قانون قيصر.. عقوبات على نظام الأسد قد تزيد معاناة السوريين
٩ يونيو ٢٠٢٠
حزمة عقوبات أريد لها أن تعزل كل من يتعامل مع حكومة بشار الأسد، لكن وفي ضوء سنوات الحرب الطويلة التي يرزح تحتها الشعب السوري، يحذر المعارضون لهذه العقوبات من أن تطبيقها سيلحق بالسوريين مزيداً من الضرر.
إعلان
في عام 2014 جلس "قيصر"، وهو الاسم الرمزي لمصور عسكري سابق عمل مع الشرطة العسكرية للنظام السوري، أمام أعضاء من الكونغرس الأمريكي وشرح لهم مضامين 55 ألف صورة تكشف عن جرائم قتل وعمليات تعذيب منظمة أقدمت عليها حكومة نظام الأسد.
الصور التي يقول قيصر إنه قد هرّبها خارج البلاد تظهر ألوف الجثث التي جرى اقتلاع أعينها، وجثث أخرى بترت أطرافها وفظاعات أخرى مورست في مراكز الاعتقال السورية، المحققون تأكدوا من حقيقة الصور رغم إعلان وزارة العدل السورية أنها صور مزورة.
اليوم وبعد مرور 6 سنوات على تلك الواقعة، تنوي الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على النظام السوري تحمل مسمى "قانون قيصر". وقد تطال أيضا داعمي النظام الدوليين، وبهذا السياق يقول أسامة فيلكس درة، وهو سكرتير منظمة المجتمع المدني الألماني السورية المعروفة باسم "اتحاد المنظمات الألمانية السورية" وهو واحد ممن ساهموا في توثيق ما كشفت عنه صور قيصر: "هذا ما كنت أصبو إليه منذ البداية، لا بد من فرض عقوبات على كل من يتعامل مع النظام، لأنه لا توجد طريقة أخرى للتفاوض مع الأسد". ويمضي درة إلى القول "لا نملك اسلوباً آخر للتعاطي معهم، إنهم أقسى المجرمين على وجه الأرض ممن يمكن للمرء أن يلتقيهم".
تجريد الأسد من داعميه
العقوبات الأمريكية والأوروبية القائمة حالياً تطال رموز نظام الأسد وقطاع النفط السوري، أما العقوبات الجديدة فيراد لها أن تحقق مستوى أعلى من الشدة، على حد وصف درة الذي يوضح أنّ العقوبات الجديدة ستطال شركاء الحكومة السورية. وتتوخى العقوبات سد الثغرات الموجودة في العقوبات الحالية من خلال معاقبة كل من يتعامل مع البنك المركزي السوري والقوى الجوية وقطاع النفط، والمجموعات الأجنبية التي تقاتل إلى جانب بشار الأسد، علاوة على دول مثل الصين، دولة الإمارات وروسيا التي قد تسعى إلى تمويل وتنفيذ عمليات إعادة الإعمار في سوريا.
الداعمون لحزمة العقوبات الجديدة يريدون إعاقة عمليات إعادة الإعمار لسببين: الأول، أن نظام الأسد قد صادر أملاك اللاجئين السورين الذين هربوا من بطشه، للاستفادة من إعادة إعمارها، وهو جزء من "مشروع ديموغرافي يصفه البعض بأنه تطهير عرقي" على حد وصف معتز مصطفى، رئيس منظمة" سيرين إيميرجنسي تاسك فورس" وهي من منظمات المجتمع المدني التي دعمت إصدار حزمة العقوبات الجديدة.
ويمضي مصطفى إلى القول "إن بشار الأسد يقدم عروضاً مغرية للدول التي قد تشارك في إعادة تأهيل نظامه على المستوى الدولي. وهذه العقوبات تحرم نظام الأسد من نصره العسكري، فيما لو أتيح له تحقيق هذا النصر".
إضعاف النظام
لكن مدى قدرة حزمة العقوبات الجديدة على إضعاف بشار الأسد أو اجباره على التنحي عن منصبه، أو إلزامه بتحقيق اصلاح وتغيير ممارساته لا يبدو مؤكداً بعد. وفي هذا السياق يقول درة"يواجه النظام نقداً غير مسبوق يصدر عن قاعدته الوفية له لأنَ الاقتصاد ينحدر إلى مستوى العدم، والناس يواجهون واقعاً قاسياً مفاده أن الأسد لا يضمن لهم الخبز ولا الحرية".
"قانون قيصر" الذي يتزامن صدوره مع تخلي الأسد علناً عن ابن خاله رامي مخلوف، قد يقلق الأوفياء للنظام ويدفعهم إلى سحب أموالهم من البلد ما يضعضع تماسك النظام، على حد وصف خضر خضور وهو محلل سياسي يعمل في مجلة "ديوان" التي تصدر عن مركز الشرق الأوسط التابع لمعهد كارنيغي الأمريكي، وكتب خضور بهذا الصدد يقول: "الانهيار المرتقب قد يأتي بأثر مدمر".
أما منتقدو العقوبات فيذهبون إلى أن الأسد، الذي لم يغير مواقفه رغم خروج ثلاثة أرباع البلد عن سلطته، ورغم معاناة ألوف من داعميه بسبب الخسائر التي حلت بهم، لا يؤمل أن يبدي مرونة أكبر ليضمن حصول بلاده على رؤوس أموال بشكل استثمارات، على حد وصف آرون لوند، وهو زميل في مؤسسة "ذا سنيتشري" البحثية الأمريكية.
ويمضي لوند إلى القول "في السيناريو المرتقب، سيقود التعويل على مزيد من العقوبات دون هدف متوخى واضح، إلى مزيد من الإفقار والمعاناة لسكان البلد، علاوة على أنها (العقوبات) ستعيق وتمنع عمليات إعادة الاعمار المطلوبة لتحقيق استقرار أساسي يمكّن المهجرين والنازحين من العودة إلى مناطقهم والعودة على الحياة الطبيعية فيها".
ويعاني نحو 80% من السوريين حالياً من الفقر بسبب تدني القوة الشرائية لليرة السورية وسقوطها إلى الحضيض.
"الأسد أو نحرق البلد"
ويقول المدافعون عن حزمة العقوبات الجديدة أنها تحتوي إعفاءات مهمة يراد منها تخفيف أثرها على السكان المدنيين، وفي المقابل تشديد الأثر على من تسببوا في دمار سوريا. وفي هذا السياق يقول الناشط معتز مصطفى: "في نفس الوقت، لا أظن أنّ هذه الحزمة هي الرصاصة التي ستقضي على النظام أو أنها ستوقف الحرب وتنهي عمليات القتل، بل لا أظن أنها ستقود إلى عملية سياسية من نوع ما"، على حد تعبير الناشط المدني السوري الذي عمل ضمن مشروع قيصر.
ويمضي مصطفى إلى القول "ومع ذلك، تبقى حزمة العقوبات الجديدة أداة فاعلة تفتح للشعب السوري باب أمل جديد، ولو جرى تطبيقها بحزم، وبتزامن مع سياسات أخرى ذات صلة، فإنها قد تؤدي إلى حلول سياسية للأزمة".
لكنّ غياب سياسة أمريكية ملموسة على أرض سوريا يجعل منتقدي المشروع أكثر تشككاً في جدواه. وفي هذا السياق يقول لوند "يبدو أن الجانبين يتحركان وفق شعار (الأسد أو نحرق البلد)، فقد كشف أحد طرفي النزاع عن إصراره على قصف وتجويع وتدمير المدن السورية لإيقاف مشروع إزالة نظام الأسد، فيما يبدو الجانب الآخر عازماً على تدمير اقتصاد سوريا في مسعى للإبقاء على لهيب الحرب مشتعلاً إلى الأبد لحرمان الأسد من فرصة إعلانه النصر".
توم ألينسون / م.م
محطات في الدور الألماني خلال الأزمة السورية
إلى جانب الدور الإنساني، لعبت ألمانيا أدوارا أمنية وسياسية في الأزمة السورية. وعلى مدى سبع سنوات، لم تتخلف برلين عن تسجيل حضورها في ملفات الأزمة داعية دائماً إلى وقف الحرب و"الجرائم ضد الإنسانية" في سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
منفذ اللاجئين
منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011، يبحث السوريون عن منافذ لمغادرة بلدهم نحو بلدان أكثر أمانا. وكانت ألمانيا واحدة من المنافذ التي فتحت الباب أمامهم منذ 2015، كما أتاحت لهم فرصة النفاذ من ويلات الحرب حتى صار عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية، عام 2017، يقدر بحوالي 699 ألف شخص، في ألمانيا، أي ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد، حسب ما أفاد "مكتب الإحصاء الاتحادي".
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Pförtner
"ماما ميركل" محبوبة اللاجئين السوريين
لعبت قرارات ميركل في ملف اللاجئين دورا رياديا. وكان قرارها الشهير عام 2015، بفتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين السوريين خاصة وقد وصلوا أوروبا عبر البحر المتوسط، محط أنظار العالم بأسره، إذ لم تقف عند "اتفاقية دبلن" و"فضاء شينغن" والهدنة مع دول أوروبا الشرقية. وتمسكت بشعارها "نستطيع أن ننجز ذلك"، في إشارة منها إلى تفاؤلها بالتغلب على أزمة اللاجئين. قرارات ميركل جعلتها تُنعت بـ"ماما ميركل".
صورة من: Reuters/F. Bensch
إدماج وإندماج
تعمل ألمانيا بشكل مكثف على إدماج اللاجئين في الحياة العامة. وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تعليم اللغة وتوفير دورات للاندماج ، فضلا عن دورات التأهيل للعمل لصالح اللاجئين. علاوة على ذلك، يحظى الأطفال باهتمام خاص، إذ يذهبون، بعد وصولهم بفترة بسيطة إلى ألمانيا، إلى المدارس أو إلى دور الحضانة وذلك بهدف الانفتاح على العالم الجديد والتأقلم معه.
صورة من: picture-alliance/W. Rothermel
إنقاذ وتطبيب ومليارات اليورو للدعم
قدمت ألمانيا مساعدات كثيرة للسورين خلال الحرب. فبالإضافة إلى التطبيب، رصدت عام (2017) للمساعدات الإنسانية في سوريا 720 مليون يورو. فضلا عن 2.2 مليار يورو، قدمتها لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2012، وكان وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل، قد تعهد بعشرة ملايين يورو إضافية للمساعدات المقدمة لسوريا في ظل الوضع المأساوي في الغوطة الشرقية.
صورة من: Ärzte ohne Grenzen
مساعدات إنسانية في الداخل والخارج
لا تنحصر المساعدات الإنسانية الألمانية على المحتاجين اليها في سوريا فحسب، بل تشملهم في ألمانيا أيضا، حيث تتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني لمد اللاجئين بالمعونة الضرورية، خاصة في الأيام الأولى من التحاقهم. وتعتبر موائد "تافل" من بين الجهات التي يتوجه إليها اللاجئون بهدف الحصول على الطعام.
صورة من: DW/B. Knight
حضور ألماني أنساني حتى في مخيمات اللجوء عبر العالم
تقديم ألمانيا لمساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين لا يقتصر على سوريا أو ألمانيا، وإنما يتجاوزه وصولاً الى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان، مثلا. وقد مولت الحكومة الألمانية مشاريع مهمة في المخيمات، كمشروع الكهرباء الذي استفاد منه مخيم الزعتري والذي بلغت طاقته 12.9 ميغاوات. وبالإضافة إلى توفير الكهرباء، فقد أتاحت المحطة بيئة أكثر أماناً للأطفال والبالغين في هذا المخيم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B.v. Jutrczenka
إنقاذ من الجوع والعطش
عانى الدمشقيون من ندرة المياه وانقطاعها المتواصل بسبب الحرب واستمرار المعارك، خاصة في منطقة وادي بردى، قرب دمشق. وكانت الحكومة الألمانية أول من بادر لحل هذا المشكل، إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، إن دبلوماسيين ألمانا ساعدوا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في وادي بردى، بهدف إعادة إمدادات المياه إلى دمشق.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
محاربة داعش
شارك الجيش الألماني في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم داعش في سوريا. وقد شارك في العملية ما يناهز 1200 جندي ألماني. المهمة العسكرية الألمانية في سوريا، شملت عناصر المشاة، إضافة إلى طائرات استطلاع من نوع "تورنادو" وطائرة للتزود بالوقود وسفينة حربية لدعم حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في البحر المتوسط، فضلا عن عمليات استطلاعية عبرالأقمار الصناعية.
صورة من: Getty Images/Hulton Archive/USAF
اتفاق مع تركيا ساهم في إنقاذ أرواح آلاف من طالبي اللجوء
في بدايات عام 2016، وقع الاتحاد الأوربي وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أراضي الاتحاد. هذا الاتفاق الذي تعرض لانتقادات، وتبعه توتر كبير بين الطرفين التركي والأوروبي، كانت ألمانيا من بين مناصريه. فقد اعتبرته اتفاقا ناجحا ما دام قد حقق هدفه، و"ساهم في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال"، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
صورة من: Reuters/Yves Herman
محاربة الأسلحة الكيماوية
لعبت ألمانيا دورا بارزا في محاربة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قد أعلنت دعمها للضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أهداف منتخبة في سوريا يوم 14 أبريل/ نيسان2018، كما رأتها "ضرورية وملائمة للحفاظ على فعالية الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولتحذير النظام السوري من ارتكاب انتهاكات أخرى".
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
ألمانيا وسيط محايد محتمل و"رسول سلام"
تساءل البعض عن سبب عدم مشاركة ألمانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري، فيما أعتبر آخرون إمكانية لعب ألمانيا دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع. وتشير معطيات إلى إمكانية تأثير ألمانيا في إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي أكد أن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة. مريم مرغيش.