في وداع رسمي لحقبة الفحم الحجري – ألمانيا تغلق آخر مناجمها
٢١ ديسمبر ٢٠١٨
شهدت منطقة الرور بغرب ألمانيا الجمعة نهاية حقبة صناعية مهمة ساهمت بشكل مباشر في تحقيق المعجزة الاقتصادية في البلاد، حيث انتهت مرحلة استخراج الفحم الحجري. في حفل كبير بحضور الرئيس الألماني تم توديع آخر وردية عمل.
إعلان
شهد الرئيس الألماني فرانك ـ فالتر شتاينماير اليوم الجمعة (21 كانون أول/ديسمبر 2018) وقف إنتاج الفحم الحجري بمنجم بروسبر هانيل في مدينة بوتروب بولاية شمال الراين ويستفاليا غرب البلاد. ويعد هذا آخر منجم يتم استخراج الفحم الحجري منه في ألمانيا.
وبهذا ينتهي عصر الإنتاج الصناعي للفحم الحجري في ألمانيا والذي استمر 200 عام. وكان للفحم الحجري دورا أساسيا في توفير الطاقة للصناعات المختلفة بعد الحرب العالمية الثانية، ما ساهم في تحقيق المعجزة الاقتصادية في البلاد. ومن الآن فصاعدا لن ينتج في ألمانيا إلا الفحم البني.
وقال الرئيس الألماني فرانك ـ فالتر شتاينماير خلال احتفالية بهذه المناسبة في بوتروب: "نحن هنا في منجم بروسبر هانيل، شهود على لحظة تاريخية". وسلم العمال ورئيسهم يورغن ياكوبايت آخر قطعة أنتجت في المنجم الواقع بمنطقة الرور الشهيرة، وتزن سبعة كيلوجرامات تقريبا للرئيس شتاينماير.
وقال شتاينماير إن اليوم يعتبر "يوما حزينا" لعمال المنجم، مؤكدا أن وقف استخراج الفحم الحجري هو "جزء هام وجوهري في التاريخ الألماني". وأضاف شتاينماير أن القوة الكبيرة للاقتصاد الألماني منذ نهاية القرن التاسع عشر، ما كان لها أن تذكر بدون الفحم وعمال المناجم. وقال شتاينماير إن جذور التكتل الأوروبي أيضا يكمن في عمل المناجم، مشيرا بذلك إلى اتحاد مونتاو الذي تأسس 1952 وهو كيان سابق على الاتحاد الأوروبي. وأعاد شتاينماير إلى الأذهان أن الفحم والفولاذ المستخرجان من منطقة الرور غذيا آلة الحرب التي نشرت الموت والإبادة والدمار في سائر أوروبا.
من جانبه قال بيتر شريمبف رئيس شركة التنقيب المسؤولة: "اليوم يوم أسود"، مبينا أن استخراج الفحم الحجري في ألمانيا "توقف إلى غير رجعة، وهذا الختام النهائي يمثل صعوبة لكل عامل في المناجم".
وبإغلاق آخر منجم للفحم الحجري في ألمانيا لن ينتهي استخدام هذا النوع من الفحم بصورة نهائية فيها، حيث سيتواصل استخدامه مستقبلا في توليد التيار الكهربائي وداخل مصانع الصلب لكن هنا سيكون مستوردا بصورة كاملة من الخارج.
يذكر أن الفحم الحجري ساهم خلال العام الجاري بنسبة 13 % من توليد التيار الكهربائي في ألمانيا. وتسعى ألمانيا وفي إطار تنفيذ اتفاقية باريس لحماية المناخ إلى تخفيض هذه النسبة تدريجيا وتعويضها بالطاقة النظيفة أو المتجددة كليا.
يذكر أن كبار الساسة الاتحاديين والمحليين حضورا الاحتفال الكبير بالمناسبة غلى جانب رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر.
ح.ع.ح/ي.ب(د.ب.أ)
ميناء دويسبورغ.. ثلاثة قرون من الحركة دون توقف
شكل إنشاء ميناء داخلي صغير عام 1716 في منطقة "رور أورت" خطوة ذكية في مجال الأعمال. الميناء الذي يحمل اليوم اسم "دويسبورت" أضحى أحد محاور التجارة العالمية ومركزاً لوجستياً في غاية الأهمية.
صورة من: Imago/H. Blossey
الميناء الذي بدأ نشاطه كموقع شحن صغير على نهر "الراين" قرب دويسبورغ في منطقة "رور أورت"، هو الآن من أكبر الموانىء النهرية في ألمانيا، ويصل وزن البضائع التي يتعامل معها الميناء إلى 130 مليون طن سنوياً، وقد صُنِفَ ميناء "دويسبورغ" بإعتباره واحداً من بين الموانىء الأكثر تشغيلاً في العالم بما في ذلك الموانىء البحرية الكبيرة.
صورة من: duisport AG/H. Blossey
مع مرور السنين إتسع الميناء شيئاً فشيئاً في منطقة "رورأورت" حتى وصلت عمليات التوسعة إلى مدينة "دويسبورغ". لكن ما أثار إنزعاج سكان المنطقة هو تغيير إسم الميناء ليصبح "دويسبورت" الذي لا يزال يشهد عمليات توسعة حتى اليوم، وقد خُطِطَ لإنشاء شركة ومكاتب لتقديم الخدمات اللوجيستية فوق مساحة تُقَدر بـ 50 هكتاراً كان يشغلها مصنع للورق.
صورة من: duisport AG
مشاهد من الأيام الخوالي كما في هذه الصورة التي يرجع تاريخها إلى عشرينيات القرن العشرين، توضح الصورة بأن الميناء كان في ذلك الزمن لايتعامل إلا مع عمليات شحن فلزات الحديد والفحم الحجري ومواد البناء. وبسبب تواجده في حوض وادي "الرور" قلب الصناعة الألمانية سابقاً، يُعْتَبَر حتى الآن ميناءً حيوياً وشرياناً هاماً للصناعة الألمانية.
صورة من: duisport AG
وصلت عملية إزدهار التجارة والأعمال التي شهدتها ثلاثينيات القرن الماضي إلى طريق مسدود بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية، فقد أدى القصف الجوي إلى تدمير الأرصفة والمستودعات بشكل شبه كامل. حدث ما يُعرف بمعجزة النهوض الإقتصادي الألماني في خمسينيات القرن الماضي حيث بدأت عمليات تنشيط وإحياء حركة الميناء قُبَيِلَ التراجع الحاد الذي أصاب صناعة الحديد والصلب والفحم الحجري في الستينيات.
صورة من: duisport AG
التأقلم مع الأوضاع الطارئة وتَبَني مفاهيم جديدة والتركيز على التجارة العالمية، كل ذلك مَكَنَ "مجموعة دويسبورت" التي تدير الميناء، من إعادة هيكلة أعمالها لتصبح من شركات التجارة والأعمال المتوسطة الحجم بعائدات سنوية قدرها 210 ملايين يورو. توفر هذه الشركة أكثر من ألف فرصة عمل، كما تساعد البلديات بالضرائب التي يتم تحصيلها من أرباح الشركة.
صورة من: DW/C. Grün
المثير للدهشة هو أن الفحم الحجري ظل المادة الرئيسة التي تُشحن عبر ميناء "دويسبورغ"، غير أنه لم يَعد يستخرج من منطقة حوض "الرور" وبات يُستورد من أستراليا والصين وبلدان أخرى، ويُشحن من ميناء "روتردام" في هولندا بواسطة مراكب خاصة. أغلق آخر منجم للفحم الحجري في "دويسبورغ" قبل عدة سنوات، ولا تزال شركة "تويسن غروب" وشركة "آرسيلور ميتال" من أكبر شركات إنتاج وتصنيع الحديد والصلب في المنطقة.
صورة من: duisport AG/R. Köppen
تؤمن حركة الميناء أكثر من 45 ألف فرصة عمل، ويحتوي على 21 رصيفاً وعلى 8 محطات للحاويات، ويتم عبره شحن حوالي 3.4 مليون حاوية سنوياً، وبذلك يصبح ميناء "دويسبورغ" من أوائل الموانىء التي تستفيد من حركة التجارة العالمية وبإستطاعته التعامل مع كافة البضائع والمنتوجات بدءاً بالمخلفات الناتجة عن الأجهزة التالفة وإنتهاءاً بالأجهزة ذات التقنية العالية.
صورة من: DW/C. Grün
"مجموعة هانيل" التي تمتلكها وتديرها عائلة "فرانز هانيل" جمعت ثروتها من تجارة الفحم الحجري والصلب، وتعمل في نشاطات مختلفة، فهي تمتلك أيضاً "مجموعة ميترو" لتجارة التجزئة، كما تدير أعمالاً أخرى من بينها "مجموعة هانيل القابضة". لم تترك أي عائلة أثراً يُماثل الأثر الذي تركته عائلة "هانيل" في منطقة "رورأورت".
صورة من: DW/C. Grün
يأتي السياح من جميع أنحاء العالم لزيارة ميناء "دويسبورغ" ويقومون بنزهة على متن القوارب التي تنطلق من أرصفة الميناء قرب بناء "شيفيربورسه". تتجول القوارب على مسافة 25 كيلومترأً في مسارات متعرجة على طول الأرصفة التي تُطل على المنطقة الصناعية القديمة والمنطقة الصناعية ذات التصاميم الهندسية الحديثة.
صورة من: DW/C. Grün
البرجان التوأمان المقامان عند مدخل جسر "فريدريش إيبيرت" شكلا منذ القدم علامة فارقة لمنطقة "رورأورت" ولمينائها. يربط الجسر بين "الرورأورت" و الجانب الآخر من مقاطعة "دويسبورغ"، وقد شُيدَا عام 1907، وهما يرحبان طوال المئة عام الماضية بالزوار والسفن القادمة للرسو في ميناء المدينة، كما ويؤمنان مكاناً لسكن العاملين في الميناء.
صورة من: DW/C. Grün
يقع الميناء وسط مدينة "دويسبورغ"، وكان الميناء الداخلي أرضاً فارغة ومنطقة صناعية إلى أن جاء في عام 1994 المهندس المعماري البريطاني "نورمان فوستر" وساهم مع خبراء اخرين في تطوير المنطقة اعتماداً على تصاميم تم تنفيذها على أرصفة نهر"التايمز" اللندني. وهو الأمر الذي أعاد الحياة إلى تلك الأرصفة. كارستن غروين/ غالية داغستاني