في "صالون الشعر"، غابت القافية والسياسية
٣٠ نوفمبر ٢٠١١في مدينة بيتهوفن، على ضفاف نهر الراين، احتضنت قاعة الاحتفالات في المبنى الرئيسي بجامعة بون الأسبوع الماضي صالون الشعر الألماني العربي الرابع الذي قام بتنظيمه الشاعر السوري الأصل المقيم في ألمانيا فؤاد آل عواد. وشارك في هذا الصالون 12 شاعرا وشاعرة من دول عربية مختلفة ومن ألمانيا قرؤوا قصائد تجاوب معها الجمهور العربي والألماني الذي حضر هذه الأمسية.
صالون هذا العام هو الرابع في سلسلة صالون الشعر العربي الألماني، فقد انطلق الصالون الأول في مدينة ميونيخ عام 2005 تحت شعار "الشعر والمكان" بحضور عدد من الشعراء العرب والألمان وكان ضيف الشرف آنذاك الشاعر فؤاد رفقه. وفي عام 2006 نظم الصالون دورته الثانية في ميونيخ أيضا قبل أن يعقد دورته الثالثة في نهاية نفس العام في دمشق بدعوة من وزارة الثقافة السورية وبالتعاون مع معهد غوته في دمشق ومع رابطة المغتربين السوريين في ميونخ. أما الدورة الرابعة التي احتضنتها بون فقد شهدت حضور أكبر عدد من الشعراء والشاعرات حتى الآن جاءوا من ألمانيا ولبنان وسوريا والمغرب.
شعراء ألمان يكتبون قصائد عن جربه وجامع الفنا والجامع الأموي
وقال فؤاد آل عواد في حديث لدويتشه فيله "أسست الصالون ليلتقي الشعراء العرب والألمان على مستوى شعري بعيدا عن أي خلافات سياسية أو اجتماعية بين الحضارات". وقد انعكس الهدف من الصالون على القصائد التي ألقيت في بون فلم نسمع لأي من الشعراء العرب أو الألمان أي جملة أو عبارة تخص "الربيع العربي"، ولم نلمح سوى أن الشاعرة السورية مرام المصري المقيمة في فرنسا أتت إلى بون بالزي التقليدي السوري. واكتفى الشاعر الألماني لودفيغ شتاينهر بقول جملة باللغة الألمانية معناها: "سوريا بلد رائع الجمال وأتمنى لها السلام من كل قلبي."
جاءت الأمسية الشعرية بسيطة كشعرائها، حيث كان يقف شاعر أو شاعرة عربية بجوار شاعر أو شاعرة ألمانية ثم يقرأ أحدهما قصيدته بلغته الأصلية ويقرأ الآخر ترجمتها بلغته الأم. وقرأ الشاعر شتاينهر قصيدته القصيرة "المسجد الأموي"، والتي يصف فيها أحاسيسه حينما كان في زيارة للجامع الأموي وخلع نعليه وأحس ببرودة تدب في ساقه لكنها سرعان ما تحولت إلى وهج في عقله وشعور بالخشوع. أما الشاعرة الألمانية إيفا فورستر فقد قرأت قصيدتها "ضوء في جربه"، التي تناولت فيها مظاهر الطبيعة الساحرة من ضوء شمس وريح وقافلة البدوي في الجزيرة التونسية وتأثير ذلك على أحاسيسها.
كانت الأمسية من تقديم فؤاد آل عواد بالتبادل مع الشاعر الألماني كريستوف لايستن الذي يعرفه عدد كبير من المغاربة، فقد صدرت في عام 2009 ترجمة عربية لكتاب ألفه الشاعر بعنوان "مراكش جامع الفنا". وفي حديثه مع دويتشه فيله عبر لايستن عن إعجابه الشديد بالمغرب وقال إن له عددا من الأصدقاء المغاربة، فهو يزور المغرب منذ عام 1982 ويحب "بساطة المغاربة في حياتهم وخفة ظلهم وكرمهم."
"نوع واحد من الأشعار"
وشارك من الجانب العربي في أمسية صالون الشعر العربي الألماني الشعراء مرام المصري (سوريا) ونعيم تلحوق (لبنان) وعائشة البصري (المغرب) وحنان عاد (لبنان) وريم نجمي (المغرب) وسرجون كرم (لبنان). ومع قصيدة كل شاعر من هؤلاء يصفق الحضور مرتين؛ الأولى حينما يسمعها باللغة العربية، والثانية حينما تقرأ ترجمتها باللغة الألمانية أو العكس. وقرأ نعيم تلحوق قصائده من بينها "المدى الأخير"، كما قرأت مرام المصري قصيدتها "إشارة" وغيرها من القصائد التي تعبر فيها عن ذاتها. واستمع الحضور إلى قصيدة عائشة البصري "شامة" والتي تحاول فيها تعليم ابنتها الصغيرة "شامة" الفرق بين الواقع والخيال. وألقى سرجون كرم قصائده "الشامان" و"المطر الأخير" و "إس إم إس"، وألقت حنان عاد قصائدها من بينها "مواساة فاشلة" و"رأفة الطبيعة"، أما ريم نجمي -الشاعرة الصغيرة- فكان من بين ما قرأت قصيدة "ليلة شتاء" و "ليل كثير".
وبرغم التصفيق الحار الذي لقيه الشعراء والإعجاب بتجربتهم الشعرية المملوءة بالعاطفة والتأمل أعرب أحد الحاضرين لإذاعتنا عن افتقاده للوزن والقافية في قصائد الشعراء العرب، ووصل به الحال أن قال "هذه أمسية فيها كل شيء إلا الشعر"، فالشعر في رأيه "لابد من أن تجد فيه التفعيلة والموسيقى أما قصيدة النثر فهي شيء آخر." بينما أعرب مالك الوادعي المدرس المساعد بكلية اللغات والترجمة في جامعة الملك سعود بالرياض والذي حضر الندوة، أعرب عن إعجابه بمحاولة ترجمة الشعر العربي إلى الألمانية وبالعكس، وقال إنه شخصيا استفاد من هذا الشيء ولاسيما في عملية دقة الترجمة وهي "مسألة ليست سهلة". لكن الوادعي أعرب أيضا عن أنه كان يود أن يسمع في تلك الأمسية ولو شيئا بسيطا من الشعر الموزون المقفى "فالعرب ذواقون" لهذا النوع من الشعر، بينما لم يسمع هو في تلك الليلة سوى "أشعار من نوع واحد فقط".
"القالب والشكل لا يهمان المهم هو المعنى"
ويؤكد الشاعر نعيم تلحوق في حديثه لدويتشه فيله على أهمية قصيدة النثر، وأنها جلبت أيضا الشهرة والتقدير لأصحابها ودلل على ذلك بالقول بأن "أدونيس هو أشهر شاعر عربي في العالم بينما شاعر كعمر أبي ريشه لا يقرأ له أحد في ألمانيا مثلا".
والشعر – حسب ما يقول تلحوق- "شعر وكفي، سواء كان في القصيدة الكلاسيكية أو في قصيدة التفعيلة أو القصيدة الحرة أو النثر" فالقالب والشكل لا يهمان في رأي الشاعر اللبناني، وإنما ما يهمه هو نقل الأفكار بلغة بسيطة إذ بإمكانه "نقل معاني ما يقوله المتنبي أو خليل مطران أو عمر أبوريشة أو بشارة الخوري في مفردات سهلة تصل إلى الناس سواء العرب أو غير العرب."
ويقول فؤاد آل عواد إن العالم يتطور وكذلك الشعر يتطور "وقد اخترت منذ البداية أن يكون هذا الصالون للشعر الحر". ويؤكد آل عواد على أن صالونه نجح في ذلك، ويضيف "توجد أماكن كثيرة أخرى يتاح فيها للجمهور المحب لشعر البحور والقافية سماع قصائد مقفاة وموزونة، لذلك فسيبقى هذا الصالون للشعر الحر."
صلاح شرارة
مراجعة: عبده جميل المخلافي