سلط فيلم وثائقي جديد الضوء على ظاهرة غير معروفة إلى حد كبير عن المشهد اليميني في ألمانيا. فيلم "الجرمانيون الصغار" يكشف كيف أثرت التربية، التعليم والأيديولوجية اليمينية على الأطفال.
إعلان
"الجرمانيون الصغار" قد يبدو للوهلة الأولى عنواناً عادياً، لكنه عنوان لفيلم وثائقي يكشف عن جوانب مفزعة للفكر اليميني الشعبوي والمتطرف في ألمانيا وكيف وجد طريقاً له داخل المجتمع والمشهد السياسي. الفيلم يتناول الانتشار المتزايد للأيديولوجية اليمينية الشعوبية داخل ألمانيا وكافة أنحاء أوروبا ويطرح التساؤل حول العواقب السياسية والاجتماعية المترتبة عنها بالنسبة للأجيال القادمة بطريقة مبتكرة.
مخرجا الفيلم فرانك غيغر ومحمد فاروخمانيش أعطوا الكلمة للشخصيات المعروفة بتبنيها للفكر اليميني الشعبوي في ألمانيا، من بينهم الكاتب والناشر المعروف، غوتس كوبيتشيك، للحديث عن المُثل التعليمية وأحلام الطفولة.
ولأن عدداً من أبطال الفيلم لم يرغبوا في الكشف عن هويتهم الحقيقية، استخدم المخرجان تقنية الرسوم المتحركة. ويروي الفيلم أيضاً قصة امرأة شابة، عاشت طفولتها في كنف أسرة متشبعة بالفكر اليميني. ومن خلال قصة "إلسا"، التي تمثل شريحة واسعة من الأطفال، الذين ترعرعوا تحت تأثير الأفكاراليمينية، ترك المخرجان بصيصاً من الأمل في فيلمهما بأنه يمكن لأي شخص الانسلاخ عن الفكر اليميني، حتى لو تشبع به منذ الصغر وعلى مدار سنوات من حياته.
وعن فكرة الفيلم يقول مخرجه، فرانك غيغر، أنها جاءت بعد اكتشافهما لحالة فتاة، كانت مصابة بداء السكري ورفض والداها علاجها بالأنسولين. وقد تابع مكتب رعاية الشباب هذا الأمر، لكن الأبوين كانا ينتقلان رفقة الطفلة، من ولاية إلى أخرى، من أجل منع العلاج عنها بشكل قسري. هنا سألنا أنفسنا: ما السبب وراء ذلك؟ و ماهي هذه الأيديولوجية؟ ومن ثم تبين أن هذه الأسرة متشبعة بالفكر اليميني الشعبوي و أن السبب وراء رفضها العلاج، يعود إلى رفضهم الطب المُعترف به في ألمانيا، الذي يُنظر له في أوساطهم على أنه "طب يهودي".
العائلة كانت من أنصار نظرية "الطب الألماني الجديد" للطبيب الألماني، ريكه غيرد هامر1935 – 2017، الذي طور ما يسمى بـ "الطب الألماني"، وسُحبت منه الشهادة و رخصة ممارسة المهنة عام 1986.
من جهته، قال محمد فاروخمانيش، وهو من أصل ايراني:"لقد نشأت في بلد ديكتاتوري ولم تُتح لي الكثير من الفرص للتطوير من نفسي. لكن عندما جئت إلى ألمانيا، لمست أسلوب التربية هذا من داخل المجتمع".
هذه العائلات تنجب في العادة الكثير من الأطفال، ما يعد جزءاً من هذه الإيديولوجية، كما يقول غيغر:" بالتعاون مع مبادرة Exit Deutschland، التي تساعد على مكافحة الفكر اليميني، توصلنا إلى أن حوالي عشرين ألف طفل، يعيشون في كنف أسر تتبنى الفكر اليميني".
رقم كبير، لكن لم تتم الإشارة إليه داخل الفيلم الوثائقي، كما ابتعد المخرجان عن الطريقة الكلاسيكية لمثل هذه الأفلام، والتي تعتمد على التعليق وتركا الحكم للمشاهد، كما يقول مخرجه فرانك غيغر:"لقد تعمدنا فعل ذلك وفتحنا للأشخاص المجال للحديث والنقاش. وتركنا الحكم و التعليق للمشاهد".
بدأ عرض الفيلم الوثائقي الجديد "الجرمانيون الصغار" شهر مايو/ أيار في دور السينما وحول جميع أنحاء ألمانيا.
يوخن كورتن/ إ.م
كيف تحولت مدينة كارل ماركس السابقة إلى مسرح للتطرف اليميني؟
شهدت كيمنتس تحولا كبيرا منذ إعادة توحيد ألمانيا بدءًا بعودة اسمها الأصلي إلا أنها أمست رمزا للخوف على ديمقراطية ألمانيا وانقسام المجتمع بعدما وقعت جريمة قتل لرجل ألماني، يشتبه أن مرتكبيها هما اثنان من طالبي اللجوء العرب.
صورة من: Secunda-Vista/Fotolia.com
ثالث أكبر مدن ساكسونيا
بمساحتها البالغة نحو 220 كيلومترا مربعا وعدد سكانها البالغ نحو ربع مليون نسمة، تعد مدينة كيمنتس بعد مدينتي دريسدن ولايبزيغ الشهيرتين، ثالث أكبر مدن ولاية ساكسونيا بأقصى شرق وسط ألمانيا. وكانت واحدة من أهم مدن الصناعة في ألمانيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
صورة من: picture-alliance/dpa
تغيير الاسم على طريقة السوفييت
اسمها جاء من نهر كيمنتس الذي يمر بها، وبنهاية الحرب العالمية الثانية تدمر نحو 90 في المائة من قلب المدينة. ومن عام 1953 وحتى 1990 في فترة ما عرف بـ"ألمانيا الشرقية" تحول اسمها لـ"مدينة كارل ماركس"، على غرار ما كان الاتحاد السوفيتي السابق يفعله من إعادة لتسمية المدن مثل ستالينغراد (فولغوغراد حاليا) ولينينغراد (سانت بطرسبرغ).
صورة من: imago/ecomedia/robert fishman
مشاهد من عصر النازية
كان برلمان كيمنتس من أوئل البرلمانات، التي سيطر عليها النازيون خلال حقبتهم، ما غير الوجه الثقافي للمدينة. وجرى اضطهاد اليهود ومصادرة أملاكهم، وحرق معابدهم في "ليلة الكريستال". ومن لم يهرب منهم خارج كيمنتس تم ترحيله أو إرساله إلى مراكز الاعتقال.
صورة من: picture alliance
تأثير سوفيتي كبير
بعد الحرب العالمية الثانية أصبح النفوذ السوفيتي واضحا في كيمنتس سواء من الناحية العسكرية أو المالية أو التعدين أو حتى الثقافة. وفي فترة الستينات كانت هناك حركة عمران كبرى. وفي السبعينات نالت شهرة في المسرح والرياضة مثل التزلج الفني على الجليد ورياضات الدرجات والسباحة ورفع الأثقال.
صورة من: picture-alliance/ ZB
مصاعب ما بعد الوحدة
رغم آلاف الشركات التي أُنشئت في كيمنتس بعد الوحدة الألمانية منذ 1990 إلا أن ذلك لم يخف لسنوات طويلة ما يعانيه السكان من بطالة. غير أن نسبة البطالة بدأت في التحسن فوصلت إلى 13 في المائة عام 2013 لتصبح الآن أقل من 8 في المائة عام 2018.
صورة من: picture-alliance/ZB
جريمة قتل تفسح الطريق لليمين المتطرف
مثل غيرها من مدن ولايات شرق ألمانيا وجد اليمين المتطرف نفسه في كيمنتس، رغم أن أعضاء حزب البديل الشعبوي والحزب القومي (النازيون الجدد) في برلمان المدينة هم أربعة فقط من بين 60 عضوا. غير أنه في ليلة السبت/ على الأحد (26 أغسطس/ آب 2018) ظهر اليمين المتطرف بقوة إثر مقتل رجل ألماني عمره 35 عاما، خلال احتفالات المدينة.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Prautzsch
الاحتشاد أمام كارل ماركس
صدر أمر باعتقال اثنين مشتبه بهما في قتله، أحدهما سوري عمره 23 عاما، والآخر عراقي عمره 22 عاما، يفترض أنهما وجها للرجل الألماني عدة طعنات. وبعدما انتشر خبر مقتله وقعت مظاهرات بعد ظهر الإثنين في قلب مدينة كيمنتس، واحتشدت مجموعات من اليمين المتطرف حول تمثال كارل ماركس.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Andersen
صراع اليمين واليسار وهجوم على أجانب
بالتزامن مع ذلك تكونت مظاهرة مضادة من قبل الأحزاب اليسارية في نفس المكان، مما حتم تدخل الشرطة لمنع وقوع الصدام. وقام أشخاص من اليمين المتطرف بمهاجمة أجانب في كيمنتس. وفي المساء بدأت المظاهرات تهدأ بعدما أسفرت عن جرح ستة أشخاص، وتقول الشرطة إن عدد المشاركين في المظاهرات جاء أكبر من توقعاتها بكثير.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Seidel
"غير قابل للانقسام"
أظهرت تلك الأحداث مدى المخاطر التي تحدق بالديمقراطية والتعددية في ألمانيا، وتحدث سياسيون ومشاهير عن قلقهم من الانقسام، وأُعلن عن تنظيم مبادرة "غير قابل للانقسام" (unteilbar#)، من أجل التظاهر في برلين في 13 أكتوبر/ تشرين الأول، ضد الإقصاء وتأييداً لمجتمع ألماني منفتح. وستكون هناك في نفس اليوم مظاهرات في عواصم أوروبية أخرى ضد النزعة القومية. إعداد: صلاح شرارة.