فكرة الجيش الأوروبي هل تنقذ العرب من الهيمنة الأمريكية؟
حسن زنيند
١٥ نوفمبر ٢٠١٨
طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكرة إنشاء جيش أوروبي موحد، ورغم غموض ملامح هذه الفكرة الجديدة القديمة، فإن الخيال لا يمنع من تصور التداعيات المحتملة لقوة عسكرية عالمية جديدة ومدى إمكانية استفادة العرب منها.
إعلان
ماذا لو أنشأت أوروبا جيشها الموّحد؟
02:01
أثار اقتراح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنشاء "جيش أوروبي حقيقي" مهمته حماية القارة الأوروبية من "الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة" جدلا حادا، كان أبرز مظاهره غضب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وردود فعل أوروبية مؤازرة لماكرون. الغريب أن الفكرة ليست وليدة اليوم، إذ أن فكرة تأسيس جيش أوروبي موحد وردت في المادة 42 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، غير أن تحقيقها يقتضي إجماع الدول الأعضاء وتخليها عن بعض من السيادة الوطنية. وحتى ألمانيا وفرنسا اللتان تدعوان بشدة لسياسة أمنية أوروبية مشتركة غير مستعدتان على المديين القريب والمتوسط للتخلي عن سيادتهما الدفاعية.
إن التساؤل عن موقع العرب وتفاعلهم المحتمل مع ظهور قوة عسكرية أوروبية على الخارطة الاستراتيجية العالمية يجب أن يستحضر عاملين أساسيين يتعلق أولهما بحساسية تخلي الدول الأعضاء في الاتحاد عن سيادتها الدفاعية من جهة، وهيمنة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي كمرجعية يصعب تجاوزها في وضع الاستراتيجيات الدفاعية الأوروبية من جهة أخرى، حسبما يوضحه لـ DW عربية الدكتور مهند العزاوي الخبير الاستراتيجي والعسكري المقيم في دبي.
مخاض متواصل لفكرة قديمة
سيكون من الصعب تصور اقتناع صناع القرار في العالم العربي بما قاله ماكرون تماما، فهي تصريحات قد تكون مجرد فقاعة إعلامية لا غير. لا يوجد لحد الآن "جيش أوروبي موحد"، رغم التعاون المستمر على عدة أصعدة بين الجيوش الوطنية، من بينها التدريب المشترك والتنسيق والتعاون في عمليات حفظ السلام عبر العالم. لكن تشبث كل دولة بسيادتها يعتبر عائقا أمام تشكيل جيش أوروبي. ففي عام 2016 صادق الاتحاد على استراتيجية أمنية موحدة أكدت على "احتفاظ الدول الأعضاء بالسيادة في القرارات المتعلقة بالمجال الدفاعي، مع تشجيع الاتحاد على تطوير صناعة دفاعية والتعاون بيت جيوش الدول الأعضاء".
ويعتبر حلف شمال الأطلسي (ناتو) بعد نهاية الحرب العالمية الثانية الإطار الدفاعي المرجعي لـ23 من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. غير أنه منذ انتهاء الحرب الباردة وسقوط جدار برلين بدا جليا أن على الأوروبيين تحمل مزيد من المسؤولية في الدفاع عن أنفسهم، وكانت أول خطة في هذا الاتجاه معاهدة لشبونة لعام 2009 التي رسمت الملامح الأولية لسياسة أمنية تعتمد على حشد القدرات العسكرية والمدنية للدول الأعضاء والتنسيق بينها في العمليات الخارجية سواء كانت عسكرية أو مدنية. غير أن هذا لا يعني قطع حبل الوريد مع الناتو. مركزية الناتو بالنسبة لأوروبا أكدها الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ الذي حذر من تقويض العلاقات على ضفتي الاطلسي.
ناتو عربي بدلا من جيش أوروبي؟
يرى الدكتور مهند العزاوي أن "أوروبا تقيم تحالفا دائما واستراتيجيا مع الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الجيش الأوروبي حتى لو تشكل لا يمكن فصله عن حلف الناتو الذي يجعل من الدفاع عن أوروبا أحد مهامه الأساسية". وحتى ماكرون نفسه أوضح أن "الولايات المتحدة هي حليفنا التاريخي، وستبقى كذلك، فهي الحليف الذي نتحمّل معه جميع المخاطر والذي نقوم معه بأكثر العمليات تعقيدا، ولكن أن نكون حلفاء لا يعني أن نكون تابعين، ولكي لا نكون تابعين يجب أن لا نكون معتمدين عليها".
ويرى الدكتور العزاوي أن هناك من الناحية الواقعية ثلاث قوى عسكرية "فاعلة وقوية على الأرض لدى النظر إلى اللوحة الاستراتيجية العالمية، وهي: الولايات المتحدة وحلف الناتو وروسيا". وأضاف أن من مصلحة العرب "إنشاء ناتو عربي للدفاع عن المنطقة العربية، تحالف يكون أداة للدفاع عن الأمن ومكافحة الإرهاب. فترهل العرب في صناعة القوة واعتمادهم على الآخرين فيه سلبيات كثيرة". ثم إن هناك اليوم شبكة من التسهيلات العسكرية العربية لعدد من القوى الغربية كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وغيرها، وبالتالي فإن عددا من البلدان الأوروبية حاضرة في الاستراتيجيات الأمنية والعسكرية العربية.
محطات الاتحاد الأوروبي في صور
لم يكن مولد الاتحاد الأوروبي سهلاً، ومازال يواجه صعوبات حتى الآن. لكن تكوينه يعتبر إنجازاً وإتمامه خمسين عاماً أمر يستحق الاحتفال.
صورة من: AP
وضع حجر الأساس
وللتوقيع على اتفاقيات روما، شارك من ألمانيا المستشار الألماني كونراد أديناور (على اليسار) ووكيل وزارة الخارجية فالتر هالشتاين (على اليمين). وكونت هذه الاتفاقيات بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي للفحم والفولاذ الذي عقد عام 1951 البذرة الأولى للوحدة الأوروبية.
صورة من: dpa
مولد الاتحاد الأوروبي
في يوم 25 مارس/آذار عام 1957 بالتوقيع على "اتفاقيات روما"، حيث قامت الدول الستة الأعضاء في الاتحاد الأوروبي للفحم والفولاذ وهي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج، قامت بتأسيس السوق الأوروبية المشتركة (EWG) والرابطة الأوروبية الذرية (EURATOM).
صورة من: picture-alliance / akg-images
التنازل عن السلطة القومية من أجل المصلحة العامة
دعا وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان إلى إنشاء الاتحاد الأوروبي للفحم والفولاذ (EGKS )، وبناء على اقتراحه تم توقيع عقد إنشاء الاتحاد في عام 1951. ووقع عليه كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا ولوكسمبورج. وكان الهدف من هذا العقد الحفاظ على السلام من خلال السيطرة المتبادلة على الفحم والفولاذ والتي تعد مواد ذات معنى ف حالة الحرب، وتنازلت الدول المشاركة في الاتفاقية عن سلطتها القومية لصالح المجتمع الأوروبي.
صورة من: picture-alliance / akg-images
اتحاد أوروبي موازي
في الرابع من يناير/كانون الثاني 1960، تمت اتفاقية السوق الحرة الأوروبية في ستوكهولم بين سبعة دول لم تكن أعضاء في الاتحاد الأوروبي، هي النمسا والدانمارك وبريطانيا والنرويج والبرتغال والسويد وسويسرا. وكانت هذه الاتفاقية تهدف إلى تعميق التعاون الاقتصادي بين دول أوروبا الغربية والعالم كله، وإلى دعم الدول الأعضاء لتحقيق النمو الاقتصادي والرخاء لمواطنيها.
صورة من: picture-alliance/ dpa
التوسع الأول للاتحاد الأوروبي
في 22 يناير/كانون الثاني 1972 وقع ممثلو الدانمارك وأيرلندا وبريطانيا والنرويج وثائق انضمام دولهم للاتحاد الأوروبي. وفي أول يناير 1973 أصبحت هذه الدول أعضاءً في الاتحاد الأوروبي، باستثناء النرويج، حيث رفض شعبها في استفتاء شعبي عضوية الاتحاد الأوروبي.
صورة من: picture-alliance/ dpa
الطريق نحو الديمقراطية
من 7 إلى 10 يونيو/حزيران تمت أول انتخابات برلمانية أوروبية. وحصل الاشتراكيون على 112 مقعداً بينما حصل الديمقراطيون المسيحيون على 106 والمحافظون على 63 والشيوعيون على 44 والليبراليون على 40 والأوروبيون على 21 مقعد، أما المقاعد الباقية فتوزعت على مجموعات سياسية صغيرة. الآن هناك 758 نائب في البرلمان الأوروبي يمثلون الدول الـ27 الأعضاء، وللبرلمان ثلاثة مقاعد رئيسية في ستراسبورج وبروكسل ولوكسمبورج.
صورة من: AP
تأسيس الرابطة الأوروبية للعملة
في عام 1972 بدأت الخطوات الأولى على طريق العملة الموحدة بتأسيس الرابطة الأوروبية للعملة، والتي كانت تهدف إلى ضمان الاستقرار الاقتصادي.
صورة من: AP
ارتفاع العلم العاشر
وفي أول يناير عام 1981 دخلت اليونان الاتحاد الأوروبي لتصبح عاشر أعضائه. وكان انضمام اليونان موضعاً للنقاش، لأنها دولة فقيرة ولأن اقتصادها يعتمد بشكل رئيسي على الزراعة.
صورة من: AP
التوسع في جنوب أوروبا
وبعد خمس سنوات على انضمام اليونان، انضمت كل من البرتغال وأسبانيا إلى الاتحاد الأوروبي ليصبح عدد الأعضاء اثني عشر.
صورة من: picture-alliance/ dpa
اتفاقية ماستريخت
في أول نوفمبر/تشرين الثاني 1993 دخلت اتفاقية الاتحاد الأوروبي، المعروفة باتفاقية ماستريخت، حيز التنفيذ. جمعت تلك الاتفاقية كل نقاط الاتفاق السابقة، بالإضافة إلى إضافة نقاط خاصة بالتعاون على الصعيد السياسي، من بينها من سبيل المثال السياسة الخارجية والسياسة الأمنية والمساعدات الإنمائية والسياسة القضائية والصحة وحماية المستهلك.
صورة من: picture-alliance/ dpa
سقوط الشيوعية
في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني 1989 سقط سور برلين، معبراً عن سقوط الشيوعية في وسط وشرق أوروبا. ومع إعادة توحيد ألمانيا، انضمت الولايات الشرقية من ألمانيا إلى الاتحاد الأوروبي.
تفعيل السوق الأوروبي الداخلي
في أول يناير/كانون الثاني عام 1993 بدأ عمل السوق الداخلي في المجموعة الأوروبية، وهي عبارة عن منطقة اقتصادية تكفل حرية انتقال الأشخاص والبضائع والخدمات ورؤوس الأموال دون حدود داخلية.
صورة من: AP
التوسع الأكبر
في أول مايو/آيار 2004 تم أكبر توسع للاتحاد الأوروبي، حيث انضمت 10 دول جديدة –تمثل أكثر من 100 مليون مواطن- انضمت للاتحاد الأوروبي. هذه الدول هي بولندا والتشيك وسلوفانيا وسلوفاكيا والمجر واستونيا ولاتفيا وليتوانيا وقبرص ومالطا
صورة من: AP
توسع متجدد
1 يناير/كانون الثاني 1995: انضمام فنلندا والسويد والنمسا للاتحاد. عدد أعضاء الاتحاد أصبح 15 عضواً.
صورة من: AP
اتفاقية شنجن تدخل حيز التنفيذ
في 26 مارس/آذار1995، بدأ سريان تنفيذ اتفاقية دول الشنجن، بين جمهورية ألمانيا الاتحادية وفرنسا وبلجيكا ولوكسمبورج وهولندا وأسبانيا والبرتغال، حيث فتحت الحدود بين تلك الدول.
صورة من: dpa
اليورو يصبح العملة الرسمية لعدة دول
في 16 ديسمبر/كانون الأول تم الاتفاق على إطلاق اسم "يورو" على العملة الموحدة المستقبلية لأوروبا. وبدأ التعامل باليورو مع مطلع عام 2002. واليوم يعتبر اليورو العملة الرسمية في 13 دولة من الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.
صورة من: dpa
البنك المركزي الأوروبي
في عام 1998 تم تأسيس البنك المركزي الأوروبي ومقره فرانكفورت
صورة من: AP
تأخير مشروع الدستور الأوروبي
تعطل مشروع الدستور الأوروبي بعد أن قوبل بالرفض الشعبي في فرنسا وهولندا، ومازال هذا الدستور محل المناقشة الآن.
صورة من: AP
التوسع الأخير
وفي يناير 2007، انضمت كل من رومانيا وبلغاريا ليصبح عدد الأعضاء 27 عضواً. ومازال السؤال مفتوحاً حول إمكانية انضمام دول جديدة للاتحاد.
صورة من: AP
19 صورة1 | 19
استحالة استغناء العرب عن أمريكا؟
وحسب رأي الدكتور العزاوي، فإن الولايات المتحدة قوة عسكرية عظمى، وهي "الأولى عالميا من حيث القوة وآلة الحرب والسيطرة الفضائية، وبالتالي ليس هناك اليوم مجال لتخطي القوة الأمريكية من قبل أي جيش آخر في العالم سواء كان أوروبيا أو غير ذلك"، فهي تهيمن على قدرات التصنيع العسكري والسيطرة التكنولوجية على الفضاء والانترنت، وبالتالي "لا يمكن خلق قوة عسكرية جديدة دون أن تدخل في تماس بشكل ما مع الولايات المتحدة".
وتحظى فكرة تشكيل جيش أوروبي بتأييد واسع في ألمانيا، فقد رحبت بها المستشارة أنغيلا ميركل كما وزيرة الدفاع أورزولا فون دير لاي، لكن الأخيرة أكدت أنه يجب أن تظل مسؤولية اتخاذ القرارات لدى الأمم والبرلمانات الوطنية. وذهب رئيس البرلمان (بوندستاغ) فولفغانغ شويبله في نفس الاتجاه مؤكدا أن مهام الجيش الألماني بالخارج تستلزم حتى الآن تصريحا مسبقا من البرلمان. أما في فرنسا فيستطيع رئيس الدولة الدخول في عمليات عسكرية أو إرسال الجيش للخارج حتى قبل ن يستشير البرلمان. وهذا سبب إضافي يدعو للاعتقاد بأن الجيش الأوروبي لن يتم إنشاؤه في القريب المنظور.
ويرى الدكتور العزاوي أن العالم العربي في حاجة لحلفاء، فأوروبا (بجيش موحد أو بدونه) والولايات المتحدة يمتلكان قدرات عسكرية وتكنولوجية "يحتاجها العرب في كل الأحوال". ويضيف موضحا بأنه "لدى الدول العربية علاقات مميزة مع الدول الأوروبية، رغم الماضي الاستعماري غير المرضي. ولكن في الحاضر هناك تعاون بين الجانبين خصوصا في مواجهة التهديد الأول الذي يمثله الإرهاب".