاحتجاج للمطالبة بثماني ساعات عمل يومية بدل 14 ساعة، وأثناء الاحتجاجات قتل العديد من المتظاهرين. وبعد أربع سنوات أي عام 1890 تظاهر الملايين حول العالم في الأول من مايو/ أيار.
صورة من: picture-alliance/akg-images
يوم عطلة بمناسبة أخرى
تحتفل الحركة العمالية حول العالم بالأول من مايو/ أيار كعيد للعمال منذ أواخر القرن التاسع عشر، في ألمانيا أيضا كان العمال ينزلون إلى الشوارع في هذا اليوم، ولكنه لم يكن يوم عطلة رسمية. مع استيلاء النازية على السلطة في ألمانيا عام 1933 أعلن هتلر هذا اليوم عطلة رسمية وأطلق عليه اسم "عيد العمل القومي" وبدأ الحزب النازي بتنظيم مظاهرات ضخمة.
صورة من: picture alliance/akg-images
نهاية النقابات
بعد يوم واحد فقط ظهرت حقيقة نوايا هتلر ومخططاته، ففي الثاني من مايو/ أيار 1933 تم الهجوم على مكاتب النقابات واعتقال قادتها ونشطائها وإيداعهم السجن أو نقلهم إلى معسكرات الاعتقال. وفي العام التالي لم يعد هذا اليوم عيدا للعمال وإنما أصبخ "العيد القومي للشعب الألماني" وتم القضاء على النقابات التي كانت مناهضة للنازية.
صورة من: picture-alliance/dpa
عودة المظاهرات العمالية
بعد الحرب العالمية الثانية وتقسيم ألمانيا، أعلن الحلفاء عام 1946 الأول من مايو/ أيار عطلة رسمية في غربي ألمانيا لكن التجمعات والمظاهرات العمالية كانت محدودة. في ألمانيا الشرقية وباقي الدول الشيوعية كان الوضع مختلفا، حيث عادت الاحتفالات والمظاهرات الضخمة. وفي عروض واحتفالات الأول من مايو/ أيار كان يتم التذكير والإشادة بالحركة العمالية وتقاليدها.
صورة من: picture-alliance/akg-images/Hilbich
مشاركة إلزامية
المشاركة في مظاهرات واحتفالات عيد العمال لم تكن اختيارية تماما في الاتحاد السوفياتي السابق وباقي الدول الشيوعية كما في ألمانيا الشرقية. فالسير ضمن موكب المظاهرة والمرور من أمام منصة القادة وكبار المسؤولين كان إلزاميا بالإضافة إلى تزيين البيوت بالرايات، رغم أن كثيرين كانوا يودون الراحة وقضاء هذا اليوم بهدوء.
صورة من: AFP/Getty Images/V. Sobolev
الاحتجاج ضد الحرب
يعتبر عيد العمال منذ عام 1920 يوم عطلة رسمية. لكن مع مرور السنوات لم تعد المظاهرات مقتصرة على الحركة العمالية ومطالبها، فالطلاب والحركة الاحتجاجية التي انطلقت عام 1968 في فرنسا استغلت الأول من مايو/ أيار للاحتجاج ضد حرب فيتنام.
صورة من: AFP/Getty Images/J. Marie
إصلاح النظام التعليمي
في ألمانيا أيضا أصبحت المطالب في مظاهرات عيد العمال لا تقتصر على حقوق ومطالب العمال، فالمظاهرات التي نظمتها النقابات عام 1978 في مدينة درتموند كانت تطالب بإصلاح النظام التعليمي بحيث يستطيع أبناء الطبقة العاملة أيضا دخول مدارس تؤهلهم للحصول على شهادة الثانوية العامة والدراسة بالجامعة فيما بعد.
صورة من: picture alliance/Klaus Rose
التضامن.. التنوع.. العدالة
لا تزال المظاهرات والتجمعات الاحتجاجبة العمالية أمرا معتادا في ألمانيا. واحتفالات هذا العام (2018) التي نظمها اتحاد النقابات في عيد العمال، كان شعارها "التضامن.. التنوع.. العدالة". وينظم اتحاد النقابات منذ عام 1949 نشاطات وفعاليات عيد العمال في ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
عنف وتخريب
إلى جانب التجمعات والمظاهرات التقليدية التي تنظمها النقابات في الأول من مايو/ أيار، هناك احتجاجات أخرى مختلفة تنظمها "الكتلة السوداء Black Bloc" للمتطرفين اليساريين واليمينيين. وتتخلل هذه الاحتجاجات أعمال شغب وتخريب وإصابات واشتباكات مع الشرطة، كما في الصورة. وبالإضافة إلى ذلك يتم تنظيم مظاهرات سلمية مناهضة للنازية الجديدة.
صورة من: picture-alliance/dpa
الاحتجاج عاريا
في الأول من مايو/ أيار عام 2017 تم الاحتجاجات في فرنسا ضد مارين لوبين، مرشحة اليمين المتطرف وحزبها الجبهة الوطنية. فقد عبرت ناشطات من حركة "فيمين" النسائية، عن احتجاجهن ضد لوبين بتشبيهها بالنازيين من خلال إشارت كان يستخدمها النازيون. وقد شارك في الاحتجاجات ضد لوبين وحزبها حوالي 30 ألف شخص.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Samson
انقسام الروس في عيد العمال
مع انهيار الاتحاد السوفياتي انتهت الاحتفالات الضخمة أيضا بعيد العمال. لكن بعد عام 2000 عادت المظاهرات والاحتفالات بهذا اليوم وخاصة تلك المؤيدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظامه، لكن معارضوه أيضا ينضمون مظاهرات مناهضة له ولحكومته.
صورة من: Getty Images/AFP/N. Kolesnikova
احتجاجات ضد الرئيس الفنزويلي
فنزويلا أيضا تشهد مظاهرات مناهضة للحكومة في عيد العمال، حيث نظمت المعارضة العام الماضي احتجاجات في كل أنحاء البلاد ضد الرئيس مادورو، الذي جرد البرلمان من سلطاته، حيث كانت المعارضة تسيطر عليه، وهو ما دفع الاتحاد الأوروبي إلى إصدار عقوبات ضد فنزويلا.
صورة من: AFP/Getty Images/F. Parra
احتفالات ومهرجانات
يعد عيد العمال بالنسبة للكثيرين في ألمانيا يوم عطلة سعيدة يقضونها مع الأصدقاء والعائلة. ومن هذا المنطلق تنظم العديد من الاحتفالات الجماهيرية والمهرجانات، مثل "My fest" الذي ينظم كل سنة في برلين منذ عام 2003، ويأتي تنظيم هذا المهرجان ردا على الاحتجاجات الغاضبة التي تتخللها أعمال عنف وتخريب. إعداد: شتيفاني هوبنر/ ع,ج.