1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

قصبة الجزائر تصارع الزمن والإنسان من أجل البقاء

٤ ديسمبر ٢٠١١

استبشر سكان القصبة بالجزائر العاصمة خيرا بالمخطط الذي أعدته وزارة الثقافة لترميم بنايات الحي المتصدعة التي يتساقط العشرات منها سنويا، ويأملون بعث روح القصبة "المحروسة" مجددا باعتبارها حاضرة تاريخية مهمة في الجزائر.

انقاذ قصبة الجزائر ضرورة حيويةصورة من: DW

يعود تاريخ بناء قصبة العاصمة الجزائر إلى العهد العثماني، فقد وضع حجرها الأساس القائد عروج بربروس عام 1516 فيما أكمل بناءها خيدر باشا سنة 1592.وكانت القصبة أيام مجدها قلعة صامدة أمام الأعداء وجوهرة جذابة للأصدقاء، وبقيت نموذجا للعمران ومزارا للسياح ومفخرة للأجداد، لكنها عانت في السنوات الأخيرة من الإهمال، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، وغياب مخطط فعال لحماية هذا الموروث التاريخي والمعماري الفريد، والذي صنفته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تراثا إنسانيا عالميا في عام 1992.

القصبة مهددة بالزوال

تعاني الكثير من دور وبنايات القصبة التي يقدر عددها اليوم بـ1816 بناية من تصدعات وانهيارات جزئية، الأمر الذي جعلها مهددة بالانهيار في أي لحظة على رؤوس قاطنيها، خاصة في فصل الشتاء، كما حدث في الكثير من المرات.ولفت نظرنا ونحن نجوب أزقة وحارات الحي العتيق الإهمال الكبير الذي آلت إليه البنايات والشوارع، رغم الأموال الكثيرة التي أنفقت منذ الاستقلال لإعادة ترميمها وجعلها قطبا سياحيا متميزا على غرار الأحياء والمدن العريقة في بلدان العالم.

ويقول المهندس عبد الوهاب زكاغ مدير وكالة استغلال المحميات الثقافية والتاريخية "إن السبب الرئيسي للتدهور الذي توجد فيه القصبة اليوم هو الطريقة غير سليمة التي اعتمدت للحفاظ عليها في السابق، فقد كان يتم تخصيص دراسات تدوم لسنوات وعندما تنتهي تكون غير ملائمة لوضع القصبة الجديد الذي يكون قد تدهور أكثر، ولهذا قمنا من خلال المخطط الدائم بعملية عكسية، أي عكس ما كان يحدث في السابق، فانطلقنا في تطبيق التدابير الاستعجالية ومن ثم الدراسات بكل أنواعها (اجتماعية، تاريخية، اقتصادية، باطنية، هندسية و..).

مطالب بإشراك السكان في مشروع إنقاذ القصبة في العاصمة الجزائرصورة من: DW

مطالبة بإشراك السكان في مشروع الترميم

من جهته يؤكد مراد بترونـي مدير الحماية القانونية للممتلكات الثقافية وتثمين التراث الثقافي "إن الوزارة جادة هذه المرة من أجل ترميم القصبة، وكل المدن التاريخية من خلال إزالة كل العراقيل والعقبات، والمرسوم التنفيذي لإعداد مخطط دائم لحماية وتثمين التراث والقطاع المحفوظ الذي سيصدر قريبا، تم فيه تبني قوانين ومفاهيم جديدة لكيفية حماية أصناف التراث المتعددة، وخاصة المدن التاريخية الحية (التي يعيش السكان بها)، ويضيف بترونـي لدوتشيه فيله، "لقد واجهتنا صعوبات كبيرة في حماية هذه المدن التاريخية، لأنها لم يكن معترف بها قانونيا كمعالم بحاجة إلى حماية، لكن هذا القانون سوف يتيح لنا صيانة هذا الإرث الثقافي والتاريخي وفق مخططات مدروسة بدقة من قبل مكاتب دراسات مختصة، للمحافظة عليها طبقا للحالة الأولى التي كانت عليها"، و عن دور اليونسكو في هذه العملية يقول بتروني" اليونسكو ليست جهة مانحة للأموال من أجل الترميم، فنحن نعتمد عليها فقط في تقديم الخبرة وتكوين المهندسين والخبراء فقط".

ويشتكى سكان القصبة الذين التقينا بهم من التباطؤ في تنفيذ مخططات الترميم، وعدم إشراكهم في إعداد المخططات وتنفيذها، كما عبروا لنا عن تخوفاتهم من التلاعبات التي تحدث في مشاريع الترميم من طرف المسؤولين المحليين. ويقول عبد القادر (44 عاما)، "نطالب بأن نكون أحد الأطراف الرئيسية في عملية الترميم لأن العملية في النهاية تخصنا نحن السكان الأصليين، وذلك حتى نضمن عدم التلاعب بالمخطط كما كان يحدث كل مرة، ترمم عمارات القصبة على الأوراق فقط، دون أن يحدث ذلك في الواقع".

اليونسكو توجه إنذارات للجزائر

ويري بلقاسم باباسي، رئيس مؤسسة القصبة والباحث في تاريخها، إن المخطط المرجعي الذي وافقت عليه وزارة الثـقافة لترميم القصبة جاء في وقته، خاصة و إن اليونسكو وجهت عدة إنذارات للجزائر جراء الإهمال الذي طال المصنف العالمي وسوف ينقذ الحي من خطر الزوال الذي يتهدده بسبب عوامل عديدة منها الزمن، الطبيعة والإنسان. ويؤكد باباسي في حديثه لدوتشيه فيله أن"المرسوم التنفيذي المزمع صدوره خلال الأيام القادمة لتطبيق مخطط إنقاذ القصبة سيعطي لعملية الترميم القيمة الرمزية التي تستحقها، يمكننا من تجاوز القصور والنقص الذي كان موجودا على مستوى النصوص القانونية التطبيقية الملزمة، فإنقاذ القصبة عملية تتجاوز ترميم البنايات، بل أكثر من ذلك". ويضيف باباسي"إن القصبة فلسفة حياة وروح تعيش في أزقة المدينة وحاراتها، ساهم التاريخ في صقلها، وحفظها إلى غاية الأزمنة الحديثة.

السيد بلقاسم بابسي رئيس مؤسسة القصبةصورة من: DW

من جهته يقول عمي دحمان (67 سنة) الذي وجدناه أمام منزله بالقرب من جامع كتشاوة، "لم تعد القصبة مثلما كانت في الماضي، لقد طغت الأوساخ والقاذورات على الماضي العريق، أين كانت القصبة، قلعة الثوار خلال الفترة الاستعمارية، ومنها اندلعت الشرارة الأولى لمعركة الجزائر الشهيرة، ومن أزقتها وحاراتها خرج الفنانون والمبدعون في شتى المجالات، لكن للأسف لقد رحل سكانها الأصليون إلى أحياء جديدة، ولم يعودوا يزورونها، وظلت القصبة هيكلا يتداعى دون روح".

الملكية... العائق الأخير

تواجه وزارة الثقافة الجزائرية في مشروعها لترميم القصبة مشكلة الملكية، حيث تعود 95 بالمائة من البنايات إلى الخواص، الذين يرفضون ترميم بيوتهم لأسباب مادية وأخرى متعلقة بالنزاعات بين الورثة، وهو ما يطرح مشكل تحديد المالكين الحقيقيين للكثير من البنايات. وصرح عبد الوهاب زكاغ للإذاعة الجزائرية أن "140 مالك تعرضت منازلهم للتصدع قد تقدموا أمام وكالة استغلال المحميات الثقافية والتاريخية بملفات بغرض بيع منازلهم للدولة أو المطالبة بمساعدة مالية لترميمها أو طلب إعادة إسكانهم". وأضاف المسؤول أنه بإمكان الدولة مساعدة المالكين"الحقيقيين"ماليا بنسبة 80 بالمائة للقيام بأشغال الترميم من خلال صندوق التراث.كما أشار زكاغ إلى أن أشغال ترميم منازل المالكين الذين تقدموا بملفات ستنطلق في يناير 2012 تزامنا مع المرحلة الثانية للأشغال الاستعجالية للمخطط، و يذكر أن قرابة 500 بيت مهددة بالسقوط منها 394 خضعت للتدابير الاستعجالية في المرحلة الأولى.

و يشدد صالح مزرطي الباحث في الآثار بجامعة الجزائر على أهمية إشراك جميع أبناء القصبة في المحافظة علي هذا التراث العالمي، وتنشيط الحركة السياحية من خلال إنشاء أحياء ثقافية - اقتصادية للأعمال اليدوية مثل النحاس و الفضة والذهب التي كانت تزخر بها المنطقة في السابق، بالإضافة إلى تنظيم سهرات فنية و ثقافية لربط جسور العلاقة بين المكان والإنسان، وبذلك فقط تصبح القصبة جوهرة الجزائر و مفخرتها عبر الأزمان.

توفيق بوقاعدة / الجزائر

مراجعة: حسن زنيند

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW