فرنسا ـ محاكمة قيادي في "جيش الإسلام" بتهمة جرائم حرب بسوريا
٢٨ أبريل ٢٠٢٥
كان من المفترض أن يبقى السوري مجدي نعمة، المعروف باسم إسلام علوش ، بضعة أشهر فقط في فرنسا. وذلك من أجل برنامج تبادل أكاديمي في المعهد العربي بجامعة إيكس مرسيليا في جنوب فرنسا. ولكن تم اعتقاله في نهاية كانون الثاني/يناير 2020، أي بعد نحو شهرين من وصوله.
وهذا العضو السابق في جماعة "جيش الإسلام " الإسلاموية السورية مُتَّهم بالمشاركة في تجنيد أطفال والانتماء إلى جماعة خططت بين عامي 2013 و2016 لارتكاب جرائم حرب. وهذه المحاكمة تبدأ هذا الثلاثاء (29/4/2025) وهي المحاكمة الأولى لفظائع يُتَّهم بارتكابها "جيش الإسلام". ويأمل البعض منها تحقيق درجة ما من الشفاء.
ويقدّر عدد أعضاء جماعة "جيش الإسلام" بنحو 15 ألف فرد. وتشكلت هذه الجماعة من مجموعات متمردين وحاربت في الحرب الأهلية المندلعة منذ عام 2011 ضد الديكتاتور بشار الأسد، وخاصة في العاصمة دمشق ومنطقة الغوطة الشرقية في ريف دمشق. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، أسقطت ميليشيا هيئة تحرير الشام الإسلاموية الديكتاتور بشار الأسد بعد 24 عامًا في السلطة. وهو موجود الآن مع أسرته في روسيا.
ومن غير الواضح ما هو دور جماعة "جيش الإسلام" حاليًا وكم يبلغ عدد أعضائها. ومع ذلك فهي متهمة بقيامها في الماضي باختطاف أشخاص وتعذيبهم وإعدامهم. وبالإضافة أيضًا إلى اتهامها باستخدام أشخاص مدنيين كدروع بشرية.
قضاء دولي بالتأثير دلالي
لا بد من محاسبة جماعة "جيش الإسلام" على أفعالها، كما تعتقد كلوي باسمانتير، وهي محامية في المنظمة غير الحكومية الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، وأحد المدعين بالحق المدني. وفي حوار مع DW قالت أنَّ "نظام الأسد ارتكب معظم الفظائع والجرائم. ولكن يجب أيضًا محاسبة مجموعات أخرى أمام المحكمة على جرائمها - وحينئذ فقط سيكون لسوريا فرصة في مستقبل أفضل".
لقد أدرجت فرنسا في عام 2010 ما يعرف باسم نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ضمن قانونها الوطني. وبذلك تستطيع فرنسا في بعض الحالات أن تحاكم على الجرائم الدولية مثل جرائم الحرب، حتى ولو وقعت خارج فرنسا وفقا لما يعرف بـ"الولاية القضائية العالمية". وهذا ممكن في حالة مجدي نعمة، بسبب عدم اعتراف سوريا بالمحكمة الجنائية الدولية ولأنَّه كان يقيم في فرنسا لحظة اعتقاله.
ويرى مارك بايلي، وهو أحد محامي المدعين بالحق المدني، أنَّ مثل هذه القضايا لها أيضًا تأثير دلالي ضمن إطار القضاء الدولي . وحول ذلك قال في حوار مع DW: "حتى وإن كانت هذه المحاكمات تمثّل استثناءات مثل ذي قبل، لكنها ضرورية من أجل منع إفلات مجرمي الحرب في المستقبل من العقاب".
ومن بين المدعين بالحق المدني المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ورابطة حقوق الإنسان الباريسية، وكذلك خمسة أشخاص يدعون أنَّهم ضحايا جرائم حرب ارتكبها "جيش الإسلام" وكان مجدي نعمة مشاركًا فيها. ويقول مارك بايلي إنَّ هؤلاء المدعين الخمسة يأملون في الحصول من المحاكمة على بعض الاعتراف بمعاناتهم: "بالنسبة لموكليّ، فقد كان للمتهم دور قيادي. وقد شاهده بعضهم أيضًا في سجون جماعة "جيش الإسلام" وراقبوه وهو يُجري تدريبات عسكرية لأعضاء الجماعة".
ما هو الدور الذي كان يلعب مجدي نعمة؟
بيد أنَّ محاميي مجدي نعمة ينفون أنَّه لعب دورًا مهمًا، "فقد كان متحدثًا باسم "جيش الإسلام" من دون أية سلطة قيادية استراتيجية أو عسكرية، ولم يخطط لأية عمليات، بل كان يعلم بها بعد تنفيذها فقط"، كما قال رومان رويز ورافائيل كيمبف في حوار مع DW: "لقد أسقطت محكمة الاستئناف نهاية عام 2023 الاتهامات الأخرى، مثل تورطه المزعوم في إخفاء قسري لأربعة أشخاص. وستظهر براءته أيضًا من بقية التهم ".
وهذا المتهم السوري، الذي يبلع عمره الآن 37 عامًا، أبلغ السلطات أنَّه انضم إلى "جيش الإسلام" في مطلع عام 2013. وأنَّه كان يعمل منذ أيار/مايو 2013 من داخل تركيا، حيث عاش حتى سفره إلى فرنسا ودرس فيما بعد العلوم السياسية. وذكر أنَّه ترك "جيش الإسلام" في منتصف عام 2016. وبحسب المحققين فإنَّ رحيل مجدي نعمة المبكر نسبيًا من سوريا يشكل بالنسبة له دليلًا على أنَّه لعب دورًا ثانويًا في هذه الجماعة الإسلاموية.
ولكن بحسب محكمة الاستئناف في باريس فقد شاهده شهود في الغوطة الشرقية أيضًا في عامي 2014 و2015. وكذلك أسقطت المحكمة تهمة الإخفاء القسري لأنَّ التفسير الفرنسي للقانون الدولي لا يتهم بذلك إلا الجماعات والجهات الفاعلة الحكومية، و"جيش الإسلام" ليس منها. وهذا التفسير مُقيَّد للغاية بحسب رأي جيريمي ساركين، وهو أستاذ قانون في جامعة نوفا في لشبونة عاصمة البرتغال، ومتخصص في قضايا حقوق الإنسان والتغلب على الماضي. وحول ذلك ذكر لـDW أنَّ "فرنسا طرف في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة الاختفاء القسري ويجب عليها تطبق هذه الاتفاقية أيضًا على مرتكبي الجرائم غير الحكوميين".
ومع ذلك فهو يجد أنَّ وصول هذه القضية الآن إلى المحكمة هنا أمر إيجابي. ويقول إنَّ "مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يتمكن من إقامة محكمة دولية خاصة بسوريا، لأنَّ روسيا والصين عرقلتا ذلك. والمحاكم في فرنسا وألمانيا والسويد وسويسرا محورية في محاربة الإفلات من العقاب". والكثير من هذه المحاكمات استندت إلى عمل لجان تحقيق مختلفة تابعة للأمم المتحدة ولكنها لا تملك صلاحيات للملاحقة الجنائية - مثل "الآلية الدولية المحايدة والمستقلة - سوريا"؛ والتي يقول الخبير ساركين إنَّها "أعدَّت قائمة تضم 4 آلاف مجرم حرب مشتبه بهم، ومثل من بينهم أمام المحكمة 50 متهمًا".
هل تقام قريبًا محاكمات في سوريا؟
ومع ذلك فإنَّ محاميي مجدي نعمة يجدان موقف القضاء الفرنسي "إمبرياليًا". ويقول المحاميان رويز وكيمبف: "القوة الاستعمارية السابقة فرنسا يجب ألا تحكم على حوادث وقعت في سوريا، التي يوجد فيها قضاة ومحاكم". ويناقضهما ساركين بقوله: "سوريا بحاجة إلى إصلاح قضائي أساسي، وجميع القضاة يجب استبدالهم لأنَّهم معينون من قبل الأسد". ويعترف بذلك أيضًا مؤسس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش. ومنظمته غير الحكومية مشاركة في الادعاء في 28 قضية أخرى خاصة بسوريا في أوروبا.
وحول ذلك قال مازن درويش لـDW: "في الواقع ما يزال من المبكر جدًا الحكم في مثل هذه القضايا في سوريا. ولكن يجب على الحكومة السورية الجديدة تغيير هذا الوضع قريبِا، وأن تحاكم مرتكبي الفظائع أمام المحاكم هناك. وإلا فإنَّ الناس في سوريا سيطبقون العدالة بيديهم. ولن يتمكن بلدنا أبدًا من إيجاد السلام".
أعده للعربية: رائد الباش