ما الذي دفع ترامب لاتخاذ قرار قتل الجنرال قاسم سليماني، بينما توقف رئيسان أميركيان قبله وهما أوباما وبوش كثيراً عند هذا القرار. هل قللت الإدارتان السابقتان من خطر رجل إيران القوي أم كانت لهما حسابات أخرى؟
إعلان
يتساءل كثيرون عن مغزى قرار الرئيس الأميركي ترامب قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني، الأمر الذي لم يختره الرؤساء الأميركيون السابقون، بل قرروا تجنب القضاء على الشخصية الرئيسية للنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط الذي كان يعرقل السياسة الأميركية في المنطقة.
فأسلاف ترامب كانوا يخشون من أن يتسبب اغتيال قاسم سليماني، قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري والمكلف بالتخطيط وتنفيذ العمليات الخارجية لإيران، بحرب جديدة في المنطقة في وقت أنّ القوات الأميركية موجودة على الأرض في كل من أفغانستان والعراق.
لكن بعد مناوشات دامت ثلاث سنوات مع الفصائل الموالية لإيران في المنطقة والتي بلغت ذروتها هذا الأسبوع مع هجوم على السفارة الأميركية في بغداد، وكتابة جملة (قائدي سليماني) على جدار السفارة الأميركية في بغداد، اختار ترامب المجازفة.
رئيس أركان الجيش الأميركي مارك ميلي قال أمس الجمعة (الثالث من كانون الثاني/ يناير 2020) إن لم يتمّ استهداف سليماني "كنا سنُتهم بالإهمال". وأضاف ميلي "كانت في حوزة الولايات المتحدة معلومات مؤكدة مفادها أن سليماني كان يخطط لأعمال عنف أكبر بكثير". وأوضح "خطر عدم التحرك كان أكبر من خطر التحرك". ولم يكشف اي تفصيل عن الهجمات التي كان يخطط لها سليماني، لكن مسؤولا كبيرا في وزارة الدفاع أعلن أنه تمّ تسريع العملية من باب الصدفة. وقال المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه إن سليماني "وصل إلى المطار وسنحت لنا الفرصة". وتابع "استغلينا الفرصة استنادا إلى أوامر الرئيس".
مجازفة محسوبة العواقب؟
وحذر عدد من النواب والخبراء الأميركيين من أن ما حصل ساهم في تصعيد التوتر مع إيران وقد يدفع بالبلدين إلى حرب مفتوحة. واعتبر الباحث ماكس بوت من مجلس العلاقات الخارجية في مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أن قتل سليماني كان قرارا خطيرا. وأوضح أن "العملية جعلت منه أكبر قائد عسكري أجنبي تقتله الولايات المتحدة منذ إسقاط الطائرة التي كانت تقل الأميرال إيسوروكو ياماموتو في 1943"، في إشارة إلى الياباني الذي خطّط لهجوم بيرل هاربور في كانون الأول/ديسمبر 1941.
وذكرت النائبة الديموقراطية إليسا سلوتكين، وهي محللة سابقة في مكتب التحقيقات الفدرالي (سي آي ايه) وخبيرة في الفصائل الشيعية عملت في البنتاغون خلال إدارتي جورج دبليو بوش وباراك أوباما، أن هذين الرئيسيين تساءلا عن جدوى اغتيال سليماني.
وغردت على موقع "تويتر"، "سؤال واحد منع رئيسين أميركيين أحدهما ديموقراطي والآخر جمهوري من تصفية سليماني"، وهو "هل تستحق غارة جوية عمليات الرد عليها واحتمال زجنا في نزاع؟".
وقالت "خلصت الإدارتان اللتان عملت لحسابهما بأن الغاية لا تبرر الوسيلة. لكن إدارة ترامب قامت بحسابات أخرى".
وأكد نيد برايس الذي كان مستشارا أيضا لأوباما لفرانس برس أن "إدارة أوباما لم تقلل يوما من أهمية دور" سليماني وخصوصا نفوذه الذي يمتد أبعد من الشرق الأوسط. وتابع "نفوذه يمتد أيضا إلى الغرب"، موضحا أن فيلق القدس قادر على التحرك في أوروبا وأميركا الجنوبية والولايات المتحدة حيث اتُهم في 2011 بمحاولة اغتيال السفير السعودي.
واتخذ ترامب موقفا مغايرا لسلفه من خلال الانسحاب في 2018 من الاتفاق الدولي حول برنامج إيران النووي الذي تفاوض بشأنه أوباما، واختار ممارسة "أقصى ضغوط" على نظام طهران من خلال فرض عقوبات اقتصادية صارمة.
وردت طهران بمحاولة وقف الملاحة البحرية في الخليج من خلال إسقاط طائرة مسيرة أميركية فوق مضيق هرمز وقصف منشآت نفطية في السعودية. وعادت سياسة ترامب بالفائدة خصوصا على الأشخاص الأكثر تشددا في النظام الإيراني مثل سليماني، بحسب ما يقول جيل بارندولار من مركز "ديفنس برايوريتيز" للأبحاث لفرانس برس. ويضيف "ساهم ذلك في زيادة نفوذه في إيران". ويرى الخبير في الشؤون الإيرانية ويل فالتون أنه في الماضي كان خطر قتل سليماني يعتبر مرتفعا جدا. ويضيف "اتسعت رقعة مهامه ونفوذه، وقررت إدارة ترامب أن نفوذ سليماني وقدرته على تحريك الأحداث في المنطقة تحولا الى تهديد خطير جدا يجب معالجته".
ع.خ/ م.م ( ا ف ب)
قاسم سليماني.. نهاية دموية لجنرال إيران النافذ بالمنطقة العربية
ساعد الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في بسط نفوذ إيران في دول عربية عديدة، لكن نهايته جاءت مفزعة في ضربة جوية أمريكية بالعراق. كان يعتبر ثاني أقوى رجل في إيران، وفتح مقتله الباب لنتائج غير معلومة العواقب.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Al-Rubaye
نهاية مفاجأة
في ساعة مبكرة من صباح الجمعة (الثالث من يناير/ كانون الثاني 2020) أعلنت الولايات المتحدة أنها نفذت ضربة جوية على مطار بغداد الدولي، أدت لمقتل عدد من الأشخاص على رأسهم الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، التابع للحرس الثوري الإيراني، ما يمثل نهاية مفاجأة لشخص كان لاعبا كبيرا في الجزء الشرقي من العالم العربي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Office of the Iranian Supreme Leader
احتراق مركبته مع قادة بالحشد الشعبي
نُفذت الضربة ليلة الجمعة وقتل فيها معه أبومهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي. وكان الحشد قد أعلن فجر الجمعة عن مقتل خمسة من أعضائه بقصف استهدف مطار بغداد، وذكرت مصادر الحشد أن بينهم محمد رضا الجابري مسؤول التشريفات. أما خلية الاعلام الأمني التابعة لرئاسة الوزراء العراقية فقالت: "ثلاثة صواريخ سقطت على مطار بغداد.. قرب صالة الشحن الجوي، ما أدى إلى احتراق مركبتين اثنتين.."
صورة من: AFP/Iraqi Military
عقود في خدمة التمدد الإيراني بالمنطقة
عين المرشد الأعلى للثورة الإيرانية على خامنئي الجنرال سليماني قائدا لفيلق القدس في عام 1998، وهو منصب ظل فيه خلف الكواليس لسنوات بينما كان يعزز روابط إيران بحزب الله في لبنان وحكومة الأسد والفصائل الشيعية في العراق.
وبفضل نجاحات فيلق القدس، أصبح سليماني شخصية محورية في التمدد المطرد لنفوذ إيران في الشرق الأوسط، وهو ما صعّب على الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة كبح جماحه.
صورة من: FARS
محاربة الثوار في سوريا وداعش في العراق
مسؤول عراقي كبير سابق طلب عدم نشر اسمه قال في مقابلة عام 2014 "سليماني لم يكن رجلا يجلس على مكتب. كان يذهب إلى الجبهات لتفقد الجنود ويشهد المعارك". وحشد فيلق القدس الدعم للرئيس السوري الأسد عندما بدا على وشك الهزيمة في الحرب الأهلية المستعرة منذ عام 2011 كما ساعد الفصائل المسلحة على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. وفي الصورة هنا سلمياني يتحدث إلى جنود سوريين في شمال سوريا، في خريف 2015.
صورة من: khabaronline.ir
الجنرال ذو الشعر المصفف واللحية المشذبة
كان سليماني يخلط استراتيجيات الحرب بالسياسة، وكان حاضراً في نشاط إيران "الثوري" بالمنطقة، وخاصة العراق وسوريا ولبنان. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، زادت شهرته في الوقت الذي كان المقاتلون والقياديون في العراق وسوريا ينشرون صورا له في الميدان وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيها دوما بلحية مشذبة وشعر مصفف بعناية.
صورة من: Mehrnews
خامنئي- "انتقام عنيف ينتظر من قتلوه" !
قلّده خامنئي وسام ذو الفقار، وهو أعلى تكريم عسكري في إيران. وكانت هذه المرة الأولى التي يحصل فيها قائد عسكري على هذا الوسام منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979. وفي بيان بعد مقتل سليماني، قال خامنئي إن انتقاما عنيفا ينتظر "المجرمين" الذين قتلوه. وأضاف أنه رغم أن مقتل سليماني "يشعرنا بالمرارة" فإنه سيضاعف الحافز لمقاومة الولايات المتحدة وإسرائيل.
صورة من: Khamenei.ir
الرجل الثاني بعد المرشد ويتحدى ترامب
وقال المسؤول العراقي المذكور إنه "لا يسبقه في تسلسل القيادة سوى الزعيم الأعلى. عندما كان يحتاج الأموال كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج الذخيرة كان يحصل عليها وعندما كان يحتاج العتاد كان يحصل عليه".
وتحدى سليماني الرئيس الأمريكي علنا. وقال في مقطع فيديو نشر بالإنترنت "أقول لك يا سيد ترامب المقامر... اعلم أننا قريبون منك في مكان لا يخطر لك أننا فيه". وأضاف "ستبدأ أنت الحرب لكن نحن من سينهيها".
صورة من: Fararu
"عواقب لا يمكن التكهن بها"
عبّر نواب جمهوريون عن دعمهم لترامب الذي أمر بتنفيذ العملية، فيما حذّر آخرون من تداعياتها. وقال النائب الجمهوري البارز كيفن ماكارثي: "ضربنا قائد هؤلاء الذين يهاجمون أراضينا الأميركية ذات السيادة". في إشارة على ما يبدو لإحراق السفارة الأمريكية في بغداد. لكن الديمقراطي إليوت إنغل رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب قال إنها "تشكل "تصعيدا خطيرا لنزاعنا مع إيران مع عواقب لا يمكن التكهن بها".