1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

فاشية حزب البعث وتجريمه

عبد المنعم الأعسم١٦ مايو ٢٠١٣

يضع عبد المنعم الاعسم مرة أخرى فضائع مرحلة صدام حسين في العراق أمام الأنظار، لافتا الأنظار إلى ضرورة عدم نسيان تلك الجرائم، وضرورة عدم السماح بتكرار الظروف التي وضعت شعب العراق رهينة الديكتاتورية.

صورة من: AP

قانون تجريم البعث، الذي حكم العراق بقيادة صدام حسين أكثر من ثلاثة عقود، قيد المناقشة في مجلس النواب، من حيث المبدأ، وقبل الخوض في تفاصيله، أمر سليم وصحيح وضروري ومبرر، ليس فقط بالمقارنة مع تجارب دول حكمتها فاشيات ودكتاتوريات وأنظمة عنصرية (ألمانيا الهتلرية. ايطاليا. اليونان. جنوب إفريقيا) وقضت بتجريم أحزاب نظمها الفاشية غداة سقوطها، بل و أيضا، لأن حفنة من البعثيين (جلادين سابقين. قتلة. ضباط أجهزة القمع. مقربين من صدام) لا يزالون ينشطون لإعادة نظام القهر الفاشي بالسلاح والتفجيرات والتجييش وإثارة الكراهيات الطائفية والقومية والاجتماعية والتحالف مع أكثر جماعات الإرهاب توحشا وهمجية وإجراما.

فمثلما كان القتل والترويع والتمييز القومي والطائفي واستئصال الآخر وإثارة الحروب منهجا في أساس نظام الفاشية الصدامية، ومكونا عضويا في سياساته وتطبيقاتها على الأرض، فان التشكيلات البعثية، من أيتام صدام حسين، تواصل هذا المنهج، والترويج له، والتشبث به، وهي خارج الحكم، وطوال عشر سنوات من عمر السقوط ارتكبت هذه التشكيلات من جرائم العنف والاغتيالات واللصوصية ما يفرض على الدولة، والمجتمع، والجماعات السياسية والإعلام التصدي لها وتجفيف مواردها البشرية والمعنوية والعمل على تفكيكها، ويعد التشريع الخاص بتجريم البعث الفاشي واحدا من فروض الوقاية إزاء الخطر الذي يمثله.

وبموازاة هذه الضرورات، تبرز ضرورة، لا تقل خطورة وأهمية عن تشريع قانون تجريم البعث ، وتتصل بالمعايير والمنظورات، ثم الإجراءات، التي تعالج فكرة التجريم والمشمولين بها، سيما أن السنوات العشر الماضية سجلت وقائع وفيرة عن التخبط و اللاعدالة والكيفية والكيدية "وحتى الطائفية" في التعامل مع أفراد حزب البعث وكوادره وفي سبل وخلفيات إعادة ضباط ومسؤولي الحكم السابق من أعضائه إلى مواقع الحكم الجديد، الأمر الذي جعل هذا الملف فاصلة ساخنة في الصراع السياسي بين الفئات المتنفذة، والحق ضررا كبيرا بالمعادلة الأمنية، بعد تسلل بعثيين مرتبطين بالمشروع الإرهابي الإجرامي إلى أكثر شبكات المنظومة الأمنية والعسكرية حساسية، وبالمقابل، جرى التنكيل والعزل لبعثيين سابقين، لاعتبارات طائفية او كيدية، فيما لم تجر مراعاة لأحوال بعثيين مدنيين وعسكريين انقلبوا على الدكتاتورية والبعض منهم حاربها، بل ان الكثير من هؤلاء أبعدوا عن مجالات الخدمة وجرى التفريط بخبراتهم في وقت البلاد أحوج ما تكون لها.

"التعاطف الزائف مع البعثيين نفاق سياسي"

ولعل أكثر صور النفاق السياسي في التعامل مع حزب البعث وفلوله وأنصاره برزت في لجوء كتل سياسية إلى لغة التعاطف الزائف مع البعثيين، ومع الجمهور المحسوب على النظام السابق لغرض ضمان التصويت لها في الانتخابات، وبلغ بهذه الكتل ان تعارض حتى تجريم صدام حسين، وبعض زعاماتها صار يتمثل شخصية الدكتاتور وخطاباته خلال الحملة الدعائية الانتخابية، وهذا هو الوجه الآخر من النفاق السياسي لكتل وزعامات سياسية أخرى راحت تقرّب البعثيين، بمن فيهم الجلادين السابقين، وتزكيهم، وتدفع بهم الى مواقع حساسة لاعتبارات طائفية او عشائرية او مناطقية، وثمة حالات رشوة وفساد وسمسرة مرت من هنا.

غير أن ملف التجريم القانوني يفتح نفسه على ملف آخر أكثر أهمية وخطورة وتتصل بمستقبل ومصير حزب البعث في العراق، فقد توفرت له فرصة تاريخية للانتقال من صيرورته حزبا فاشيا تحت قيادة صدام حسين إلى أصوله كتنظيم سياسي مدني قومي حركي، وذلك حين سقط الدكتاتور واخذ معه إلى المزبلة دولة فاشية، بكل بُناها الإيديولوجية والاقتصادية والإدارية، وكانت الظروف الجديدة مهيأة لهذا الخيار، فيما كان الحديث يجري عن تغييرات في منهج واسم وقيادات الحزب وحصر مسؤولية جرائم النظام السابق بحفنة من جلاديه، لكن فلول الحزب وما تبقى من أنصاره(من تشكيلات أجهزة القمع والسطوة والمنافع) تخندقوا في الإلهام الصدامي الكاذب، ومضوا على طريق التجييش والرطانة الثورية والتآمر.

وهل الفاشية غير سلسلة من عمليات تآمر ونداءات مثيرة للعواطف بغرض الوثوب الى السلطة، كما يعرضها موسوليني في كتابه عن "الفاشية والثورة الاجتماعية"؟.

وأليس الفاشية غير وصفة، كما يقول تولياتي "لحزب يدق طبول الحرب بلا كلل ودولة تحارب على الدوام"؟ وتلك هي المصاهرة الابدية بين حزبي هتلر وصدام لتجد تعبيرها في أساليب قهر المواطن ووأد وعيد وتعصيب عينيه، ثم العمل على اخصاء الحياة السلمية والتعددية والليبرالية في المجتمع، واستئصال القوميات والخصوصيات ووضع الشعب كله قيد إرادة القائد الفرد الذي لا يُناقش ولا يكشف عن خططه لأقرب المقربين .

"لا فرق بين هتلر وبين صدام"

ففي هذا العام 2013 يمرّ ثمانون عاما على صعود هتلر الى السلطة في المانيا (1933) وخمسون عاما على صعود البعث العراقي،لأول مرة، الى الحكم (1963) ولم تختلف إشكال هذا الصعود في الجوهر.. التآمر.. كما لم تختلف(إلا في التفاصيل) سبل بناء السلطة ودور الحزب الحاكم، وسطوة الفرد صاحب القرار الأول والأخير في مصائر البلاد، ومثلما ترك هتلر فلولا فاشية مؤتمنة على افكاره، ومسحورة بقوته و"وبطولته" لكنها صغيرة وهامشية ومنبوذة حيث حوصرت بطوق من التشريعات والثقافة والتعليم والاحتواء المنهجي، فقد ترك صدام حسين حفنة من أتباعه المهووسين باسمه و"أمجاده" ممن شاءت ظروف التغيير بعد العام 2003 والسياسات العفوية واللامنهجية والطائفية والارتجالية التي سلكتها حكومات التغيير أن تكون لهم مكانة في المعادلات السياسية والأمنية في مرحلة ما بعد سقوط النظام.

وإذ انفض ملايين من أعضاء حزب البعث عنه، بعد سقوط الدكتاتورية قبل عشر سنوات وظهرت بوادر مراجعة جدية بين قياداته المدنية وبعض مثقفيه لانتقاد وتجريم الحقبة الدكتاتورية القمعية ولجهة تأهيله للانخراط في العمل السلمي والمدني، غير ان تلك البوادر سرعان ما ارتدت الى الوراء، وانتهت الى "صمت" المنادين بالمراجعة وهزيمتهم امام صعود نداءات الانتقام والحرب والمقاومة الإرهابية والمضي قدما بقيادة عزة الدوري الى أشكال من الطائفية الهمجية والشعوذة (جيش النقشبندية) وأوهام إعادة عقارب الساعة الى الوراء.

في العام 1933 كان هتلر يقول" سأجعل العالم ينتحر في هذه الصالة" وفي العام 2003 كان صدام حسين يكرر أن الحملة عليه ستسقط لا محال، فمن الذي انتحر؟ ومن الذي سقط؟.

"المجرمون يبررون أعمالهم بنصوص تاريخية"

والمعاينة الموضوعية تكشف ان فاشية حزب البعث الذي حكم العراق ليس في منظومته العقائدية المجردة التي تضم نصوصا ورؤى ولوازم تعالج الشان القومي وقضايا التجزئة والوحدة العربية والنظام الاقتصادي المقترح للدولة، بل في الممارسات والتطبيقات التي جرت في ميدان السياسة والحكم، وفي الوصفة الصدامية للبعث على وجه الخصوص، ولا حاجة للاستطراد كثيرا في الفاصلة الصحيحة التي تقول ان الطغيان السياسي كثيرا ما يستند الى نصوص عقائدية مثالية (أو أجزاء منتقاة منها) يجري ليّها ومطّها وتأويلها لكي تلائم مشروع الاستبداد.

تكفي الإشارة السريعة إلى أن ابن لادن استند في بناء مشروعه الإرهابي التكفيري الإجرامي على نصوص في القران والعقيدة الإسلامية، وقبله وظـّف ستالين وماو وبول بوت مقولات لماركس ولينين في بناء حكم الاستبداد والبطش، كما ان الرأسمالية من حيث هي نظرية للحرية ولنظام مجتمعي بديل للاقطاعية الهمجية تمخضت في أطوارها الصاعدة عن اقبح وأبشع التطبيقات متمثلة بالاستعمار وسياسات إخضاع الأمم وأنظمة النازية والفاشية، والأمثلة كثيرة على نماذج حكم وإدارة وزعامة شرّعت للقهر بالاستناد الى مدونات نظرية للعدالة والمساواة والثورة.

لقد أنشأت الصدامية نموذجا فريدا وصارخا للدولة الفاشية، دولة يحكمها فرد واحد مستبد، وتديرها أجهزة مخابرات فوق القانون، وينأى الحزب الحاكم فيها عن موارده العقائدية المثالية ليصبح أداة أمنية عمياء لقهر الشارع واستئصال التنوع وتكميم الأفواه وسوق الملايين إلى ساحات الحرب التي ما إن تتوقف في جبهة حتى تندلع في جبهة ثانية، وكانت حرب القهر القومي للكرد أبشع تلك الحروب، فيما حرصت هذه الدولة على ضبط الولاء لها بقوة الحديد والنار، وعلى رشا مواطنيها (أو شرائح منهم) بفتات رخاء مؤقتة ومكرمات مُذلة، تقدمها بسخاء حين تشعر بخطر التمرد عليها ثم تصادرها حين يبتعد هذا الخطر. اما في مجال الثقافة فقد أغارت الدولة الصدامية الفاشية على مواطن التعددية في الثقافة الوطنية ووضعت غالبية المثقفين الذين لم يتسن لهم الإفلات من قبضتها تحت المراقبة والتهديد او الصمت او في صناعة التوصيفات المغشوشة للقائد المستبد.

"حالة الطوارئ مبرر دائم للقمع"

ومع حالة الإعداد للحرب، وهي حالة "طوارئ" غطت العقود الثلاثة من صعود الفاشية الصدامية (ولو بقي صدام لاستمرت الى الأبد) فان اية معارضة او شبهة للاحتجاج حتى في ابسط أشكال لها تُعد خيانة وطنية تكلف أصحابها حياتهم، وبمرور الأيام صارت الملايين العراقية، بالنسبة لصدام، قطيعا ووجودا نسبيا، أو كوسط مريب ينبغي مراقبته وترويضه على الدوام، بل انه (وعلى خطى هتلر) عني بالأطفال والصبيان على نحو استثنائي لكي يشبوا صداميين ووقودا لحرائق المستقبل ومتشبعين بالولاء المطلق له عبر قطعهم عن عائلاتهم وإبائهم وحياتهم الطفولية البريئة.

فاشية البعث، في تطبيقاتها الصدامية، ليست تجربة سقطت مع سقوط صاحبها.. انها تظهر الآن في إشكال كثيرة من النوازع والانحرافات، والممارسات التي التي تتكشف في ميادين السياسة والثقافة والمجتمع، وتسعى إلى إعادتها عن طريق العنف والتآمر والإرهاب فلول منفلتة.

أقول تسعى، وليس كل من يسعى يصل.

*******

نشر المقال في جريدة (الاتحاد) البغدادية ويعاد نشره على موقعنا بأذن الكاتب

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW