فنادق مايوركا.. عاملات النظافة والكفاح ضد الاستغلال
١٢ نوفمبر ٢٠٢٢
رغم أهمية دور عاملات النظافة لفنادق مايوركا ولقطاع السياحة في هذه الجزيرة الإسبانية، فإنهن يواجهن أشكالا متعددة من الاستغلال. ما هي هذه الأشكال وكيف ينظمن كفاحهن ضدها؟
إعلان
لأكثر من 19 عاما، تواظب عاملة النظافة سارة ديل مار البالغة من العمر 52 عاما عملها في أحد فنادق جزيرة مايوركا التي يقصدها السياح وخاصة من بريطانيا. تؤكد سارة على أنها تتمتع بصحة جيدة إذ لم يؤثر عملها في تنظيف غرف الفندق على صحتها، لكن ربما كانت سارة محظوظة في ذلك إذ تعاني الكثير من عاملات النظافة في الجزيرة من ظروف صحية سيئة نظرا لمشقة العمل في تنظيف غرف الفنادق. ويوظف قطاع الفنادق في جزر البليار الواقعة في شرق اسبانيا، أكثر من 30 ألف شخص معظمهم من النساء.
ظروف عمل قاسية
منذ ست سنوات، ترأس سارة جمعية خاصة بعاملات النظافة في مايوركا يُطلق عليهن اسم "كيلس" وهي كلمة مختصرة تعني بالإسبانية "أولئك الذين ينظفون". وتؤكد سارة على ظروف عملها القاسية إذ يتعين عليها تنظيف 24 غرفة في الفندق في ست ساعات فقط، مؤكدة أنها لا يمكنها الوفاء بهذا العدد.
وتشير إلى أن عاملات النظافة قد يواجهن أعباء عمل أكبر وأكثر مشقة، مضيفة بأن "ضغوط العمل كبيرة، وعدد قليل منا يمكنه الحصول على استراحة لتناول وجبة الغذاء. وقد نجد صعوبة حتى لشرب الماء فلا وقت يمكننا أن نهدره حتى الذهاب إلى المرحاض".
لكن مؤخرا حظيت قضية ظروف العمل القاسية في قطاع تنظيف الفنادق، باهتمام كبير في إسبانيا إذ التقى رئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز بمجموعة من عاملات النظافة أثناء زيارته جزيرة مايوركا مطلع أكتوبر / تشرين الأول.
وعقب هذا اللقاء، صدر بيان عن سانشيز حمل تعهد حكومته في المضي قدما بتحسين ظروف عمل عاملات النظافة، مؤكدا في الوقت نفسه على أهمية هذا القطاع بالنسبة للسياحة في الجزيرة.
وقال البيان "بدون عمال وعاملات النظافة، سوف يتوقف قطاع السياحة الذي يعد هاما من الناحية الاقتصادية". ورغم هذا التعهد، مازالت عاملات النظافة تعملن غالبا في ظروف عمل قاسية ما قد يؤدي إلى مشاكل صحية. وهن يقمن بهذا العمل في سبيل مساعدة أسرهن وأيضا في سبيل الحفاظ على قطاع السياحة الذي يعد أهم القطاعات الاقتصادية في إسبانيا.
وفي هذا الصدد، نجم عن لقاء سانشيز مع ممثلي عاملات النظافة في مايوركا، زخما لهذه القضية وحمل في الوقت نفسه رمزية كبيرة. ومنذ إنشاء جمعية عاملات النظافة في مايوركا التي ترأسها سارة حاليا، ساعدت المنظمة في تحسين ظروف عمل عاملات النظافة إذ باتت الأمراض الشائعة بين عاملات النظافة يُجرى إدراجها تحت فئة "أمراض مهنية."
كذلك نجحت المنظمة في التوصل إلى اتفاقية لتحسين الأجور في قطاع السياحة بجزر البليار ينص على دخل شهري يبلغ 1400 يورو، وهذا الراتب يعد أعلى من الرواتب المعتادة في جزيرة مايوركا.
ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل شمل أيضا صدور قرار من قبل المشرعين في جزر البليار مؤخرا يلزم كافة الفنادق باستبدال الأسرة العادية بأسرة قابلة للتعديل لتحسين ظروف عاملات النظافة. بيد أن هذا القرار أثار استياء أصحاب الفنادق بسبب أن الأمر ينطوي على تكاليف كبيرة فيما تساءل أعضاء جمعية أصحاب الفنادق في مايوركا عن السبب وراء الاهتمام الكبير بعاملات النظافة في مقابل اهتمام أقل بالعاملين والعاملات في قطاعات اخرى مثل الطهي.
لكن سارة تؤكد أن حصول عاملات النظافة على هذا الاهتمام لم يكن بالأمر السهل أو وليد الصدفة، مضيفة "نظمنا احتجاجات في الساحات الرئيسية في جميع المدن الرئيسية".
لا للعمل التعسفي
بيد أن الطلب الأكثر إلحاحا بالنسبة لعاملات النظافة يتمثل في منع أرباب العمل من فرض حصة عمل يومية تعسفية بهدف الحفاظ على انخفاض تكاليف العمالة. وفي ذلك، قالت سارة إنها ترغب في التوصل إلى اتفاق لتحديد حصة عمل عاملة النظافة بما يشمل عدد الغرف التي يتعين على أي عاملة تنظيفها يوميا بشكل معقول لا يضر بصحتها.
وبينما تسعى سارة إلى إبرام هذا الاتفاق، نجحت في الضغط لإجراء دراسة ترمي إلى تحديد مستوى العمل الذي يمكن اعتباره مرهقا بالنسبة لعاملات النظافة في فنادق مايوركا.
ورغم أن صحة سارة كانت جيدة، إلا أنها شعرت مؤخرا أن الفندق الذي تعمل فيه يطلب منها مهام عمل إضافية ما دفعها إلى تقديم شكوى بعد تزايد أعباء العمل على كاهلها. وفي ذلك، قالت "بعد يوم من تقديم الشكوى، قام الفندق بتعيين عاملة نظافة إضافية".
يوناس مارتيني / م ع
بالصور.. حلاوة فراولة جنوب إسبانيا لا تُخفي مرارة جنيها!
هذا العام وصلت 15 ألف عاملة موسمية مغربية للعمل في جني الفراولة بإسبانيا. لكن العملية لم تمر دون ضجة، خصوصاً بعد شكاوى بعضهن من مضايقات جنسية . DW عربية زارت المنطقة والتقت بعدة عاملات حكين قصصهن عن تجربة مضنية.
صورة من: DW
ويلفا.. مملكة الفراولة في إسبانيا
يعدّ جني الفواكه الحمراء، خاصة الفراولة، أحد أكبر الأنشطة الزراعية بمنطقة الأندلس، وتحديداً في إقليم ويلفا، ما يساهم في جعل إسبانيا أحدى أكبر ثلاثة مصدرين لهذه الفاكهة عبر العالم. يحتاج كبار المنتجين في الإقليم إلى اليد العاملة الموسمية لعملية الجني، ما يدفعهم إلى الاستنجاد بالعمال المهاجرين، وبالعاملات الموسميات، خصوصاً القادمات من المغرب.
صورة من: DW
ظروف عمل صعبة بأجور زهيدة
يبدأ العمل مبكراً في الضيعات. يختلف الأجر بشكل طفيف، لكن العاملات يحصلن عموماً على 37 يورو (صافي) يوميا عن سبع ساعات ونصف، مع إمكانية تلّقي تعويضات مالية عن الساعات الإضافية. يعدّ هذا الأجر من الأضعف في إسبانيا، ولا يجذب، إلا نادراً، أبناء وبنات البلد. تبقى ظروف الجني جد صعبة، وعدة عاملات وعمال يُضطرون إلى التوقف بعد بضعة أيام.
صورة من: DW
مشاكل متعددة تُلاحق العاملات المغربيات
وصلت آلاف المغربيات على مراحل إلى الإقليم. لكن كثيرات منهن عانين مشاكل عديدة، من أبرزها أنهن لم يعملن مدة العقد الكاملة (3-4 أشهر)، ممّا أثّر على أجورهن، فضلاً عن نُدرة المترجمين وكثرة العراقيل أثناء الحصول على الأجور وأحياناً غياب المرافقة الطبية. مصادر تحدثت عن تعرّض عاملاتٍ لمضايقات جنسية، لكن هناك شبه إجماع أنها حالات معزولة.
صورة من: DW/I. Azzam
الفقر.. الدافع الأكبر للعمل الموسمي
الفقر أكبر الأسباب التي دفعت بالعاملات الموسميات إلى خوض تجربة العمل في إسبانيا. تحكي هذه السيدة أنها تعمل لأجل إعالة أبنائها، خاصة أن واحداً منهم يعاني إعاقة، مؤكدة أنها على استعداد للعودة العام المقبل ما دامت تجني هنا أكثر بكثير ممّا يمكن أن تجنيه بالمغرب. تنحدر جلّ العاملات من مناطق قروية، واختيارهن كان حكراً في الغالب على من لهن أبناء، حتى لا يبقين سراً في إسبانيا بعد نهاية العقد.
صورة من: DW/Ismail Azzam
السكن قرب الضيعات تفاديا لتكاليف أخرى
يعيش العمال والعاملات في مساكن خشبية قرب الضيعات. في كل بيت هناك 3 أو 4 غرف. بكل غرفة 3 أو 4 أشخاص، بينما توجد أحيانا غرف مخصصة للأزواج.توّفر الشركات أهم احتياجات الحياة بهذه المساكن، لكن على العمال تحمّل نفقات طعامهم، فيما يؤدي آخرون جزءاً من تكاليف السكن. توجد جنسيات متعددة في هذه المساكن، أهمها المغاربة والرومان والقادمون من إفريقيا جنوب الصحراء.
صورة من: DW/I. Azzam
"المسمن" المغربي حاضر بإسبانيا!
تحرص العاملات الموسميات على العيش وفق الطريقة المغربية. زرنا هذا المسكن في شهر رمضان حيثُ كانت سيدتان تعدّان مائدة الإفطار، وخصوصاً خبز "المسمن". بعض العاملات عبرن عن ارتياحهن للسكن بينما جرى العكس عند أخريات. تزامن موسم الجني مع شهر رمضان زاد من صعوبة العمل، خاصةً مع الحرارة المفرطة، وتأخر غروب الشمس للتاسعة والنصف أو أكثر.
صورة من: DW/I. Azzam
"الخطافة" في إسبانيا كذلك!
تحتاج العاملات إلى "الخطافة"، وهو لفظ يطلق على ممتهني النقل السري بالمغرب، لأجل بلوغ محلات التسوق. النقل الذي توّفره شركات الفراولة يخصّ فقط المسافة بين الضيعات والبيوت. تسعيرة "الخطافة" تتنوع حسب المسافة وتبدأ من يورو للعاملة الواحدة. بفضل العاملات الموسميات، حقق فرع سوق ممتاز ببلدة موغر أرقام مبيعات مرتفعة جعلته الأكثر نشاطاً بالإقليم ككل!
صورة من: DW/I. Azzam
تجارة مزدهرة.. بفضلهن!
تستغل العاملات الموسميات فرصة العمل بإسبانيا لشراء عدة سلع يأخذنها معهن إلى المغرب. تزامن موعد عودة الكثيرات منهن مع عطلة عيد الفطر، ما جعلهن يشترين هدايا لأقربائهن. وهو ما ساعد العاملات في بلدة موغر هو وجود محلات تجارية كثيرة يعمل بها مغاربة، ما سهل عليهن التواصل. بفضل هؤلاء النساء، حققت فروع تحويل المال في البلدة أرقام معاملات كبيرة، إذ يحرصن على تحويلات دورية لأسرهن بالمغرب.
صورة من: DW/I. Azzam
أكواخ البلاستيك "الصالحة" للسكن!
العمال المغاربة يستفيدون بدورهم من ضيعات الفراولة. لكن، بسبب حرص عدد منهم على توفير المال، أو معاناة آخرين في إيجاد الإيجار، أوعدم توّفرهم على وثائق الإقامة، يكون البديل في السكن هو أكواخ بلاستيكية تفتقر لشروط العيش الكريم. توجد في هذه الأكواخ بعض النساء لكن عددهن قليل. يسكن عمال آخرون في مراقد جماعية أفضل حالا بما بين 60 و100 يورو شهريا، بينما استطاع آخرون الظفر بسكن يُوّفره مُلاك المزارع.