1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

في خضم الصراع الدموي.. هل ينزلق السودان نحو حرب أهلية طويلة؟

١٧ أبريل ٢٠٢٣

يشهد السودان نزاعاً مسلحاً بين أكبر قوتين عسكريتين تحاول كل منهما فرض سيطرتها، ولكل منهما مبرراتها وداعميها، وسط حيرة و"حياد" القوى المدنية. فهل تخرج الأمور عن السيطرة ويدخل السودان في حرب أهلية طويلة؟

عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة (يمين) ومحمد حمدان دقلو نائبه وقائد قوات الدعم السريع (وسط)
يتصارع الرجلان القويان في السودان على الإمساك بمقاليد الأمور فيما تقف القوى المدنية عاجزة بينهما صورة من: Mahmoud Hjaj/AA/picture alliance

كان الكل داخل وخارج السودان ينتظر التوقيع على اتفاق تدعمه أطراف دولية مع القوى السياسية بشأن الانتقال إلى الديمقراطية بعد الانقلاب العسكري في عام 2021.

لكن كما كان متوقعاً، حدث الصراع بين رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) بعد خلاف كان مكتوماً وظل يتصاعد بشكل مستمر خلال السنوات الماضية إلى أن انفجرت الأوضاع.

أثارت الأحداث الدامية مخاوف على مستوى العالم من حرب أهلية محتملة في الدولة التي يبلغ عدد سكانها حوالي 46 مليون نسمة، وأُطلقت دعوات من المجتمع الدولي لوقف فوري لإطلاق النار.

جذور الخلاف

يقول محللون إن سبب الخلاف الأساسي يرجع إلى شعور قادة الجيش بالغصة والمرارة منذ أن منح الرئيس السابق عمر البشير قوات الدعم السريع (المعروفة سابقاً باسم الجنجويد) وضعاً قانونياً جعل قادتها يحصلون على رتب عسكرية رسمية.

أيضاً، أبدى الجيش السوداني عدة مرات تخوفه من وجود قوة مسلحة على الأرض موازية له، وهي مخاوف تشاركه فيها القوى المدنية التي تدعم توحيد القوى العسكرية تحت مظلة واحدة وهي الجيش الوطني، لكنها حذرت عدة مرات من أن احتمالات الصدام بين الجانبين بسبب هذه النقطة ستقود إلى حرب أهلية ما لم يتم تدارك الأمر من خلال النقاشات السياسية، وقد تحقق ما حذرت منه.

وكان الجيش بقيادة البرهان يطالب بسرعة دمج الدعم السريع داخل الجيش وحدد لذلك فترة زمنية ما بين 6 أشهر إلى عام ثم عامين. لكن على الجانب الآخر، طالب حميدتي بمد الفترة اللازمة لدمج قواته داخل قوات الجيش إلى عشرين عاماً خفضها إلى 10 سنوات، وهو ما رفضه الجيش.

يقول محللون سودانيون إن أحد أهم أسباب مقاومة حميدتي لدمج قواته بالجيش هو أنه من غير الواضح أو المعروف كيف سيكون موقعه في الخريطة السياسية، إذ يخشى أن ينتهي به الأمر تحت قيادة البرهان أو من يأتي بعده وبالتالي سيكون من السهل إبعاده عن المشهد دون أدنى جهد وهو ما لا يقبله مطلقاً.

من جانبه، نشر الجيش السوداني بياناً على صفحته على موقع فيسبوك قال فيه "لن نستغنى عن خدمات منسوبي الدعم السريع بالتسريح لأن البلاد لا زالت في أشد الحوجة لسواعد بنيها مجتمعة - نربأ بهم أن يكونوا مطية لخدمة أهداف وأجندة لشخص واحد - بل لتوجيه طاقاتهم بين إخوانهم في الجيش السوداني مكونات المنظومة الأمنية للدولة":

معضلة القوى المدنية السودانية

وفيما لا يرتسم في الأفق أي وقف قريب لإطلاق النار، تبدو الحركات المدنية في موقف لا تحسد عليه، إذ يبدو أن حاملي السلاح لا يهتمون كثيراً بالنقاش معهم ربما ليقينهم بأن المدنيين سيتم إخضاعهم عاجلاً أم آجلاً فور أن تضع الحرب أوزارها ويفرض المنتصر رؤيته على الجميع في بلد اعتاد منذ استقلاله على الحكم العسكري والانقلابات العسكرية، بحسب محللين وخبراء.

يقول الرشيد محمد إبراهيم أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الخرطوم إنه "بالنسبة لقوى (إعلان الحرية والتغيير - اللجنة المركزية) فإن هناك تفاهمات بينها وبين الفريق حميدتي وبينهما تحالف غير معلن، كما أنها تتعاطى إيجاباً مع مبادرة الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان فولكر بيرثيس ومع المجموعة الرباعية (الولايات المتحدة، والسعودية والإمارات، والمملكة المتحدة)".

وأضاف إبراهيم في اتصال هاتفي مع DW عربية أن القوى المدنية "تنظر إلى المعركة بحسابات الربح والخسارة، وربما هي الآن مصابة بخيبة أمل، فعندما نتحدث عن سيطرة الجيش على الأرض وضرب مقرات الدعم السريع، فهي سوف تخسر في حال تمكن الجيش من إخراج الدعم السريع من العملية السياسية، وهذا معناه أنه سيكون هناك مشهد سياسي جديد ليس على صعيد الأطراف الداخلية فقط، ولكن حتى على صعيد توجهات السودان الخارجية وكيفية تعاطيه مع المجتمع الدولي والإقليمي".

 

ويوضح أستاذ العلوم السياسية أن "القوى المدنية تنظر لحميدتي وتياره باعتباره حامي العملية الديمقراطية وأنه أكثر حماساً للديمقراطية من البرهان الذي يشترط دمج القوات بسرعة فيما ترى هي ضرورة تأجيل العملية، وهذا الرأي يتوافق مع رغبة الدعم السريع .. إذن فهناك تلاقٍ في كثير من القضايا الخلافية بين حميدتي والقوى المدنية بعكس الجيش".

من جانبه، يرى هشام أبو ريدة، الحقوقي والقيادي في الجبهة الوطنية العريضة، أن "المشهد الحقيقي الآن هو صراع بين فصيلين" وأن الجبهة الوطنية العريضة "تعتبرهما وجهان لعملة واحدة، بمعنى أن قوات الجنجويد (الدعم السريع) التي تم تقنينها في فترة لاحقة هي أصلاً صناعة هذا النظام، وعلى جانب آخر، فالقيادات العليا الموجودة الآن على رأس الجيش تنتمي إلى الحركة الإسلامية".

وأضاف أبو ريدة أن "الذين يدعمون الجيش أو يقفون بجانبه، معروف أنهم من النظام القديم لأن قيادة الجيش الآن هي من تعمل علي إعادة إنتاج النظام بوجه آخر، كما أنها تقف حائط صد منيع أمام محاسبة النظام ورموزه، فيما وجدت رموز المؤتمر الوطني وغيرها ملاذاً آمناً في ظل وجود هؤلاء العسكر الذين يمثلون اللجنة الأمنية للبشير". وتابع القيادي في الجبهة الوطنية العريضة إن "الخلاف الآن هو خلاف جوهري حول من يعتلي السلطة".

أكد أبو ريدة القيادي في الجبهة الوطنية العريضة أن حميدتي وقواته هم صنيعة النظام بهدف حماية البشير وحماية نظامهصورة من: Hussein Malla/AP/picture alliance

أما أشرف عبد العزيز الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فيرى أن "القوى المدنية تقف في موقف الحياد خاصة القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري الذي يعتبر هو أساس العملية السياسية الجارية". لكنه أشار إلى وجود ما "يشبه اللعنة كلما اقترب السودان من الوصول إلى صيغة حكم مدني ديمقراطي".

وقال خلال حواره مع DW عربية إن "أنصار النظام البائد لديهم وجود في المشهد السوداني لأن النظام تمكن من حكم البلاد 30 عاماً فبالتأكيد لايزال لديه وجود في المفاصل الحساسة في كثير من أجهزة الدولة، ويعتقد هؤلاء أنهم من خلال التوترات والعمل الأمني يمكنهم الوصول إلى نقاط متقدمة فيما يتعلق بالعودة إلى سدة الحكم، ولكن في تقديري أنهم في هذه المرة ذهبوا باتجاه إشعال الحرب حتى يصلوا لسدة الحكم من خلال الفوضى".

وكتب خالد عمر يوسف وزير شؤون مجلس الوزراء الأسبق - عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر السوداني - عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير أن بدائل النقاش والحوار التي تعمل لها "قوى الظلام ذات نتائج كارثية"، وقال إن "جهات تنتمي للنظام البائد تريد أن تدفع البلاد لحرب لا تبقي ولا تذر"، وحذر من أن "هذه الحرب الخاسر فيها هو الوطن .. هذه الحرب ستمزق السودان وستفقده وحدته وسيادته".

ما دور التدخلات الإقليمية والدولية في المشهد؟

تحاول دول وحلفاء للسودان التدخل للحد من إراقة الدماء في البلد الإفريقي، فوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قال إن الحلفاء يشعرون "بقلق عميق" حيال القتال في السودان ويرون أنه يجب أن يتوقف على الفور وأن يعود الطرفان إلى المحادثات، فيما قالت وسائل إعلام سعودية رسمية إن وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان أجرى اتصالين مع البرهان وحميدتي ودعا إلى إنهاء التصعيد العسكري.

أيضاً دعت الصين وروسيا ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي إلى إنهاء فوري للأعمال القتالية التي تهدد بتفاقم حالة عدم الاستقرار في منطقة تشهد توتراً بالفعل.

ويقول محللون سياسيون إن مصر تميل بطبيعة الحال إلى البرهان - الذي قاد انقلاباً عطل التحول الديمقراطي ومنع تسليم السلطة للمدنيين- لأسباب متعددة لعل واحد منها أنه يمثل المؤسسة العسكرية الرسمية، فيما تنظر القاهرة إلى الدعم السريع على أنها لا تعدو كونها أكثر من ميليشيات مسلحة. كما تشير التقارير إلى غضب مصري بعد احتجاز قوات الدعم السريع عدداً من الجنود المصريين الذين كانوا داخل احدى القواعد الجوية، الأمر الذي اعتبره محللون رسالة للطرفين، مصر والبرهان. يذكر أن الجيش المصري قال إن جنوده كانوا يقومون بمهام تدريبية بالسودان.

ويتمتع حميدتي بعلاقات قوية للغاية مع دول مثل روسيا والإمارات، إضافة لعلاقاته القوية مع إثيوبيا وهو ما يبدو أنه يثير حفيظة مصر بشدة، كما يثير قلقها أن يعتلي حميدتي السلطة في السودان وما قد ينجم عنه من تأثيرات على الأزمة المحتدمة بين القاهرة وأديس أبابا بشأن سد النهضة.

ورغم ذلك أكدت مصر استعدادها للعب دور الوساطة للوصول إلى تهدئة في السودان بحسب ما أعلنت الرئاسة المصرية:

يقول الكاتب كريستيان بوتش في مقال له بصحيفة "فيلت" الألمانية إنه بالنسبة للقيادة العسكرية في مصر، كان صعود اللواء البرهان أفضل من إمكانية قيام ديمقراطية على أعتابها الجنوبية، وأن العلاقات التي أقامتها مصر مع الجيش السوداني يمكن أن تجعلها في وضع جيد للعمل كوسيط بين اللواء البرهان وحلفائه السابقين في قوات الدعم السريع

ويرى هشام أبو ريدة الحقوقي والقيادي في الجبهة الوطنية العريضة إن الجبهة ضد أي تدخل خارجي في الحياة السياسية السودانية ووضع أي خارطة طريق للشعب السوداني، "لأن الشعب السوداني قادر على التخلص من الأنظمة الشمولية الديكتاتورية والشعب السوداني لديه تجارب في السابق ضد هذه الأنظمة".

وأضاف أبو ريدة أن "الجميع يتصارع على مصالحه داخل السودان، الدولة ذات الموارد الغنية، فالكل يعمل على أن يجد حصته من خيرات السودان"، مؤكداً "عدم القبول بأن تأتي قوة في الأرض لتملي على الشعب السوداني أي شيء".

أما أشرف عبد العزيز الكاتب الصحفي والمحلل السياسي فيعتقد أن التدخلات الإقليمية والدولية في المشهد السياسي السوداني لها تأثير لا يستهان به، "لكن من المفترض أن تعي هذه القوى الدولية أن هذا التأثير إن استمر وكان في إطار دعم الحرب، فهذا يعني أن الأمور ستكون وبالاً على الجميع، خصوصاً من يزيدون نار الحرب اشتعالاً والتي ستؤثر على المحيط الإقليمي بأكمله".

أضاف عبد العزيز أن "السودان لديه حدود مفتوحة مع الكثير من الدول، وبالتالي فإن وجود فوضى في السودان يعني تحريك كثير من الرمال الساكنة، ويمكن خلال تلك الفوضى أن تتحرك خلايا إرهابية قد تضر السودان وهذه الدول، كما يمكن أن يكون هذا مدعاة أيضاً لنشاط الإتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، فكل ذلك سيؤثر على القرن الإفريقي وعلى المحيط الإقليمي".

أوضاع محتدمة على الأرض

من شأن حدوث مواجهة طويلة الأمد بين الجانبين أن يؤدي إلى انزلاق البلاد إلى صراع واسع النطاق في وقت يعاني فيه السودان بالفعل من انهيار الاقتصاد واشتعال العنف القبلي، ويمكن أيضاً أن يعرقل الجهود المبذولة للمضي نحو إجراء انتخابات.

وفي خضم الصراع المحتدم،  قُتل أكثر من 90 شخصاً - بحسب نقابة أطباء السودان المستقلة - حيث يتواصل سماع إطلاق النار ودوي انفجارات في الخرطوم كما تواصلت المعارك بالأسلحة الثقيلة فيما تدخل سلاح الجو بانتظام حتى داخل الخرطوم لقصف مقار لقوات الدعم السريع.

ويتبادل الجيش والدعم السريع الاتهامات والبيانات التي تؤكد فرض سيادة كل منهما على مواقع الآخر، وسط تصريحات نارية من الجانبين، اذ وصف الجيش قوات الدعم السريع بأنها "قوات متمردة:، فيما وصف حميدتي البرهان بأنه "مجرم وكاذب".

من جانبها، أعلنت قوات الدعم السريع أنها سيطرت على مطار مروي السبت، الأمر الذي نفاه الجيش. وتقول هذه القوات إنها دخلت القصر الرئاسي لكن الجيش ينفي ذلك أيضاً، ويؤكد أنه يسيطر على مقر قيادته العامة أحد أكبر مجمعات السلطة في الخرطوم.

أما التلفزيون الرسمي فيؤكد كل من الطرفين السيطرة عليه. لكن سكان محيط مقر التلفزيون يؤكدون أن القتال متواصل فيما تكتفي المحطة ببث الأغاني الوطنية على غرار ما حصل خلال الانقلاب السابق.

وقرر برنامج الأغذية العالمي تعليق عمله في السودان بعد مقتل ثلاثة عاملين في البرنامج في إقليم دارفور بغرب السودان، فيما يحتاج أكثر من ثلث سكان البلاد إلى مساعدة إنسانية.

وعجزت "الممرات الإنسانية" التي أعلنها الطرفان المتحاربان لمدة ثلاث ساعات بعد ظهر الأحد عن تغيير الوضع، فقد استمر سماع إطلاق النار ودوي انفجارات في الخرطوم.

عماد حسن

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW