قبل إقرار الاتفاق السوداني.. قوى المعارضة ليست على وفاق!
١٤ أغسطس ٢٠١٩
قبل أيام على التوقيع النهائي على اتفاق الإعلان الدستوري في السودان والمقرر في الـ17 من أغسطس، لا تبدو المعارضة في وضع جيد. فقد فشلت محادثات القاهرة بين قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية التي تضم الحركات المسلحة.
إعلان
لم تُفض المحادثات السودانية بين قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية، التي استضافتها العاصمة المصرية خلال الأيام الأولى لعيد الأضحى، لتقدم في السعي نحو تحقيق وفاق بين هذه القوى. فقد خرج المتحدث باسم الجبهة الثورية ورئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، من المباحثات ليعلن صراحة بالمؤتمر الصحفي الذي عُقد بالقاهرة أول أمس الاثنين أن "الصراع في السودان هو في الأساس صراع حول سلطة سياسية".
كان التوقيع المبدئي على وثيقة الإعلان الدستوري، والذي يمهد لتكوين مجلس وزراء ومجلس سيادي مقسم بين قوى مدنية وعسكرية ومجلس تشريعي، قد تم ببداية الشهر الجاري لحين إقرار الإعلان الدستوري رسميا خلال الأيام القليلة المقبلة.
وبعد بضعة أيام من إعلان التوصل لاتفاق مبدئي بين القوى المدنية السودانية والمجلس العسكري الانتقالي، بدأت الخلافات في الظهور، أبرزها تحفظ الجبهة الثورية السودانية المكونة من ثلاثة حركات مسلحة؛ تحرير السودان والحركة الشعبية والعدل والمساواة.
كما قرر تجمع المهنيين السودانيين، والذي يعد واحد من المكونين الرئيسيين لجبهة الحرية والتغيير، عدم المشاركة في السلطة المُزعم تكوينها في مستوييها السيادي والتنفيذي "على أن يشارك في السلطة التشريعية كسلطة رقابية"، وفقا لبيان منشور عبر حسابهم الرسمي على مواقع التواصل الاجتماعي.
"الشارع السوداني ينتظر الوصول لوفاق"
وفي حوار أجرته DW عربية، أكد الناشط السياسي السوداني شرف الدين أحمد آدم على أن الشارع السوداني "ينتظر في صمت وحذر الوصول لوفاق" قائلا: "الخلاف وقع بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية بسبب الوثيقة، ولكن هناك قوى أخرى كبيرة ذات وزن سياسي وقاعدة جماهيرية يجب أن تُأخذ في الاعتبار، حتى أن بعض الشباب الفاعل في الشارع تم تهميشه، والشعب أصحاب المصلحة الأولى لم يتم الأخذ برأيه".
ولعل أحدث علامات غياب الوفاق العام في المشهد السوداني، وربما الأقل حدة أيضا، قبل أيام من التوقيع على وثيقة الإعلان الدستوري، هو تنديد قوى الحرية والتغيير اليوم بقيام المجلس العسكري ومن وصفوهم بـ "أعداء الثورة" بمسح جداريات الثورة من شوارع منطقة القيادة العامة وبعض شوارع الخرطوم معتبرين ذلك "انتهاكاً واضحاً وامتداداً مقصوداً لطمس أحد أهم ملامح الثورة"، وفقا لبيانا رسميا صدر اليوم الأربعاء (14 أغسطس/ آب).
المحادثات في مصر
وعبر حسابه على موقع تويتر، أعلن رئيس حركة وجيش تحرير السودان، إحدى فصائل الجبهة الثورية، مني أركو مناوي، فشل المفاوضات الأخيرة التي شهدتها القاهرة بين الحرية والتغيير والجبهة الثورية.
وأصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانا حول استضافة القاهرة للاجتماعات بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية بغرض "تحقيق السلام في السودان ودعماً للوثيقة الدستورية والحكومة السودانية الجديدة في سعيها لتحقيق تطلّعات الشعب السوداني"، كما شدّدت الوزارة في بيانها على مواصلة مصر لاتصالاتها مع الجميع سواء داخل السودان أو دول الجوار.
وكانت مصر قد استضافت الاجتماعات عقب اتفاق الأطراف السودانية على استئناف الحوار في بلد أجنبي بخصوص تضمين اتفاقية السلام بشأن الحركات المسلحة، التي تم إبرامها في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الشهر الماضي، في وثيقة الإعلان الدستوري.
ويؤكد الناشط السياسي السوداني شرف الدين أحمد آدم على أهمية الدور المصري، لكنه يرى أن الدافع وراءه هو الرغبة في "لعب دور الوسيط الإقليمي ونقل السودان من إثيوبيا إلى مصر" قائلا: "هناك قوى سياسية لم تشارك في محادثات القاهرة ويجب على قوى إعلان الحرية والتغيير والجبهة الثورية إدراك أن المشكلة السودانية لن يتم حلها من خلال التفاوض بينهما فقط، فالمشكلة في السودان معقدة جدا".
"قوى الهامش" تسعى للخروج منه
ولعل العلامة الإضافية على التوتر الذي يشوب الأجواء السياسية السودانية بسبب تحفظ بعض القوى المدنية في السودان على بنود الإعلان الدستوري، دعوة ما تم وصفه بـ "قوى الهامش" للتظاهر في السادس عشر من الشهر الجاري، قبل يوم واحد من التاريخ المحدد لتوقيع الاتفاق التاريخي السوداني.
وفي حواره مع DW عربية، يشرح الناشط السياسي السوداني شرف الدين أحمد آدم الغرض من التظاهر قبل توقيع وثيقة الإعلان الدستوري موضحا: "الهدف من الدعوة للتظاهر هو تسليم مذكرة لكل من الحرية والتغيير والمجلس العسكري للإشارة إلى التحفظ على بعض نقاط الوثيقة والتأكيد على أن الشعب هو صاحب المصلحة والوجع والألم ويجب الاستماع إلى صوته من جانب كافة المفاوضين قبل مشاركة أي أشخاص في أي مجالس".
وكانت أنيته فيبر، الباحثة بالمعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في العاصمة الألمانية برلين، قد اعتبرت، في تصريحات سابقة لـ DW عربية، إن سيادة القانون وقطاع الأمن والاقتصاد هي القضايا الأكثر إلحاحا في السودان حيث قالت: "داخل الحركة الاحتجاجية نفسها هناك مجموعات مختلفة للغاية تمتد من الحزب الشيوعي مرورا بالنقابات إلى الحركات الإسلامية، هذه الأطياف اتحدت ضد الدكتاتور وجمعتها العلاقة المتوترة مع المجلس العسكري، الآن ستطرح هذه الاختلافات تحديات ويجب على هذه الأطرافأن تنجح في إيصال تصوراتها إلى المفاوضات".
ويتفق الناشط السوداني شرف الدين أحمد آدم مع الباحثة الألمانية حول أهمية أخذ مشاكل الشعب السوداني الحقيقة ومعاناته لسنوات طويلة في الاعتبار قائلا: "نتمنى أن تكون هناك انتخابات مبكرة لمجلس أو جمعية تأسيسية لضمان تمثيل جميع القوى قبل الوصول لأي اتفاق وإلا سيكون هذا الاتفاق المُزعم عقده بمثابة إعلان سياسي فقط". كما عبر شرف الدين عن تخوفه من أن "تكون وثيقة الإعلان الدستوري قاسمة أكثر منها جامعة في الفترة المقبلة".
دينا البسنلي
السودان.. محطات من صراع المعارضة مع العسكر
السودانيون بين الأمل والقلق حول مستقبل أوضاع بلادهم. في الصباح يستيقظون على أنباء إحباط محاولة إنقلابية وفي المساء تأتي أخبار بالتوصل لاتفاق بين العسكر وقوى المعارضة. في صور: محطات الصراع على السلطة بين المحتجين والجيش.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
إعلان الوساطة الإفريقية الإثيوبية المُشتركة الجمعة (12 يوليو تموز 2019) بأن قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة والمجلس العسكري الإنتقالي في السودان توصلا إلى اتفاق كامل بشأن "الإعلان السياسي" المُحدد لكافة مراحل الفترة الإنتقالية، وخارطة طريق لتنظيم الانتخابات. هذا الإعلان يأتي في وقت لم تُبدد فيه بشكل نهائي المخاوف من تعطيل انتقال السلطة للمدنيين.
صورة من: AFP/Getty Images/A. Shazly
في الحادي عشر من يوليو/ تموز استيقظ السودانيون على بيان للمجلس العسكري الحاكم يعلن فيه أن مجموعة ضباط حاولوا القيام "بانقلاب عسكري" لتقويض اتفاق بين الجيش والمعارضة لاقتسام السلطة لفترة مدتها ثلاث سنوات يعقبها
إجراء انتخابات. الغموض ما يزال يحيط بأهداف مدبري محاولة الإنقلاب وارتباطاتهم.
صورة من: picture-alliance/AA
احتجاجات سلمية
لأسابيع طويلة صمد المتظاهرون السودانيون أمام مقر وزارة الدفاع. آلاف المحتجين كانوا يطالبون بمجلس انتقالي يحدد فيه المدنيون مستقبل البلاد. ولكن في مطلع حزيران/ يونيو 2019 تحرك العسكر لفض الاعتصام بقوة السلاح ما أسفر عن مقتل العشرات وجرح المئات.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
باسم الأمة..
متظاهر يحمل علم السودان بالقرب من المقر الرئيسي لقيادة الجيش. العلم يرمز إلى مطلب المتظاهرين في المشاركة بشكل متساو في رسم مستقبل البلاد، والمقصود مشاركة الشعب والجيش على قدم المساواة في ذلك. ولو حدث ذلك، سيكون خطوة مهمة على طريق الديمقراطية.
صورة من: Reuters
إشارات تحذيرية
قبل أيام من فض الاعتصام، كان هناك حضور قوي للجيش. ورأى الكثير من المتظاهرين في ذلك أن الجيش ربما لا يبدو مستعدا لتسليم السلطة للمدنيين، حسب ما كان يأمله السودانيون بعد الإطاحة بالديكتاتور عمر البشير.
صورة من: Getty Images/AFP
نهاية حقبة
هيمن الرئيس المخلوع عمر البشير على السلطة منذ عام 1993 وحتى الإطاحة به في نيسان/ أبريل 2019. قمع معارضيه بكل قسوة. ومن أجل الحفاظ على سلطته أمر البشير بحل البرلمان عام 1999. في تلك الفترة كان زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أسامة بن لادن يجد في السودان ملاذا آمنا له. لكن اسم البشير يبقى مرتبطا بشكل وثيق مع الحر ب ضد الانفصاليين في إقليم دارفور.
صورة من: Reuters/M. Nureldin Abdallah
الديكتاتور أمام المحكمة
كثير من السودانيين كانوا يأملون في رؤية الديكتاتور وهو يمثل أمام المحكمة. أمل تحقق بالفعل عندما بدأت جلسة محاكمة عمر البشير في الـ 16من حزيران/ يونيو. وكانت التهم الأولية الموجهة إليه تتمثل في الفساد وحيازة عملات أجنبية بكميات كبيرة. فبعد سقوطه وجد رجال الأمن في قصره أكياسا مليئة بالدولارات قدرت بأكثر من 100 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Hjaj
حضور قوي للمرأة
كان للمرأة السودانية حضور قوي في الاحتجاجات، حيث تتمتع المرأة بحرية أكبر منذ بدء الاحتجاجات. المرأة السودانية لا تقوي الاحتجاجات من حيث العدد فقط، بل تدعمها نوعيا أيضا، فهي التي أعطت الاحتجاجات وجها سلميا آخر. حضور المرأة في الاحتجاجات جسد رغبة الكثير من المواطنين في الديمقراطية والمساواة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
أيقونة الثورة!
أصبحت طالبة كلية الهندسة المعمارية آلاء صلاح، وجها بارزا من وجوه الثورة. وهذه الصورة التاريخية التقطها مصور كان حاضرا عندما صعدت آلاء إلى سطح سيارة لتلقي خطابا أمام المحتجين. ومنذ ذلك الوقت تشهد هذه الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي مشاركة واسعة. صور من هذا النوع تعتبر من أدوات الثورة المهمة، فهي ترمز إلى الهوية الانتماء.
صورة من: Getty Images/AFP
تضامن عالمي
بفضل شبكات التواصل الاجتماعي تنتشر أخبار الاحتجاجات بسرعة حول العالم، وهذا ما حدث مع احتجاجات السودان. التي حظيت بعم معنوي عالمي كبير، كما تظهر هذه الصورة بمدينة ادينبورغ في سكوتلندا، حيث تطالب سيدة بوقف قتل المدنيين في السودان. كما أعلن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي عن موقفهم في بيان رسمي للاتحاد الأوروبي طالبوا فيه بوقف فوري لكل انواع العنف ضد الشعب السوداني.
صورة من: picture-alliance/EdinburghEliteme/D. Johnston
دعم للجيش أيضا
لكن ليس كل السودانيين شاركوا في الاحتجاجات ضد العسكر. فهناك من يدعمهم، حيث يأملون في تشكيل حكومة صارمة. ويعتقد أنصار الجيش أنه فقط ومن خلال العسكر يمكن ضمان مستقبل مزدهر للبلاد. ويضعون أملهم هذا في شخص الجنرال عبدالفتاح برهان رئيس المجلس العسكري الذي يحملون صورته.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
في انتظار فرصته
لكن الرجل القوي الفعلي في السودان هو الجنرال محمد حمدان دقلو المعروف باسم "حميدتي". فهو الرجل الذي يعتقد أنه أمر القوات بفض الاعتصام أمام مقر القيادة العسكرية بقوة السلاح. وكان الجنرال قائدا لميليشيات "بالجنجويد" التي قمعت المتمردين بكل قسوة ووحشية في دارفور. ويخشى المتظاهرون من أن يصبح هذا الجنرال الرجل الأول في البلاد.
صورة من: Reuters/M.N. Abdallah
قلق في الخليج
أثارت أحداث السودان قلق السياسيين في دول أخرى، مثل محمد بن زايد آل ثاني، ولي العهد في دولة الإمارات العربية المتحدة. كما تخشى السعودية، حالها في ذلك حال الإمارات، من أن نجاح الاحتجاجات في السودان يعتبر بمثابة نجاح الثورة "من تحت" وقد يصبح مثالا يحتذى به في المنطقة. ولهذا تدعم السعودية والإمارات عسكر السودان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Ministry of Presidential Affairs/M. Al Hammadi
الجار الشمالي يراقب بقلق!
في القاهرة تتجه الأنظار بكثير من القلق والريبة والشكوك إلى الخرطوم. وتخشى حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي أن تساهم أحداث السودان في زيادة نفوذ جماعة الإخوان المسلمين التي تحاربها في مصر بكل قوة. وإذا تمكنت الجماعة من ترسيخ أقدامها في السودان، كما تخشى مصر، فإن ذلك قد يساهم في إعادة القوة إليها في مصر أيضا.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/MENA
احتجاجات لا تنتهي
في غضون ذلك تستمر الاحتجاجات في السودان. ففي يوم الجمعة (14 حزيران/يونيو 2019) طالب صادق المهدي أحد قادة المعارضة السودانية منذ عقود، بتحقيق رسمي في عملية فض الاعتصام بالقوة. الطلب أثار غضب العسكر. والاحتجاجات في السودان تدخل في مرحلة جديدة. كيرستن كنب/ ح.ع.ح