في الاحتفال بـ"يوم الحرية" ـ انطباعات عن سقوط جدار برلين
٩ نوفمبر ٢٠٠٩شهدت "نقطة تفتيش تشارلي" التاريخية في برلين، منذ صباح اليوم الباكر إقبالا جماهيريا كثيفا من الألمان والأجانب، الذين توافدوا على تقاطع شارعي "فريدريك شتراسة" و" تسيمر شتراسه"، في أفواج متواترة، لالتقاط الصور بجانب الساتر الترابي المقام هناك رمزيا. في هذا المكان وقف شبان وشابات من مختلف الجنسيات مرتديين الزي العسكري للجنود الأمريكيين والسوفييت في حقبة الحرب الباردة، بقلنسواتهم الشهيرة، رافعين العلمين الأمريكي والروسي، في محاولة لجذب السياح لالتقاط الصورة معهم مقابل بضع سنتات.
رحلات خاصة لمعايشة "مهرجان الحرية"
البعض حضر من الولايات المتحدة الأمريكية، لمعايشة الاحتفالات بالذكرى العشرين لسقوط الجدار، فها هي آنا (29 عاما)، مواطنة أمريكية من ولاية تكساس، وإن كانت من أصول ألمانية، جاءت خصيصا لحضور مهرجان لاحتفال بذكرى مرور عشرين عاما على سقوط جدار برلين. ربما كانت مجرد مصادفة أن تكون السائحة التالية التي تحدثت إليها أيضا أمريكية، وأيضا من تكساس، التي أتت مع زوجها في رحلة خاصة لحضور فعاليات "مهرجان الحرية". وقالت ميتشل (35 عاما)، "عندما أنظر حولي لا أكاد أصدق أنه كان هناك ثمة جدار يفصل هذه المدينة". وتابعت قائلة، وهي تشاهد معالم برلين، إنها تحس بالصدمة من المآسي التي سمعت عنها قبل سقوط الجدار. وبمرح شبابي، كان كل من روي وصديقه ألكس (كلاهما 15 عاما) يتجولان قبل أن استوقفهما، ليتضح أنهما من نيويورك، جاءا في رحلة مدرسية لحضور هذه الاحتفالات، التي ينظر إليها روي بأنها تعبيرا عن فرحة الألمان بعد فترة عصيبة مرت بهم.
"لو كان أبي حيا لما احتفل بهذه المناسبة"
ومن باريس، جاء فرانسوا (20 عاما) الذي قال إنه سيعد "لأن الحروب في أوروبا انتهت"، لكنه عبر عن شعوره بالتضامن مع أولئك الذين يعانون من الحنين إلى ألمانيا الشرقية. وهذا الإحساس جسده هنري، المواطن الألماني ذو الـ 25 ربيعا، المنحدر من لايبتزيغ، الذي لم تبد عليه مظاهر الاحتفال وهو يجلس مع أثنين من أصدقائه في أحد مقاهي شارع "فريدريك شتراسه". على العكس من ذلك فإنه لم يبد رغبة في الحديث عن هذه المناسبة. وحدها جابريلا، من غرب ألمانيا، عبرت - على عجل - عن عدم سعادتها بالوحدة الألمانية، دون أن تبدي استعدادا لقول المزيد، وإن ألقت عبارة أخيرة وهي تمضي في طريقها: "الشرقيون هم الذين يجب أن يحتفلوا اليوم، أما أنا فكنت أتمتع بالحرية في الشطر الغربي قبل الوحدة على أي حال، ولم يكن ينقصني شيء، أما الآن فأعاني من التبعات الاقتصادية للوحدة".
وتصادف أن يكون الروسي ساشا، هو صاحب مقهى "آينشتين" الواقع على ناصية نقطة "تفتيش تشارلي"، الذي بادر من تلقاء نفسه إلى القول: "أنا رأسمالي بطبيعة الحال رغم أن أبي كان مؤمنا حتى أخمص قدميه بالشيوعية، وكان جنرالا في الجيش السوفيتي العامل في ألمانيا الشرقية". وأضاف: "لو كان أبي حيا لما احتفل بهذه المناسبة أبدا، ولكن أنا عن نفسي سعيد، سعيد جدا، ألا ترين؟" قالها رافعا كأس نبيذه في يده محتسيا منه وهو يضحك بسعادة بالغة. وتابع: "إنسي أمر أولئك الذين يقولون إنهم غير سعداء، إنهم لا يكفون عن التذمر".
انهار الجدار...ومازال الحاجز النفسي قائماً
طوال ساعات النهار لم تتوقف عدسات الصحفيين عن التقاط الصور وإجراء الأحاديث التلفزيونية مع المارة. فهذه النقطة الشهيرة (نقطة شارلي) كانت تمثل "عنق الزجاجة" للراغبين في العبور من وإلى الألمانيتين، كانت اليوم قبلة لوسائل الإعلام العالمية. مايك، مراسل الإذاعة البريطانية، قال إنه كمواطن إنجليزي، متعاطف مع تلك الفئة "الحزينة" من الألمان التي لا تشعر بسعادة حقيقية اليوم، مشيرا إلى أنه من الصعب الوصول إليهم، لأنهم لن يخرجوا للاحتفال ولن يشاركوا في المهرجانات. وأضاف: "مازال على ألمانيا عمل الكثير لتجاوز الحاجز النفسي بين مواطني الشطرين".
من جانبه، اعتبر نيكولا، مراسل القناة الخامسة في التلفزيون الفرنسي، أن الفرق الآن كبير مقارنة بما كان عليه الحال قبل 10 أعوام، عندما جاء إلى المكان نفسه لرصد شعور الناس بالوحدة. وقال إن الناس لم يكونوا سعداء آنذاك، "لكن بوسعي أن أقول الآن أن الوضع بات أفضل". فأوضاعهم الاقتصادية تحسنت كثيرا خلال العشرة الأعوام المنصرمة.
ديردر، وهي صحفية أمريكية من أريزونا، لخصت رأيها قائلة "ما أراه ويقوله لي الألمان هو أنهم كانوا سعداء في الأسبوع الأول من الوحدة، لكن بعد ذلك بدأت الفوارق تظهر بينهم".
"الأجيال القادمة لن تشعر بالفوارق بين الشرقيين والغربيين"
أما متحف السور، المقام على ناصية الشارع نفسه، فقد ضج بوفود الرحلات المدرسية. وكان من اللافت أن شعور الرهبة الذي لازم كبار السن وهم يتجولون بين صور المتحف ورواياته المدونة على الجداران، موثقة تلك المرحلة، اختلط بصيحات الأطفال والشبان، الذين كانوا يجولون داخل أروقته، مطلقين نكاتهم الساخرة على المجسمات التي تضمنها المتحف لعشرات الوسائل المبتكرة في الخمسينيات والستينيات لتهريب السكان الشرقيين إلى الشطر الغربي، داخل محركات السيارات تارة، وعبر حقائب السفر تارات أخرى.
بريتا بورتشيت (37 عاما)، تعتقد إن المستقبل سيكون أفضل لأن هؤلاء الأطفال لم يعايشوا الانقسام الذي عايشه جيلها والأجيال السابقة، أما الأجيال القادمة فلن تشعر ـ في نظرها ـ بتلك الفوارق بين الشرقيين والغربيين، حتى لو كان الكبار الآن يشعرون بها. وتعتبر بورتشيت أن "اعترافنا بأخطائنا هو جزء من تقدمنا الآن".
الكاتبة: أميرة عبد الرحمن
مراجعة: عبده جميل المخلافي