1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قادسية صدام : الحرب التي غيرت وجه المنطقة

٢٣ سبتمبر ٢٠١١

يستعرض داود البصري تفاصيل سبقت ورافقت وأعقبت حرب الأعوام الثمانية بين العراق و إيران، مارا على وضع المنطقة واشتراطات التوازن الدولي والإقليمي، ومبديا رأيه في تفاصيل مرحلة تاريخية معقدة خلال مقطع تاريخي بطول أربعة عقود.

مدفعية الجيش العراقي تقصف مواقع ايرانية في خرمشهر في اكتوبر عام 1980صورة من: AP

مرت قبل( أيام ( 22 / سبتمبر/ أيلول الذكرى الحادية و الثلاثون لاندلاع نيران أشرس و أفظع حرب إقليمية في الشرق الأوسط كلفت شعوب المنطقة و أنظمتها أيضا تكاليف إنسانية ومادية و سياسية هائلة وكانت مدخلا فظا لمتغيرات رهيبة للواقعين الإقليمي و الدولي وجرت تحت ركام جثثها وبقاياها و آلامها صفقات عديدة و مآسي كثيرة ، كما جرت تحت جسورها دماء و أشلاء لا حصر لها.

تحت غطاء و سقف تلك الحرب دمر المشروع النووي العراقي بالكامل عام 1981 واحتلت أول عاصمة عربية وهي بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي في خريف 1982 وتم طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان نحو الشتات و الدياسبورا الفلسطينية دون أن ننسى اقتران مجازر تلك الحرب الشنيعة بمجازر الفلسطينيين في صبرا و شاتيلا.تلت ذلك انهيارات قومية شاملة أدت في النهاية لحالة التكسيح التي يعيشها العالم العربي.

القائد الأوحد مشروع فاشي

في عام 1980 أكتمل المشروع الفاشي في العراق بهيمنة الجناح الذي كان يمثله صدام حسين في حزب البعث العراقي على السلطة في العراق ،حيث شهد صيف عام 1979 مجزرة بعثية واسعة النطاق إنتهت بإعدام عشرات القياديين البعثيين بعد إجبار الرئيس العراقي الأسبق أحمد حسن البكر على الاستقالة و إنفراد صدام حسين وجناحه في السلطة بتوافق غربي و شرقي مثير للدهشة التأمل.

هذا التطور المأساوي أفرز واقعا عراقيا جديدا تميز بالفاشية المطلقة و بالتخلص من أسلوب حكم الحزب الواحد الذي كان سائدا منذ انقلاب البعث عام 1968 إلى أسلوب حكم الفرد الأوحد و العائلة الذهبية و العشيرة المصطفاة و بما عزز وضعا سلطويا مريضا و كرس قيام نظام دكتاتوري مركزي كانت لتصرفاته الحمقاء و الهوجاء و الغبية الدور الأكبر فيما آل إليه الوضع العراقي الراهن المعاش وهي تصرفات مثلت الجانب المغامر و المستند على ثقة زائفة بأوهام قوة لا حدود لها سرعان ما دفع الشعب العراقي و شعوب المنطقة أثمانها الباهظة من وجوده و دماء شبابه و مستقبله ، في تلك الحقبة حدث زلزال إقليمي كبير بسقوط نظام عرش الطاووس الشاهاني في إيران في فبراير/ شباط 1979 بفعل تداعيات ثورة شعبية شاملة شاركت فيها مختلف الفصائل الإيرانية المعارضة سواء من اليسار الماركسي أو اليسار الإسلامي أو الجماعات القومية والإصلاحية أو الشعوب الإيرانية غير الفارسية كالعرب و الأكراد و البلوش و الآذريين وغيرهم و عبر تلك الجبهة الوطنية الواسعة رحل نظام الشاه .

ربيع طهران الثوري سرعان ما تعرض لنكسة قاتلة بسيطرة التيار الديني الرجعي على الأمور ودخول إيران في مرحلة صراع داخلي عنيفة مع ما رافق ذلك من ظهور أهوج للشعارات المتطرفة للقوى الحاكمة و أبرزها شعار تصدير الثورة الإيرانية الذي أتخذه النظام ولازال كهوية إيديولوجية وكممارسة وأجندة ميدانية مارسها قولا وفعلا في العراق و الخليج العربي طيلة العقود الثلاث المنصرمة من عمر المآسي الدموية في المنطقة .

فاشية العراق وثورة إيران: تزامن خدم المصالح الدولية

لقد كان لصعود التيار الفاشي في العراق حسابات دولية متعلقة بتعميق حالة المواجهة الإقليمية و استغلال التطرف لدى الجانبين في صياغة وضع إقليمي جديد وهو ما تحقق فعلا بقيام النظام الثوري الإيراني المتحمس بدفع الحركة الدينية العراقية لتصعيد الصراع مع سلطة البعث و إعلان حالة المواجهة ورفع شعار إسقاط النظام في العراق و إقامة الجمهورية الإسلامية في العراق! رغم عدم نضوج الظروف العراقية لتلك الشعارات وبالرغم من عدم واقعيتها ، فالثورة أي ثورة لا يمكن أن تصدر للآخرين مثل أي سلعة أخرى بل أنها مجموعة من القيم و التجارب الميدانية التي بنجاحها يمكن للآخرين التأثر بها.

الإيرانيون حاولوا قلب المعادلة بالكامل وسلحوا الأحزاب الدينية التي كانت تمارس نشاطا سريا ضد النظام اتضحت معالمه منذ منتصف ستينيات القرن الماضي و ازدادت حدته منتصف السبعينيات و بلغ الذروة عام 1977 في مواجهات ( خان النص) بين النجف و كربلاء والتي انتهت بتصفية البعثيين لقياديين مهمين من البعث لرفضهم المبالغة في إصدار العقوبات ضد المتظاهرين وكان أبرز من شملهم التظهير الحزبي عزة مصطفى القيادي البعثي ووزير الصحة والقيادي البعثي الآخر فليح حسن الجاسم ، ثم جاءت الثورة الإيرانية لتعجل بانفجار المواجهة وليدخل حزب الدعوة على الخط و يعلن الجهاد المسلح و لتوجه الإذاعات الإيرانية لدعم حركة المعارضة الدينية المسلحة في العراق و ليتكهرب الموقف ويقرر نظام صدام حسين دخول مرحلة المواجهة العسكرية المباشرة مع النظام الإيراني متسلحا بشعارات قومية ووطنية لا يعرف هو نفسه كيفية استثمارها ، لقد تحدث النظام العراقي عن تحرير الأحواز في عربستان ، ولكن خططه العسكرية والميدانية لم تكن تصب في ذلك الهدف ولم يتوغل الجيش العراقي في العمق الأحوازي رغم انفتاح الطريق لذلك .

العراق بدأ الحرب فأنقذ ثورة إيران من الانهيار

كان الشعار المعلن للنظام العراقي هو إلغاء اتفاق الجزائر الحدودي لعام 1975 الذي تنازل فيه نظام البعث لشاه إيران عن السيادة العراقية على نهر شط العرب وبما يعتبر وصمة عار في جبين النظام القومي البعثي ، فأعلن الحرب الشاملة في يوم 22 /9/1980 وأرسل الجيش العراقي للعمق الإيراني في مدينة المحمرة العربية وتم حصار ميناء عبادان النفطي دون التمكن من اقتحامه أو دخوله وبدأت الحرب التي أعتبرها النظام الإيراني هدية سماوية وفقا لتعبير آية الله الخميني الذي علق على اندلاع الحرب مع العراق بمقولته الشهيرة " الخير فيما وقع" وهو تعبير ذو دلالات إستراتيجية رهيبة و ملفتة للنظر فعلا.

ما هي إلا أسابيع حتى تمكن النظام الإيراني من امتصاص الصدمة و البدء بتفعيل حالة المواجهة مع المعارضة الوطنية الداخلية بذريعة مواجهة الخطر الخارجي ودخلت إيران في ساحة تصفيات داخلية رهيبة تمثلت بعمليات الاغتيال وبالتصفيات و بالمواجهات المسلحة و بتصفية جميع العناصر المشكوك في ولائها للنظام الجديد وفقد الحزب الجمهوري الإسلامي الإيراني قياداته في انفجار عام 1981 ومنهم آية الله بهشتي و محمد منتظري وغيرهم كما قتل رئيس الجمهورية الثاني بعد هروب الرئيس الأول بني صدر وهو محمد علي رجائي وقتل معه رئيس وزرائه محمد جواد باهنر صيف عام 1981 قبل أن تقتل القيادة العسكرية الإيرانية بأسرها في حادث طائرة في عبادان في خريف 1981 أيضا لتدور الحرب سجالا و تدخل ضمن دائرة حرب الاستنزاف المنسية و المتعبة ، فبعد أن كان التقدير العراقي لأمد الحرب لا يتجاوز الأسبوع الواحد فإذا بها تدخل عامها الأول بهزيمة الجيش العراقي في عبادان و بالبدء في استعادة المدن و القصبات الإيرانية الأخرى وكان آخرها المحمرة في أواخر نيسان / إبريل عام. 1982 انسحب الجيش العراقي من العمق الإيراني ولتدور الحرب في العمق العراقي اعتبارا من ليلة 13/14 تموز/ يوليو 1982 و لتشهد صولات وجولات و عمليات كر وفر وخسائر بشرية مروعة في مرحلة هجومية إيرانية ووفق شعارات كانت واضحة وترفض إيقاف الحرب قبل عقاب المعتدي وإقامة الجمهورية الإسلامية في العراق!! وكان ذلك مستحيلا بالمرة و المطلق فاستمرت الحرب لثمانية أعوام قبل أن يحسمها الجانب العراقي مؤيدا بمواقف القوى الدولية وليفرض على الإيرانيين تجرع كأس السم وقبول قرار وقف إطلاق النار رقم 598 لعام 1988 .

بداية سقوط الديكتاتورية الفاشية في العراق

كان واضحا بأن العراق قد كسب الحرب تكتيكيا ولكن على مستوى الفعل الإستراتيجي لم يكن النصر مضمونا بسبب مغامرات القيادة العراقية وسياستها الاستعراضية المعتمدة على البلطجة و المغامرة والطموحات القيادية المريضة والتصرفات الهوجاء لسياسة حاكم فرد لا يردعه رادع ولا يستجيب لأية نصائح أو مستشارين .

لم يستطع النظام العراقي التواصل مع حالة السلام التي سادت بعد وقف إطلاق النار مع إيران و انكفاء الجانب الإيراني للاهتمام بالقضايا الداخلية وتثبيت السلطة بعد رحيل الخميني في حزيران 1989 بل أن الغرور وأوهام القوة و الطيش قد دفع بالنظام العراقي لمغامرة غزو و احتلال وضم دولة الكويت في أغسطس 1990 والتي سبقتها مناورات سياسية للهيمنة الإقليمية مثل تشكيل ما كان يسمى بمجلس التعاون العربي المكون من العراق والأردن ومصر و اليمن و الذي أراد العراق أن يكون محورا سياسيا يغطي مغامرته الكويتية التي كان يخطط لها .

تبدلت الأدوار و أنكفأ النظام العراقي بعد الهزيمة في الكويت عام 1991 وخضوعه لحصار دولي قاسي أدى في النهاية للإجهاز عليه واحتلال العراق بالكامل من قبل الجيش الأمريكي في واحدة من اكبر المتغيرات في تاريخ العلاقات الدولية المعاصرة ، ليستغل النظام الإيراني الفرصة المتاحة ويظهر أوراقه القديمة وليحقق نصرا إستراتيجيا رخيصا بهيمنته المطلقة على العراق الخصم القديم واللدود وليتوسع إقليميا من خلال تحالفاته مع النظام السوري وليمتد الدور الإيراني من كابل في أسيا الوسطى وحتى بيروت على البحر المتوسط وليشهد العصر الإيراني أزهى عصور انطلاقته وتحت حماية رايات المارينز و يالسخرية الأقدار.

داوود البصري

مراجعة ملهم الملائكة

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW