جائحة كورونا تضع نظام بشار الأسد في سوريا أمام تحديات كبرى. فالوباء قد ينتشر عبر بوابة أحد أقرب حلفائه. الأمر يتعلق هنا بإيران أكثر البلدان تضررا من كورونا في منطقة الشرق الأوسط. فكيف سيتعامل النظام السوري مع هذا المأزق؟
إعلان
إذا ما اعتمدنا الأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة السورية، فإن فيروس كورونا المستجّد "غير" منتشر في البلاد. أول حالة مؤكدة معلن عنها، تعود إلى الـ23 من الشهر الماضي، أي قبل نحو أسبوعين. ويتعلق الأمر بفتاة في عقدها الثاني.
بعد ذلك التاريخ بأربعة أيام، سُجلت أول حالة بمنطقة تبعد بنحو 70 كيلومترا عن مدينة دير الزور على الحدود العراقية السورية. وإلى غاية اليوم الجمعة (الثالث من نيسان/أبريل)، يجري الحديث عن 16 حالة مؤكدة وحالتي وفاة. بينما تشكك وبقوة العديد من المواقع والتقارير في صحة هذه الأرقام.
ليست الإصابة الوحيدة في ذلك التاريخ
الفتاة التي أٌعلن عن إصابتها في ريف دير الزور، لم تكن الوحيدة المصابة بالفيروس. فوفق تقرير لصحيفة "جيروزاليم بوست" استنادًا إلى مصادر في الجيش الإسرائيلي أصيب في دير الزور على الأقل في الأسبايع القليلة الماضية ستة أشخاص، إيرانيان وأربعة عراقيين.
وتضيف الصحيفة أن الجائحة وفق مصادر محلية، قضت على مصابين آخرين بين صفوف الميليشيات الإيرانية التي تدعم الرئيس السوري بشار الأسد. وإلى اللحظة لا توجد أي تأكيدات من قبل أجهزة النظام السوري أو حتى من جهات محايدة لما أورده التقرير، ولا يرجح أن يحصل ذلك مستقبلا.
الميليشيات الإيرانية مصدر الوباء؟
تعد دير الزور المحطة الأولى للميليشيات الإيرانية القادمة من العراق إلى سوريا. وهناك مخاوف قوية من أن يكون المقاتلون الإيرانيون قد جلبوا الوباء إلى الأراضي السورية، وتحولوا إلى وحدات لنشر العدوى، خاصة وأن إيران، تحولت إلى بؤرة للمرض في منطقة الشرق الأوسط حسب شهادة منظمة الصحة العالمية.
"من المبكر جدا إصدار أحكام حول دور المقاتلين الإيرانيين في انتشار الوباء في سوريا" يقول أندري بانك، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، في معهد هامبورغ للأبحاث الإقليمية والدولية (GIGA) في حوار مع DW، موضحا أن "اللافت في الأمر، هو انتشار المقاتلين الإيرانيين في الأسابيع والأشهر الأخيرة في منطقة دير الزور شمال شرق البلاد.
ومع ذلك لا توجد مؤشرات واضحة على الأقل إلى غاية اللحظة تربط بين هذا الأمر وبين ارتفاع، بات ملحوظا، للإصابات بفيروس كورونا".
وفي ذات السياق ينتقل الخبير الألماني تحديدا إلى الوضع في العاصمة دمشق، "حيث يتواجد المرقدان الشيعيان، السيدة زينب والسيدة رقيّة، وإليهما يؤم الحجاج عادة من العراق وإيران".
وكانت وكالة الأنباء الرسمية سانا قد أعلنت لأول مرة في 20 من مارس/ آذار الماضي عن اتخاذ إجراءات احترازية لمنع انتشار الوباء؛ على ضوئها تمّ إغلاق المطاعم والمقاهي والمساجد.
خمسة أيام بعد التاريخ المذكور أٌعلن حظر التجول من الساعة السادسة مساء إلى الساعة السادسة صباحا في المناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.
ويبدو أن وباء كورونا لم يضع نظام الأسد أمام معضلة صحية فحسب، وإنما أمام تحديات سياسية خطيرة. فبقاء بشار الأسد في السلطة إلى غاية اللحظة، لم يكن ليحدث لولا دعم روسيا أولا ثم إيران له. وإيران اليوم مهددة بأن تتحوّل إلى جهة "مصدّرة" للفيروس إلى سوريا.
ويتعلق الأمر بطائرات "ماهان إير" الإيرانية، وفق ما أوردته وكالة الأنباء "Middle East Eye" التي يديرها الصحفي السابق في صحيفة "غارديان" البريطانية ديفيد هارست. ويكشف الأخير أنه استاق معلوماته هذه من خبير غربي مطلع على مجريات وخلفيات الحرب الدائرة في سوريا.
أيضا موقع "المونيتور" الناطق باللغة الإنجليزية، والذي يعنى بقضايا الشرق الأوسط، يؤكد وجود رحلات جوية متواصلة بين البلدين. "هذه الرحلات القادمة من طهران قدة تمدّ النظام السوري بالأموال والمقاتلين والكثير من المعونات التي تساعد النظام على البقاء في السلطة"، حسبما نقرأ في موقع "المونتور" بقلم الخبير فيليب سميث.
بدون هذه المعونات يقول الكاتب، لا يستطيع النظام السوري إطلاق عمليات عسكرية قوية أو حتى الصمود". واستنادا إلى مصادر محلية لم تسميها، يتحدث الموقع عن دخول متواصل لقوات تمولها إيران إلى الأراضي السورية عبر معبر البوكمال الحدودي.
مصالح إيران في سوريا
وإذا كان من الصعب التأكد من صحة هذه الأخبار، فإن ما لا يقبل الشك أن التواجد المستمر لميليشيات إيران، أقوى بؤر الوباء في المنطقة، من شأنه تقويض الجهود الجارية في مناطق الأسد لاحتواء انتشار الفيروس.
العقود المبرمة في هذا القطاع كغيره من القطاعات، ما هي إلا "ثمن" يقدمه نظام دمشق إلى الإيرانيين، كما يكتب المتخصص في ملف الميليشيات الشيعية في المنطقة، فيليب سميث على موقع "المونيتور".
من المستبعد جدا أن يكون الأسد ـ حتى ولو أراد ذلك ـ قادرا على تقييد التواجد الإيراني في بلاده. فإيران دفعت الغالي والنفيس في سبيل التواجد في سوريا، فقد قدمت المال والسلاح وفقدت أرواح مقاتليها. في المقابل، يحتاج الأسد إلى الدعم الإيراني، وخاصة إلى دعم القوات البرية له لمحاربة معارضيه. ولا يمكن لإيران إطلاقا التخلي عن سوريا لأن ذلك يعني التخلي عن مشروع سنوات طوال لتقوية النفوذ الإيراني في المنطقة.
كيرستن كنيب/ و.ب
في صور: ما هي الميليشيات الشيعية التي تدعمها إيران في سوريا؟
تدعم إيران عدداً كبيرا من الميليشيات الشيعية في سوريا والتي تحارب إلى جانب الجيش السوري دعماً لنظام الرئيس بشار الأسد.. فما هي أهم تلك الميليشيات؟
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Zaatari
ميليشيات شيعية تدعمها إيران في سوريا
في سنة 2014 ومع اقتراب نظام الأسد من الانهيار تحت وطأة تقدم المعارضة السورية المسلحة، تدفق الآلاف من عناصر الميليشيات الشيعية على سوريا بدعم من إيران. تنوعت هذه الميليشيات ما بين الإيرانية والأفغانية والباكستانية والعراقية واللبنانية، مدفوعين إما من منطلق عقائدي أو بإغراءات مالية لهم ولذويهم. ويقوم قادة من الحرس الثوري الإيراني بالإشراف على تجنيد وتدريب هذه المليشيات في سوريا.
صورة من: Getty Images/AFP/Str
ميليشيات شيعية تدعمها إيران في سوريا
تشير تقديرات "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" إلى أن عدد مقاتلي المليشيات العراقية في سوريا يتراوح ما بين 15إلى 20 ألف مقاتل، فيما يقدر عدد مقاتلي حزب الله اللبناني بنحو 7 إلى 10 آلاف مقاتل وقرابة 5 إلى 7 آلاف مقاتل أفغان وإيرانيين. لكن تقديرات أخرى تشير إلى أن الرقم قد يصل إلى 80 ألف مقاتل شيعي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Ammar
حزب الله اللبناني
يأتي في المرتبة الأولى من حيث كثرة أعداد مقاتليه في سوريا حيث تتراوح أعدادهم ما بين 5000 إلى 8000 مقاتل. مقر القوات هو مدينة القصير بريف حمص الغربي. تنشط عناصره على حدود سوريا مع لبنان، لكن مع الوقت تمدد وجودهم ووصلوا إلى ريف حمص وسط البلاد. سقط من عناصر الحزب أعداد كبيرة خلال الاشتباكات مع المعارضة السورية المسلحة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Zaatari
فيلق القدس
وحدة قوات خاصة للحرس الثوري الإيراني ومسؤولة عن عمليات خارج الحدود الإقليمية. قائدُه هو اللواء قاسم سليماني. يضم الفيلق تشكيلات عسكرية متعددة وينسب إليه الفضل في الاستيلاء على الكثير من المدن التي كانت تسيطر عليها المعارضة السورية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Office of the Iranian Supreme Leader
لواء الباقر
يتواجد في مدينتي حلب ودير الزور وهو من أبرز المجموعات المسلحة التي دعمتها إيران ودربتها خلال السنوات الماضية في سوريا. تأسس اللواء عام 2014 على يد قائده الحالي خالد علي الحسين بهدف الانتقام من فصائل الجيش الحر التي يتهمها بقتل والده بعد دخولها إلى مدينة حلب عام 2012.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Voskresenskiy
لواء الإمام الحسين
يشترك لواء الإمام الحسين مع الفرقة الرابعة للجيش السوري في أغلب العمليات العسكرية المتركزة في محيط العاصمة السورية دمشق، كما يتواجد في منطقة مستشفى البيروني في منطقة حرستا وفي الغوطة الشرقية لدمشق. ينسب اللواء إلى نفسه مهمة حماية مرقد السيدة زينب. يتكون من مقاتلين إيرانيين وعراقيين وأفغان وبعض السوريين وجنسيات أخرى.
صورة من: facebook/LwaAlamamAlhsyn
ميليشيات عراقية
تتواجد بكثرة على الأراضي السورية. وتقدر مصادر في المعارضة السورية عدد عناصر الميليشيات العراقية في سوريا بنحو 20 ألف مقاتل.
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Abbas
حماية مرقد زينب
تتركز مقرات الميليشيات العراقية في مناطق مثل العاصمة دمشق ومنطقة السيدة زينب وبلدة العيس جنوب حلب وريف حمص الشرقي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. al-Helo
حزب الله العراقي
ومن هذه الميليشيات حزب الله العراقي، وحركة نجباء العراق، وميليشيات الإمام الحسين، وأسود الله، وكتائب الإمام علي، واتحاد أصحاب الحق، وعصائب أهل الحق وكتائب أبو الفضل العباس وقوات فيلق بدر.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J.al-Helo
ميليشيات أفغانية
أهمها "لواء فاطميون" الذي أسسه علي رضا توسلي عام 2014 لقتال المعارضة السورية. قوامه عناصر شيعية من قومية الهزارة بأفغانستان. يحصل اللواء على التمويل والتدريب من قبل الحرس الثوري الإيراني. يُقدر تعداد أفراده في سوريا بحوالى 3000 مقاتل، فيما تشير المصادر الإيرانية إلى أن العدد يصل إلى 14ألف مقاتل. تتركز عملياته بدير الزور والبوكمال. قُتل مؤسس التنظيم علي الرضا توسلي في اشتباك مع جبهة النصرة في درعا.
صورة من: picture-alliance/AA/S. M. Leyla
ميليشيا باكستانية
وتتمثل في لواء زينبيون، وهو ميليشيا باكستانية شيعية، جماعة متطوعة أخرى تقاتل في سوريا. يحصل على المال والتدريب من فيلق القدس. صنفته وكالة أنباء فارس كقوة هجومية من النخبة ويضمّ أكثر من 5000 من المقاتلين الشيعة الباكستانيين الشباب، لكن رويترز ووسائل إعلام غربية أخرى قدرت العدد بما لايزيد عن الألف. يتمركز أفراد اللواء في شمال حلب وجنوبها وجنوب دمشق ودرعا.