1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

في يومها العالمي.. هل تستعيد الصحافة حريتها في سوريا؟

٣ مايو ٢٠٢٥

عانى الصحفيون في سوريا خلال العقود الماضية من القمع والانتهاكات التي وصلت حد الاعتقال والقتل خلال فترة الصراع المسلح. لكن كيف هو وضع حرية الصحافة الآن بعد سقوط نظام الأسد وما هي آفاق تحسن الوضع كما يأمل الصحفيون؟

لقاء بين نقابة الصحفيين والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في دمشق 30.04.2025
تقول السلطات الرسمية إن الإعلام يشهد انطلاقة جديدة.. فهل ستضمن فعلا حرية الإعلام وتسمح للصحفيين بممارسة عملهم بحرية وبدون خوف؟صورة من: Bara Othman

خلال حكم الأسد في سوريا تم قمع الحريات وكمّ أفواه الصحفيين، وتحولت وسائل الإعلام إلى أدوات لخدمة النظام. كما تمت تصفية واعتقال صحفيين معارضين خلال فترة الحرب التي شهدتها سوريا منذ عام 2011.

وبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في الثامن من ديسمبر/ كانون الثاني من عام 2024 يأمل الصحفيون السوريون من الحكومة الجديدة تهيئة بيئة إعلامية حرة وآمنة تدعم جميع الصحفيين، وتسعى لإزالة العراقيل التي كانت تواجههم في السابق، وسن قوانين صارمة تحميهم من التضييقيات والمخاطر، وتضمن حقوقهم في التعبير عن آرائهم دون تهديد أو خوف، وتعزز دورهم في نقل الحقيقة.

الصحفي السوري عبد الرزاق الصبيح من ريف إدلب شمال سوريا يتحدث عن الصحافة في سوريا الجديدة بالقول: "مما لاشك فيه أن واقع الإعلام في عهد نظام الأسد لا يمكن قياسه مع أي واقع في أي دولة في العالم. ولم يقتصر الأمر على منع نشر أي معلومات لا تتوافق مع أيديولوجيته". أما بالنسبة لواقع الإعلام السوري الجديد فيعرب الصبيح عن أسفه حيث "كانت البداية غير مُبشّرة، عندما تم تعيين أعلى سلطة إعلامية، وهي اتحاد الإعلاميين من قبل السلطة، ولم يُترك المجال لانتخابات تُفرز أشخاصا مستقلين" معتبراً أن هذه الخطوة كانت "مُتسرّعة".

وينتقد الصبيح تعيين وزير إعلام تابع للحكومة، لأن هذا يعني "تقييدا للعمل الصحفي"، ووجود مؤسسات إعلامية تتحدث بلسان السلطة و"تبرر أفعالها". ويضيف بأنه إذا نظرنا بمنظور الدول المتقدمة فلا يوجد فيها وزير إعلام "وهذا ما كنّا نحلم به بعد انتصار الثورة".

ويوضح الصبيح أن الصّحافة والعمل الإعلامي ربما ينشطان، ويكون هناك هامش بسيط لحرية الصحافة، وربما للنقد، ولكن هذا الهامش "ليس كبيراً"، ويحتاج الأمر إلى وقت، باعتبار أن الإعلان الدستوري الذي تم إقراره، قد "أغفل موضوع حرية العمل الصحفي وضرورة استقلاله. وربما يكون ذلك مفهوماً لأن السلطة بشكل أو بآخر تعتبر عسكرية، وأنجزت إعلانا دستوريا سريعا وضيّقا".

ويشير الصبيح في حديثه لـ DW عربية إلى ضرورة تطوير وسائل الإعلام السورية وتحديثها، مؤكداً أن وسائل الإعلام المحليّة فقدت جمهورها بعد سقوط نظام الأسد، فهناك مسائل تقنية غير مبرّرة أخرت تشغيل القنوات السورية الرسمية، والمواطن غير مضطر لانتظارها.

كما ينتقد الصبيح دخول المجال الإعلامي الرسمي عدد كبير من الإعلاميين ممن تخرجوا حديثاً، ممن لديهم نشاط إعلامي و"مرضِيٌّ عنهم من قبل السلطة"، علماً أنهم بحاجة إلى تدريب وتمكين، وهذا الأمر يحتاج لوقت طويل، في حين غابت الخبرات الإعلامية، وغاب الإعلاميون المستقلّون، وهذا "عامل سلبي سوف يكون له تأثير على سمعة الإعلام الرسمي" حسب تعبيره.

ويلفت الصبيح إلى أهمية وجود مناخ سياسي وقانوني وبيئة مؤسساتيّة على مستوى الدولة، وسنّ تشريعات وقوانين تضمن حريّة التّعبير وحرية الصحافة. كما يؤكد على أهمية كفاح الصحفيين والإعلاميين من أجل "تحرير الإعلام من سيطرة الدولة"، ومطالبتهم بمنظمات إعلامية لا تتدخل فيها السلطات، ويتم انتخاب إعلاميين من الإعلاميين أنفسهم، وإدارة شؤونهم بشكل ذاتي.

يؤكد الصحفي عبد الرزاق الصبيح على أهمية وسنّ تشريعات وقوانين تضمن حريّة التّعبير وحرية الصحافة، ووجود منظمات إعلامية لا تتدخل فيها السلطاتصورة من: private

الصحفيات بين التهميش والأمل بمستقبل أفضل

أما الصحفيات في سوريا فقد واجهن خلال سنوات الحرب العديد من الصعوبات للحصول على المعلومات وإيصالها، ونقل معاناة الشعب السوري. وكابدن المخاطر من أجل الكلمة، وتابعن عملهن رغم العوائق متحديات العادات المجتمعية الرافضة لدورهن، ولا يخفين آمالهن اليوم بواقع أفضل. ووفق الصحفية سوسن الحسين التي تحدثت لـ DW عربية عن الصعوبات التي واجهتها كصحفية خلال مسيرتها الصحفية، فإن "التحدي الأكبر هو النظرة المجتمعية للعاملات في مجال الإعلام والصحافة، وهو أسوأ ما تواجهه الصحفيات" إلا أن هذه النظرة لم تعد موجودة بنفس النسبة مع "إصرار الإعلاميات على إيصال رسائل الناس وأصواتهم، ونقل أوجاعهم ومطالبهم، حتى أن الأمر وصل إلى التوجه إلى الإعلاميات لتسليط الضوء على بعض مشاكل النساء أو المجتمع".

ورغم خطورة عملها، لم تتراجع سوسن عن الاستمرار في التدريب والعمل في ريف إدلب والمناطق التي تستطيع الوصول إليها، وأشارت إلى أن البلاد تشهد تجربة جديدة من حرية التعبير للناس، وخاصة أولئك الذين كانوا في مناطق سيطرة نظام الأسد، والذين كانوا يخشون من أي انتقاد للسلطة أو للفساد في إحدى المؤسسات. أما من كانوا في مناطق سيطرة المعارضة فهامش الحرية في التعبير كان لديهم "أوسع بكثير، ولا شكّ أن المرحلة الحالية تقتضي إجراءات حكومية تنظيمية لضبط الفوضى الإعلامية الحاصلة في ظل غياب الإعلام الرسمي أو تأخره".

وتقول الحسن "حتى الآن لا أستطيع التنبؤ بنيّة الحكومة بشأن إصدار قانون إعلام يمنح المؤسسات الصحفية الاستقلال التام. لكنني آمل أن تمنح وزارة الإعلام ممثلين عن الأجسام النقابية للمساهمة بصياغة قانون الإعلام الجديد".

وتشير سوسن الحسن إلى أن المطلب الأهم بالنسبة للصحفيات فهو "منح ذوات الكفاءات أدوارا مهمة في أماكن صنع القرار في المؤسسات الإعلامية والنقابات. وكذلك منحهن وظائف مناسبة في المؤسسات الإعلامية، وعدم تهميشهنّ أو الاكتفاء بإعطائهن أدوارا تقليدية كمراسلة أو كاتبة أو مصورة، فالصحفيات خلال سنوات الثورة اكتسبن مهارات ميدانية وإدارية كبيرة، وأثبتن وجودهن ومهنيتهنّ رغم قسوة الظروف".

تعرض الصحافيون لمختلف أشكال القمع والانتهاكات التي وصلت حد القتل خلال السنوات الماضية في سوريا والآن يأمل الصحفيون باستعادة الصحافة حريتها المسلوبة في سورياصورة من: Christoph Soeder/dpa/picture alliance

تحديات وعوائق

"يشهد الإعلام السوري اليوم انطلاقة حقيقية طال انتظارها" بحسب محمد الصالح مدير العلاقات الصحفية في وزارة الإعلام، مضيفاً لـ DW عربية: "بعد عقود من التعتيم والتوجيه الأمني، تحرر الإعلام من وصاية الأجهزة القمعية، وبات أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء علاقته مع الجمهور على أسس من الشفافية والمهنية. فنحن لا نتحدث عن تحسن طفيف، بل عن تغيير جذري في فلسفة الإعلام، حيث تُصان حرية التعبير بوصفها حقاً مقدساً، ويُعاد الاعتبار لدور الصحافة في مساءلة السلطة وخدمة الصالح العام".

ويقول الصالح إن الإعلام "يواجه في المرحلة الجديدة تحديات جمة تتمثل في إرث الماضي بما فيه من ترهل إداري، وانعدام الثقة من قبل الجمهور، ونقص الكفاءات المهنية، وضعف البنى التحتية، إلى جانب وجود تحديات مركبة ناجمة عن الانتقال من إعلام سلطوي إلى إعلام حر" ولك ذلك يتطلب وقتاً وتخطيطاً دقيقاً، حسب المتحدث الذي يشير إلى أن البيئة السياسية والأمنية في مرحلة "ما بعد التحرير لا تزال بحاجة إلى الاستقرار، وهو ما ينعكس على واقع الإعلام". موضحا أن التحدي الأكبر يبقى في كيفية بناء إعلام مستقل يخاطب جمهوراً متعدداً، ويوازن بين الحرية والمسؤولية.

وأوضح الصالح أن الحكومة الجديدة تتعامل مع وسائل الإعلام، سواء السورية أو الأجنبية، من منطلق الشفافية والتعاون، فهي لا تعامل الإعلام بوصفه خصماً، بل شريكاً في بناء سوريا الجديدة، حيث قامت بفتح المجال أمام الإعلام الأجنبي "للعمل بحرية داخل البلاد"، وبدأت بإعادة صياغة القوانين لتسهيل عمل المراسلين المحليين والدوليين، دون قيود سياسية أو رقابة تعسفية، مع السعي لخلق بيئة إعلامية تضمن "حرية الوصول إلى المعلومة، وتضع حداً لأساليب المنع والتعتيم التي سادت لعقود" حسب تعبيره.

وتجدر الإشارة إلى أن سوريا بحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" كانت في المرتبة ما قبل الأخيرة في تصنيفها لحرية الصحافة لعام 2024، كما ذكرت أن سوريا شهدت مقتل ما لا يقل عن 283 صحفياًأثناء قيامهم بعملهم منذ "بدء الثورة عام 2011"، علماً أن 181 منهم لقوا حتفهم على يد نظام الأسد وحلفائه، بحسب الأرقام التي توصلت إليها منظمة مراسلون بلا حدود.

هل حرية الصحافة في أمريكا مهددة؟

03:26

This browser does not support the video element.

مطالبات بإعلام حر

وبعد سقوط الأسد أواخر عام 2024، أصدرت مجموعة من الصحفيين السوريين الذين يعملون في مواقع صحفية مستقلة بياناً حول حرية الصحافة في سوريا بعد الأسد؛ أكدوا فيه أن الصحافة الحرة هي "احتياج جوهري ولا جدال فيه". ودعوا إلى حماية الصحافة الحرة، وتوفير الحماية القانونية لحرية التعبير، فضلاً عن حظر الرقابة، وعدم فرضُ أي رقابة على وسائل الإعلام أو الصحفيين المستقلين، أو مصادرة صحيفة أو إيقافها أو إغلاقها. بالإضافية إلى ضمان حماية الصحفيين من أي انتهاك للكرامة أو السلامة، وعدم مقاضاة الصحفي أو الصحفية نتيجة "التعبير عن آراء أو نشر معلومات خلال عمله أو عملها المهني، وعدم فرض عقوبة الحرمان من الحرية على أي جرائم مُتعلِّقة بالنشر، إلا في الحالات التي تنطوي على التحريض على العنف أو الكراهية ولا يتم ذلك إلا من خلال الإجراءات القانونية الواجبة واللجوء إلى العدالة" مع ضمان الحرية والسلامة للصحفيات في أداء واجباتهنّ المهنية دون أن يخفنَ "التحرُّشَ أو التمييز أو العنف".

من يدعم الصحفيين ويدافع عن حقوقهم؟

"نحاول ان نزرع بذور الاستقلال الصحفي كمكتب لاتحاد الصحفيين السوريين، من خلال تعديل النظام الداخلي ووضع القانون الإعلامي الجديد، بالتشارك مع جميع الزملاء الإعلاميين السوريين داخل سوريا وخارجها، والاستفادة من الخبرات الإعلامية في الأجهزة النقابية العربية والغربية، وهناك كثير من طلبات الترخيص لمنصات إعلامية سواء إذاعة أو تلفزيون أو مجلات في مكتب الشؤون الصحفية في وزارة الاعلام". بحسب ما صرح به براء عثمان أمين العلاقات وعضو المكتب التنفيذي في "اتحاد الصحفيين السوريين .

وأضاف في حديثه لـ DW عربية: أن الإدارة الجديدة أعطت إشارات لنوايا جادة بأن يأخذ الإعلاميون دورهم بشكل جيد، ومستقل عن أي سلطة من السلطات الثلاث، بحيث تكون "السلطة الإعلامية هي السلطة الرابعة الحقيقية التي تخدم الجمهور السوري، وتنقل الصورة الحقيقية حتى لو كانت تتعارض مع رغبات السلطة أو تشير إلى مواطن خلل في أداء أي جهاز من أجهزة السلطة". مبيناً أن وزارة الإعلام أنشأت أكاديمية لتأهيل الموظفين الإعلاميين العاملين في الدوائر الحكومية والوزارات المتعددة، ليقوموا بواجبهم في تغطية أنشطة وزاراتهم ضمن "أفضل الأسس الإعلامية".

لطالما كان الصحفي في سوريا مهدداً بمخاطر الاعتقال والقتل والاستهداف، لإسكات صوت الحقيقة وتقييد حرية التعبير، ومن قمع الأسد إلى الأمل بالتغيير، يواصل الصحفيون السوريون عملهم في نقل الحقائق، وتغطية الأخبار، آملين بحماية الصحافة الحرة في كافة المؤسسات الرسمية وغير الرسمية الناشئة في سوريا ما بعد الأسد، وتتكرَّسُ فيها حرية الصحافة بوصفها قضية مقدّسة.

سونيا العلي- سوريا

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW