أصبح الخبز سلعة نادرة في لبنان بسبب التضخم والغزو الروسي لأوكرانيا وإفلاس الدولة. المخابز باتت تخبز كيسين من الدقيق يوميا فقط. مراسل القناة الألمانية الأولى (ARD) زار مخبزا في مدينة طرابلس اللبنانية وأعد هذا التقرير.
إعلان
يزداد القلق في لبنان من انقطاع امدادات القمح، رغم انتظار سفينة قادمة من أوكرانيا تحمل الذرة، بعد فتح الموانئ الأوكرانية لأول مرة منذ الحرب الروسية عليها. لبنان يعاني منذ مدة من أزمة مالية حادة ومشاكل سياسية لا حصر لها، وأصحاب المخابز ينتظرون السفن المحملة بالقمح كي يمكنهم بيع الخبز للزبائن.
في مخبز بمدينة طرابلس يدخل عبد الرؤوف العجينة إلى الفرن المشتعل، وحرارة المكان مرتفعة بشكل لا يطاق. يقول عبد الرؤوف لمراسل القناة الألمانية الأولى (ARD) تيلو سبانهيل: "أقوم بهذا العمل منذ 35 عاما. بالتأكيد، الحرارة مرتفعة جدا، لكني تعودت على الوضع، استريح قليلا وأتبادل العمل مع الآخرين".
خمسة أشخاص يعملون في هذا المخبز. يشتغلون بسرعة ، واحد يعجن، الثاني يحضر العجينة ويقطعها، الثالث يغطيها بالسمسم، الرابع يدخلها إلى الفرن والأخير يجمع الخبز ويضعه في أكياس. 12 ساعة عمل مستمرة، ليأتي فريق عمل آخر، وعبد الرؤوف سعيد أنه يعمل.
ويضيف : "أخاف من توقف العمل، إذا فرغت المخازن من الطحين، ربما سنغلق المخبز بعد شهر. سأتوقف عن العمل والدولة لا تمنحنا أية ضمانات".
إغلاق بين الحين والآخر
في الأشهر الأخيرة ، اضطر المخبز إلى الإغلاق لبضعة أيام من وقت لآخر. وحين يكون هناك خبز تصبح طوابير الزبائن طويلة. أصبح الطحين الآن سلعة نادرة في لبنان. والدولة في الواقع تدعم الدقيق للمخابز. لكن بينما كانت الدولة توفر 20 كيسا يوميا للمخابز، أصبحت توفر كيسين فقط، كما يقول مالك المخبز، عمر حمود.
ويوضح: "كانت هناك أيام اضطررنا فيها إلى إغلاق المخبز. لم نتمكن من فتحه لأنهم لم يعطونا الدقيق. لقد مررنا بأيام صعبة. لكننا لا نريد التوقف عن العمل حتى يتمكن الناس من الاستمرار في الحصول على خبز يُؤكل".
وإذا لم يكن لدى عمر ما يكفي من الدقيق، فعليه الحصول على بعض منه من السوق السوداء. لكنه أغلى بكثير هناك. والطحين المرتفع التكلفة يعني خبزا أغلى. وهذه مشكلة لكثير من اللبنانيين.
ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن أربعة من خمسة أشخاص في البلاد تحت خط الفقر. وهذا حال محمود صالحة وزوجته. "أحيانا لا يوجد خبز، هذا يقلقني. ابنتي تريد أكل طعام ما. وحين أذهب إلى المخبز لا أجد شيئا، هذه كارثة".
غادر محمود مع أسرته الشقة وانتقل للعيش مع والدته. فهو لم يعد بإمكانه دفع فواتير الغاز والنفط، والكهرباء. مع والدته يتقاسم التكاليف، رغم ذلك فإن التضخم رفع الأسعار إلى 200 بالمئة وأصبحت بعض المواد الغذائية سلعا نادرة. براتبه الضئيل كموظف في شركة أمن لا يستطيع محمود تحمل كل هذه التكاليف.
يقول محمود : "نحن نأكل مرتين فقط في اليوم. عادة هناك ثلاث وجبات، لكن ما معنا الآن يكفي لوجبتين أو حتى وجبة واحدة في بعض الأحيان. كل شيء مختلف حاليا".
أزمات لبنان القديمة
أدت الحرب في أوكرانيا ونقص الحبوب في العالم إلى تفاقم الوضع في لبنان. لكن معظم المشاكل في البلد المتوسطي الصغيرنابعة من الداخل. فبعد حرب أهلية طويلة، جرى الاتفاق في أوائل التسعينات على نظام يضمن لكل مجموعة حصة معينة من السلطة.
وما بدا في البداية حلا جيدا حينها أدى إلى سياسة المحسوبية وتفاقم الأزمة السياسية. إذ استشرى الفساد واستولت النخب السياسية على الأموال من الخزينة إلى جيوبها. وفي عام 2019، انهار النظام، فقد كانت الدولة مفلسة عملياً، وانفجر التضخم بالمعنى الحرفي للكلمة وخسر الكثير من اللبنانيين مدخراتهم .
ويشرح محمود صالحه وضع الناس في لبنان بالقول: "لا أعتقد أن الحكومة تساعدنا بأي شكل من الأشكال. فهم (من في السلطة) لا يتمكنون حتى من ضمان أبسط الأشياء: لا يوجد ضمان اجتماعي، ولا تأمين صحي، ولا كهرباء، ولا يمكنك حتى أن تأكل بعد الآن. على الأقل هذا ما يمكن أن تتوقعه - أن الدولة اللبنانية تجعل الخبز ميسور التكلفة".
المغامرة ربما تكون السبيل الأخير
ومحمود يفكر كغيره بترك لبنان، لكن سلوك طريق البحر خطير بالنسبة إليه لوزوجته وابنته، وهو يسمع الأنباء التي تتحدث عن غرق لبنانيين في البحر بعد محاولات الوصول إلى اليونان. لكنه قد يغامر بحياته وحياة أسرته يوما ما إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه، فهو يريد توفير مستلزمات الحياة لأسرته للبقاء على قيد الحياة.
يذكر أن صندوق النقد الدولي منح لبنان مؤخراً قرضاً بقيمة 150 مليون دولار أمريكي، حتى يتمكن البلد من شراء القمح من السوق العالمية. الأمر الذي قد يساعد في توفير الخبز خلال الأشهر الستة إلى التسعة المقبلة. وإذا لم تنخفض الأسعار بشكل كبير بعد ذلك، فسيتعين على الدولة رفع الدعم الأخير عن الطحين .
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار من المخبز الصغير في طرابلس، كان من المفترض أن تصل سفينة الشحن الصغيرة رازوني في نهاية الأسبوع، على متنها 26000 طن من الذرة. ورغم أن المخبز لا يحتاج إليها حقًا. لكن أخبار تسليم الحبوب أعطت الكثير من الأمل. الأمل في أن يصبح الخبز على الأقل رخيصا قريبا ومتاحا للجميع مرة أخرى.
تيلو شبانهيل/ عباس الخشالي
في الذكرى الثانية لانفجار المرفأ.. لبنان لايزال يتألم!
في الرابع من أغسطس تحل الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت المروع. انفجار أودى بحياة أكثر من مئتي شخص وأحدث هزة اجتماعية وسياسية واقتصادية هائلة لايزال صداها يتردد. انفجار المرفأ وأزمات لبنان الأخرى في هذه الجولة المصورة.
صورة من: JOSEPH EID/AFP via Getty Images
انفجار المرفأ .. جرح لايزال نازفاً
في الرابع من أغسطس / آب 2020، وقع انفجار هائل في بيروت. عزت السلطات الانفجار إلى كميات كبيرة من نترات الأمونيوم مخزنة بالعنبر رقم 12 بالمرفأ منذ 2014. ألحق الانفجار، الذي يعد أحد أكبر الانفجارات غير النووية المسجلة في العالم، دماراً ضخماً بالمرفأ والأحياء القريبة منه، وأسفر عن مقتل 214 شخصاً وإصابة 6500 آخرين. قال خبراء إن الصوامع امتصت الكثير من تأثير الانفجار، ما جنب المدينة أضرارا أسوأ.
صورة من: Ahmad Terro/picture alliance
انهيار صوامع الحبوب ينكأ الجراح
رغم مرور عامين على الانفجار المروع، لايزال مشهد الصوامع المدمرة يؤلم اللبنانيين إلى اليوم. مؤخراً اندلع حريق قال مسؤولون إنه نتيجة إشعال حرارة الصيف النار في الحبوب المتعفنة بالداخل ما أدى لاحقاً لانهيار جزء من الصوامع. رفض مواطنون اقتراحاً بإزالة المباني المدمرة وأصروا أن تبقى لتذّكر الجميع بالفاجعة. ينظر اللبنانيون للانفجار على أنه رمز للفساد وسوء الإدارة من قبل النخبة الحاكمة.
صورة من: Mohamed Azakir/REUTERS
أول سفينة حبوب أوكرانية .. من نصيب لبنان
تتزايد معاناة الكثير من الدول بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. لكن عقب اتفاق رعته تركيا والأمم المتحدة بين روسيا وأوكرانيا غادرت أول سفينة تحمل حبوباً أوكرانية ميناء أوديسا متجهة إلى لبنان. وفق الاتفاق فإن سفينة الشحن "رازوني"، التي ترفع علم سيراليون سيتم تفتيشها أولاً في إسطنبول من قبل الأطراف المعنية، قبل مواصلة رحلتها نحو وجهتها الأخيرة وهي مدينة طرابلس اللبنانية.
صورة من: Michael Shtekel/AP/picture alliance
قضية الباخرة "لوديسيا"
ضمن أحدث ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، أصدر النائب العام التمييزي في لبنان قراراً بالحجز على سفينة تنقل الشعير قالت السفارة الأوكرانية في بيروت إنها حُملت بشكل غير قانوني من مناطق في أوكرانيا باتت خاضعة للسيطرة الروسية. تم احتجاز الباخرة "لوديسيا" التي ترفع العلم السوري في مرفأ طرابلس في شمال لبنان، فيما بدأت المديرية العامة للجمارك وقوى الأمن الداخلي في إجراء التحقيقات.
صورة من: picture alliance/AP
انهيار اقتصادي لا يتوقف
يعاني لبنان من أزمة اقتصادية طاحنة صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850، ما أدى لأن تخسر العملة المحلية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، وتضاءلت قدرة المصرف المركزي على دعم استيراد سلع حيوية، بينها القمح والمحروقات والأدوية. منذ بدء الأزمة، تُحمِل السلطات اللبنانية جزءاً من مسؤولية الانهيار، لأكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في ظروف إنسانية صعبة بعدما فروا من الحرب في بلادهم.
صورة من: Mohamed Azakir /REUTERS
أزمة الخبز.. هل من أمل في حل قريب؟
على وقع الأزمة الاقتصادية، رفعت وزارة الاقتصاد اللبنانية مرات خلال العامين الماضيين أسعار الخبز. وفاقم الغزو الروسي لأوكرانيا من صعوبة الوضع في لبنان نظراً لتوقف تصدير القمح، خصوصاً أن لبنان يستورد 80% من حاجته من أوكرانيا. وفي كل يوم يزداد طول الطوابير أمام المخابز، وارتفع سعر ربطة الخبز المدعوم (6 أرغفة) إلى 13 ألف ليرة لبنانية، فيما تخطى سعرها 30 ألفاً بالسوق السوداء.
صورة من: Hussam Shbaro/AA/picture alliance
تفجر الاحتجاجات
فجر إعلان الحكومة اللبنانية أواخر عام 2019 عزمها فرض رسم مالي على الاتصالات المجانية عبر تطبيقات المراسلة الإلكترونية مثل واتساب، غضب اللبنانيين. تزامن الإعلان مع انهيار سعر الليرة وتفاقم أزمة الخبز لينزل الآلاف إلى الشوارع تعبيراً عن رفضهم القرار ورغبتهم في إسقاط النظام.
صورة من: Marwan Bou Haidar/Zuma/picture alliance
استقالة حكومة الحريري
رغم تراجع حكومة سعد الحريري عن فرض الرسم المالي على الاتصالات، استمرت الاحتجاجات. تزايدت التظاهرات وارتفع سقف المطالب ليصل إلى المطالبة برحيل الطبقة الحاكمة التي لم يمسها تغيير جوهري منذ عقود والمتهمة بالفساد وعدم الكفاءة. على وقع التظاهرات استقال الحريري في 29 أكتوبر/تشرين الأول 2019، بينما تسارعت وتيرة الأزمة المالية. تم تجميد أموال المودعين وسط أزمة سيولة في العملة الصعبة وانهيار للعملة المحلية
صورة من: Imago-Images/ITAR-TASS
انفجار المرفأ يطيح حكومة دياب
في الثامن من أغسطس/ آب عام 2021، تظاهر آلاف اللبنانيين ضد المسؤولين اللبنانيين الذين حمّلوهم مسؤولية مأساة انفجار مرفأ بيروت. شهدت التظاهرات مواجهات عنيفة بين محتجين غاضبين والقوى الأمنية التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. لاحقاً أعلن عدد من الوزراء استقالتهم تباعاً، إلى أن أعلن رئيس الحكومة حسان دياب في العاشر من آب/أغسطس 2021 استقالة حكومته.
صورة من: Reuters/H. Mckay
مبادرة ماكرون
في الذكرى الأولى لإنفجار المرفأ، نظم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤتمراً دولياً لدعم لبنان، وهو الثالث بالتعاون مع الأمم المتحدة. تعهدت فرنسا بتقديم مساعدات مالية بقيمة 100 مليون يورو للبنان إضافة إلى نصف مليون جرعة من لقاحات فيروس كورونا. سعت باريس من خلال المؤتمر إلى جمع مساعدات إنسانية عاجلة بقيمة 350 مليون دولار.
صورة من: Reuters/H. McKay
أزمة كورونا
في فبراير/ شباط 2020، سجل لبنان أول إصابة بفيروس كورونا. وتراكمت الأعباء تدريجياً على القطاع الصحي الذي أنهكه الوضع الاقتصادي المزري الذي تعيشه البلاد. وفي طل غياب الخطط الحكومية للتعامل مع الفيروس وتوالي الأزمات الاقتصادية والسياسية بدأ الوضع الوبائي للبلاد يتخذ منحنى أكثر سوءاً مع تفشي المتحور دلتا.
صورة من: Emma Freiha/Reuters
أزمات متلاحقة
على وقع الانهيار الاقتصادي المتسارع، بات أكثر من نصف اللبنانيين تحت خط الفقر، بحسب الأمم المتحدة. كما فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90 في المئة من قيمتها أمام الدولار في السوق السوداء، فيما ارتفعت أسعار المواد والبضائع كافة، حتى أن أسعار مواد غذائية أساسية ارتفعت بأكثر من 70 في المئة خلال عامين. كما تشهد البلاد أزمة وقود وشحاً في الدواء وانقطاعات في الكهرباء تصل إلى 22 ساعة.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
تجمد قضية المرفأ وأزمة سياسية مع الخليج
في 14 تشرين الأول/أكتوبر 2021 اشتعلت الأوضاع إثر اعتراضات طائفية على أداء المحقق العدلي في انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار ووقع إطلاق نار أودى إطلاق النار بحياة 7 أشخاص وجمدت القضية بسبب تدفق الشكاوى ضد القاضي من قبل مسؤولين اتهمهم بالضلوع في الكارثة. في الشهر نفسه استدعت دول الخليج سفراءها وحظرت السعودية الواردات اللبنانية احتجاجاً على تصريحات وزير الإعلام وقتها جورج قرداحي بسبب الحرب في اليمن.
صورة من: Bilal Hussein/AP Photo/picture alliance
مخاوف صحية من أثر الحرائق الجديدة
مع عودة الحرائق إلى صوامع الحبوب المدمرة، توهجت سماء بيروت باللون البرتقالي في ظلام الليل داخل ميناء لايزال يشبه منطقة منكوبة، وسط توقعات بمزيد من الانهيارات، ليس في المباني وحدها ولكن في قطاعات شتى. أوصى خبراء الصحة والبيئة سكان المنطقة القريبة من الصوامع بارتداء أقنعة خاصة للحماية من أثر احتراق الحبوب المتعفنة وما تحمله من جراثيم. فمتى يخرج لبنان من أزماته؟ إعداد: عماد حسن/إيمان ملوك