وأنت تتجول في محلات بيع الكاسيت والأقراص المدمجة في المغرب أو في مصر وحتى في بعض الدول الأوروبية كفرنسا، ستجد بسهولة أشرطة غنائية للموسيقار محمد عبد الوهاب. وهو دليل على تواجد هذه القامة الفنية في سوق الكاسيت والأشرطة الغنائية، حتى بعد مرور أكثر من عشرين سنة على وفاة عبد الوهاب في الرابع من أيار/مايو 1991، بعد أن ترك ريبرتوارا فنيا غنيا كمطرب وملحن وممثل أيضا.

وإذا كانت قيمة محمد عبد الوهاب الفنية لم تعد محل نقاش، فإن السؤال المطروح، هو حضوره الفني اليوم في زمن يعرف سيطرة الأغاني الخفيفة والسريعة في إيقاعاتها. هذا بالإضافة إلى اعتماد الأغاني الحالية على الصورة وعلى شكل وجسد الفنان أو الفنانة كجزء من المنتوج الفني المطروح للجمهور. كما اختلفت اليوم طرق الاستماع وأشكال الأجهزة القارئة للأغاني، هذا دون أن ننسى دخول عناصر جديدة في طقوس الاستماع إلى الأغاني، كاليوتيوب أو موقع الدايلي موشين وغيرها.

الانترنت ساهم في العودة إلى عبد الوهاب 

قد يعتقد البعض أن وسائل الاتصال الحديثة كالانترنت مثلا أعطت الأولوية إلى موسيقى تتلاءم وروح العصر، لكن الشبكة العنكبوتية ساهمت في التعريف أكثر برموز الطرب العربي القديم كأم كلثوم وعبد الحليم ومحمد عبد الوهاب وغيرهم من مطربي أغاني ما يعرف "بالزمن الجميل". فعلى موقع" اليوتيوب" تم تخصيص قناة خاصة بمحمد عبد الوهاب، تحتوي على حوالي 200 فيديو لموسيقار الأجيال، ومدة الأغاني الإجمالية 22 ساعة متواصلة.

 كما ظهرت مواقع خاصة تهتم بتجميع الأغاني النادرة والجلسات الخاصة لمحمد عبد الوهاب، كموقع "سماعي" للطرب الأصيل، هذا بالإضافة إلى موقع خاص بأغاني عبد الوهاب يسمى " راديو محمد عبد الوهاب". أما في الفيسبوك فلم ينسَ محبو مطرب الملوك والأمراء، من أن يخصصوا صفحات خاصة للتاريخ الفني للموسيقار، والذي امتد على مدار أكثر من سبعين سنة، حيث بدأ محمد عبد الوهاب الغناء لأول مرة سنة 1917، بعد أن تخلى عن مساره في حفظ القرآن، بعدما كانت أسرته تتمنى له أن يصير مقرئا.

وعلى صفحات الفيسبوك يتجمع آلاف الشباب، لمناقشة أغاني محمد عبد الوهاب سواء تلك التي غناها بنفسه أو تلك التي لحنها لمطربين آخرين. فيقول أحد هؤلاء الشباب من مصر، تعليقا على صورة تجمع عبد الوهاب بأم كلثوم:" أحلى ما غنت أم كلثوم كان من تلحين عظيم الفن محمد عبد الوهاب، وأحلى ما غنت نجاة كذلك، وأحلى ما غنت فيروز، وأحلى ما غنى عبد الحليم. لقد كان له الفضل على كل من لحن لهم".

وعلى نفس الصفحة يتبادل الشباب طلبات بعض الأغاني والأفلام، فتقول نادية من تونس: "منذ أكثر من 10 سنوات وأنا أبحث عن فيلم "الوردة البيضاء" المرجو مساعدتي على الحصول عليه." وقد كتب شاب آخر في عيد الحب: "إنني لا أجد أفضل من أغنية" من غير ليه" لأهديها لحبيبتي."

محمد عبد الوهاب شباب موسيقي دائم

 وقد قام موقع "دي. دبليو" باستطلاع آراء بعض الشباب العربي حول نظرتهم لأغاني محمد عبد الوهاب، فتقول حليمة من المغرب:" أولا أنا أعشق كل الأغاني القديمة، وأعتبر محمد عبد الوهاب هو سيد الجميع." لكن محمد من سوريا، يقول: "أجد أن مضمون أغاني محمد عبد الوهاب غير واقعي بالنسبة لي كشاب أعيش في العصر الحالي. إن الحب الذي يصوره لنا محمد عبد الوهاب ما هو إلا خيال ومبالغة كبيرة." وتقول لينا وهي شابة مغربية:" طبعا أعرف محمد عبد الوهاب، أعرف أنه مطرب مصري لكني أجهل أغانيه، ولم أفكر ولا أفكر أن أسمعه في يوم من الأيام."

وإذا كانت مضامين بعض الأغاني لا تتفق مع طريقة تفكير بعض الشباب العربي اليوم، وإذا كانت النغمات تبدو ثقيلة وطويلة للبعض، فقد ظهرت على مواقع الأغاني وأيضا في سوق الأشرطة الغنائية، الكثير من أغاني وألحان محمد عبد الوهاب في شكل موسيقى "ريميكس"، وهي قطع موسيقية ممزوجة بإيقاعات سريعة وبتوزيع موسيقي جديد، استُعملت فيها آلات موسيقية حديثة جدا. ومن أشهر قطع محمد عبد الوهاب التي تم إعادة عزفها بهذا الشكل، هي تلك الأغاني التي لحنها لأم كلثوم، كأغنية " أمل حياتي" و إنت عمري" و" ليلة حب" والتي يتم الاستماع إلى أغلبها في الحفلات الراقصة وفي بعض النوادي الليلة.

علاقة محمد عبد الوهاب بفكرة الشباب، علاقة متداخلة، فمحمد عبد الوهاب الإنسان، كان مشهورا بحرصه على صحته وعلى لياقته البدنية وخوفه من الشيخوخة والموت. أما على المستوى الفني، فقد حاول عبد الوهاب ومنذ بداياته الأولى أن يسبق عصره، فكان إنتاجه الفني في بدايات القرن العشرين، يعتبر ثورة فنية. ففي الوقت الذي كان يسود فيه النغم البطيء وتكرار الجملة الغنائية الواحدة لأكثر من ساعة، كان محمد عبد الوهاب قد أنتج أغنية في 6 دقائق كأغنية " جفنه علم الغزل". لذلك لم يكن صدفة أن يلقب محمد عبد الوهاب بموسيقار الأجيال.

ريم نجمي

مراجعة: عبد الرحمن عثمان