فيروز وحزب الله.. ونهاية "طريق النحل"
٥ ديسمبر ٢٠١٦
في الرابع من ديسمبر/ كانون الأول 2016 حاول أصدقاء الطالب اللبناني محمد حمادي الذي توفي بحادث سير، أن يقيموا حفلاً تأبينياً له في جامعتهم بحضور والدته، على أن يتخلل الحفل أغانٍ للسيدة فيروز، التي كان يحبها محمد، لكن عناصر "التعبئة الطلابيّة" التابعة لحزب الله اللبناني منعت بث أغاني فيروز في الجامعة ما أثار موجة من الاعتراضات بدأت من داخل الحرم الجامعي ولم تنته على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
#مين_بيمنع؟
هذه الحادثة أقامت الدنيا ولم تقعدها على صفحات الموقع الأزرق، وكانت المادة الأولى لتغريدات رواد موقع تويتر، ولم تقف الضجة عند حدود الطلاب إذ تجاوزتها لتصبح قضية رأي عام، عكست الانقسام السياسي في لبنان وجوده على تقييمها بشدة.
البعض رأى في هذه الحادثة ازدواجية في التعامل من قبل حزب الله، الذي يقول إنه يحارب التطرف في سوريا، بينما يقوم بأعمال تشبه أعمال المتطرفين في لبنان، خاصة وأن أعضاء "التعبئة الطلابية" وهي الهيئة الإدارية التابعة للحزب في الجامعة، قد أخبروا الطلاب أن أغاني فيروز "محرمة".
وأطلق اللبنانيون وسم "#مين_بيمنع"، مستنكرين الحادثة، حيث اعتبر كثيرون أنه من المعيب أن يتم منع أغاني مطربة بحجم فيروز، في حين تساءل آخرون كيف للحزب أن يقوم بذلك خاصة أن زياد الرحباني ابن فيروز كان قد نقل عن لسانها أنها "تحب السيد حسن نصرالله"، فيما دعا البعض لمعرفة رأي زياد الرحباني من ذلك وهو معروف بدعمه لحزب الله.
البعض اعتبر أن الأمر سخيف ولا يستحق كل هذه الضجة وقال أحد المغردين على تويتر: "عادي وين المشكلة.. الحق للقوه.. وما بدها كل هل طوشة.. تركنا الزبالة والحكومة والمصايب ولحقنا هيك شغله"، (أين تكمن المشكلة، إذ دائماً ما يكون الأقوى هو المتحكم،لا تستحق هذه المسألة كل هذه الضجة، تركنا مشاكلنا كمشكلة النفايات والحكومة وكل المصائب وانشغلنا بهكذا أمر تافه).
فيما رأى البعض بهذه التصرفات أنها تصرفات فردية لا تعبر عن حزب الله أبداً، في حين أعتبر آخرون ان فيروز التي تحاول أن تبقى بعيداً عن السياسة لم تتركها السياسة أبداً.
"زبطوها من زبطكم"
وعلى عادة مستخدمي السوشيال ميديا فإن أي قضية تتحول بالنسبة لهم إلى موضوع طريف، إذ وجد اللبنانيون طريقتهم للسخرية مما حدث، فعدا عن التعليقات والمنشورات الساخرة، أطلق مجموعة من اللبنانيين صفحة حملت عنوان "بطوها من زبطكم"، أي عدلوا من سلوككم لنتمكن من التعامل معكم، والتي تدعو الناس لتحوير كلمات أغاني السيدة فيروز بما يتناسب مع الأمور التي يقبل بها الحزب.
فكتب أحد المعلقين: "انت وانا ياما نبقى.. نوقف سوا تحت الشمس.. وبمبنى جامعة الحدث..مرسومة طريق القدس" في محاكاة لأغنية طريق النحل، بينما عمل آخر على تحويل كلمات أغنية "لوين رايحين" لتصبح "سألت حبيبي لوين رايحين.. فجاء طفى الضو وبطلنا قاشعين.. رانج مفيّم عطول.. تحت البيت عطول.. ليش أغاني الست ممنوعين؟"، (ٍألتك حبيبي إلى أين سنذهب، فجأة حل الظلام ولم نعد نرى شيئاً، وبسيارة من نوع رانج روفر ذات شبابيك سوداء وضعنا، وأخذنا من أمام المنزل، لأننا تساءلنا لماذا منعتم أغاني فيروز؟)
وصل عدد متابعي الصفحة بعد ساعات من إطلاقها إلى أكثر من 1000 شخص وبدأ سباق الأغنيات بينهم، في حين دافع العديد منهم على الصفحة عن الحزب والسيدة فيروز، إلا أن أغلب المشاركين انتقدوا تصرف الحزب بل تعدى ذلك لانتقاد سياسة الحزب كلها فكتب أحدهم: "نحنا والأسد جيران.. بلده تحت سلاحنا.. بيطلب من اعدائنا.. نرجعله الجولااان".
ولعل أكثر المنشورات تفاعلاً كان العتب الذي كتبه أحدهم بكلمات أغنية حقيقة للسيدة فيروز قائلاً:
"فيروز بدون أي تعديل:
تذكر شو كنت تقلي.. مهما يصير.. انتظريني و ضلك صلي.. الله كبير.. من يومها شو عاد صار.. على مدى كذا نهار.. ما صار شي كتير.. كل اللى صار و بعده بيصير.. الله كبير".
قضية رأي عام
الحادثة في لبنان جاءت بعد أيّام قليلة من احتفال لبنان بعيد ميلاد فيروز الحادي والثمانين، في حرم كلية الهندسة في الجامعة اللبنانيّة، حيث باتت اليوم فيروز آخر العمالقة ممن بقيوا على قيد الحياة من الجيل القديم، كما تعتبر مصدر فخرٍ لكل اللبنانيين، لذا لم تقف القضية عند حدود مواقع التواصل الاجتماعي، إذ خصصت العديد من الصحف اللبنانية الكبرى صفحاتها للحديث عن القضية، كذلك أخذ الموضوع كموضوع للنقاش بأبعاده السياسية والاجتماعية في البرامج الحوارية في لبنان.
كما كان للإعلاميين والسياسيين مواقف واضحة ضد التصرف، إذ غرد النائب اللبناني هادي حبيشيه قائلاً: "ما جرى الحديث عنه اليوم عن منع أغاني كبار الفنّانين كفيروز في الجامعة اللّبنانيّة معيب للغاية".
بينما قالت الإعلامية ميرنا منذر "من غنت يوما ما يا زهرة الجنوب، اليوم حزب الله يمنع أغانيها في الجامعة اللبنانية في بيروت".
مقدم البرامج والإعلامي يزبك وهبي غرد أيضاً على تويتر قائلاً "#مين_بيمنع معقول أن يمنع البعض صوت فيروز الأقرب الى الصلاة بالجامعة اللبنانية ؟...الى أين يريد هؤلاء أن يأخذوننا؟... #لبنان_بلد_حرية_التعبير".
بدوره تلفزيون المستقبل التابع لتيار المستقبل المعارض لحزب الله في لبنان فرد في مقدمة نشرته الإخبارية مساحة للحديث عن الموضوع وقال في المقدمة: "الأغنيات ممنوعة في الجامعة اللبنانية بأمر من طلاب حزب الله رغم موافقة الإدارة.. الأغنيات ممنوعة والندبيات مسموحة".
بينما نشر الكاتب والصحفي حسام مطر توضيحاً على صفحته على فيس بوك حول أن هذه المسألة تصرفات فردية، بينما نشرت صحيفة الأخبار المقربة من حزب الله مادة للصحفي أحمد محسن تحت عنوان "الأم التي لم يعتذر منها أحد"، التي تحدثت عن والدة محمد حمادي التي تحول تأبين أبنها لقضية سياسية وتم إفساده دون الاعتذار منها، وكيف أصبحت القضية في مكان آخر مع نسيان الموضوع الأساسي.
ر.ج