"فتح تواجه أزمة حادة تتعلق بمصداقيتها"
١٦ ديسمبر ٢٠٠٩قررت منظمة التحرير الفلسطينية اليوم الأربعاء 16 ديسمبر/كانون الأول استمرار محمود عباس في رئاسة السلطة الفلسطينية بعد انتهاء فترة ولايته الشهر القادم، وذلك بعد ثلاثة أيام من التداول في جلسات مغلقة، عقدها المجلس المركزي للمنظمة. ونقلت وكالة رويترز عن أعضاء في المجلس المركزي للمنظمة أن عباس الذي تنتهي فترة رئاسته في 25 يناير/كانون الثاني المقبل سيبقى إلى حين التمكن من إجراء انتخابات. وكانت الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقرر إجراؤها في 24 يناير/كانون الثاني قد ألغيت بعد أن حظرت حركة حماس المشاركة فيها في قطاع غزة.
ويبدو أن الاجتماع الذي انطلق في مطلع هذا الأسبوع تناول العديد من الملفات الساخنة التي تخص ترتيب الأوضاع الفلسطينية لمرحلة ما بعد محمود عباس ووضع إطار سياسي مرفق بأهداف مرحلية لفرضية إحياء مفاوضات السلام مع الجانب الإسرائيلي. لكن الظروف السياسية التي تحيط بالمنظمة تغيرت نوعياً، فالمنظمة لا تمثل اليوم كل الفلسطينيين كما كانت في الماضي. وهاهي حماس لا تعترف بشرعية المنظمة كمرجعية وحيدة للشعب الفلسطيني، كما أن السلطة لم تعد بيد قيادة المنظمة كما كان الحال قبل اتفاقية أوسلو. أضف إلى ذلك أن رجال ونساء المنظمة الذين أسسوها ودفعوا بعجلتها إلى الأمام طوال العقود الماضية بدأوا يختفون عن الساحة السياسية إما بسبب الوفاة وإما بسبب كبر السن. على ضوء ذلك لابد من التساؤل عما إذا كانت منظمة التحرير تواجه أزمة حقيقية تتعلق بمدى استيعابها لتحديات المرحلة الراهنة من حياة المجتمع الفلسطيني. والسؤال الأهم من ذلك هل لدى المنظمة الكوادر السياسية المؤهلة لتولى القيادة على طريق تحديث قيادة منظمة التحرير الفلسطينية واستلام العناصر الشابة لدفة إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني؟
صراع الأجيال أم أزمة تحديات؟
يتفق الكاتب والصحافي الفلسطيني محمد هواش مع فكرة وجود أزمة في منظمة التحرير الفلسطينية ولكن يرفض وصفها بأنها أزمة بنيوية، كما يرفض وجود صراع بين الرعيل الأول المؤسس للمنظمة وبين الأجيال اللاحقة. ويحدد السيد هواش طبيعة أزمة المنظمة بأنها أزمة تحديات يفرضها الواقع السياسي القائم حاليا، حيث تشكل حماس وموقفها الرافض بالاعتراف بالمنظمة كمرجعية سياسية للفلسطينيين تحدياً كبيراً للنخبة السياسية الحاكمة في رام الله. وحماس ترفض أن تكون منظمة التحرير ممثلة للشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال، بل تذهب إلى أبعد من ذلك، كما يقول هواش، حيث تسعى إلى الحلول محل منظمة التحرير. ويشير هواش إلى أن هذه الحقيقة تضع منظمة التحرير أمام إشكاليات سياسية وتحديات داخلية تؤثر على قدرتها في التعامل مع ملف التسوية فيما يخص عملية السلام.
ويدعم الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط ميشائيل لودرز أقوال هواش فيما يخص طبيعة أزمة المنظمة ويضيف أن منظمة التحرير -وخصوصا حركة فتح فيها- تواجه أزمة حادة تتعلق بمصداقيتها وقدرتها على قيادة الشعب الفلسطيني إلى منعطف قد يكون تاريخياً. ويعلل لودرز أسباب ذلك بأن نخبة من القياديين في فتح والتابعين لعباس يعملون من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية، فيما احتدم الصراع داخلياً بين حركة فتح وحركة حماس.
ويضيف لودرز سبباً آخر إلى أسباب هذه الأزمة وهو ما يتعلق بشخص الرئيس محمود عباس الذي يصفه بـ"الشخصية المأساوية" الذي قبل بكل المقترحات الأمريكية والإسرائيلية، لكنه لم يحصل على أي نتيجة سياسية لشعبه. لقد تعاون مع الحكومة الإسرائيلية السابقة وأضفى عليها طابعا يوحي بأنها راغبة في إحلال السلام، كما تعاون مع إدارة بوش في أيامه الأخيرة من أجل فعل شيء شكلي لإدارته كي لا يقل إنها لم تفعل شيئاً من أجل السلام. وباختصار، لقد استفادت كل الأطراف من خدمات محمود عباس عدا الشعب الفلسطيني كما يؤكد ذلك الخبير الألماني.
هل يريد عباس الرحيل حقا؟ ومن سيخلفه في منصب الرئاسة؟
يشكك الكاتب والصحافي الفلسطيني محمد هواش بجدية نية عباس ترك الساحة السياسية، فهو يعتقد أن إعلانه عدم الترشح لولاية ثانية إنما هو احتجاج على أصدقائه في المعسكر الغربي عموما والإسرائيليين خصوصا لأنهم تركوه وحيداً ولم يساعدوه في تحقيق أي إنجاز للشعب الفلسطيني. ويعتقد هواش أنه إذا نجح عباس في تحريك الإدارة الأمريكية والأوروبيين من أجل تقديم الدعم السياسي له والضغط على إسرائيل فيما يخص ملفي المستوطنات والقدس، فإنه مستعد للترشح لولاية ثانية.
ويبدو أن حركة فتح، الفصيل الكبير في منظمة التحرير الفلسطينية، لا تجد صعوبة في إيجاد بديل لمحمود عباس كما يشير إلى ذلك محمد هواش ويضيف أن أسماء كثيرة تطرحها وسائل الأعلام كصائب عريقات أو مروان البرغوثي أو غيرهم من العناصر الشابة والمعروفة في حركة فتح. لكن الأخيرة لم تقل كلمتها بعد فيما يخص تحديد شخصية لمنصب الرئيس أو لمناصب أخرى يتم ترشيحهم في الانتخابات القادمة. ويبدو أن مروان البرغوثي هو الاسم الأكثر ترديدا في هذا المجال على المستوى الشعبي ولكن هل ستطلق إسرائيل سراحه لهذا الغرض بالذات؟ الخبير الألماني ميشائيل لودرز يشكك هو الآخر باستعداد إسرائيل لإطلاق سراح البرغوثي ليلعب دوراً قيادياً في مفاوضات السلام. بيد أن لودرز يرى في ترشح عباس لولاية ثانية العديد من المشاكل، أبرزها أنه سيكون رئيسا ضعيفا لا يمتلك شعبية كبيرة نتيجة لإخفاقاته الحالية.
الكاتب : حسن ع. حسين
مراجعة: سمر كرم