اكتسحت منتجات بريطانيا في القرن التاسع عشر أسواق العالم فكانت أسواق المستعمرات تفخر بأنها تبيع منتجا انكليزيا. ثم قررت بريطانيا أن تحارب المنتجات المهربة إليها من ألمانيا فوضعت عليها علامة "صنع في ألمانيا" احتقارا لها.
إعلان
عبارة Made in Germany الشهيرة لم تكن قصة نجاح، بل قصة تنافس أريد من خلالها تحقير المنتجات الألمانية، لترتفع إلى الصدارة المنتجات البريطانية. جرى ذلك في القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1887 حين أقدمت هيئة التجارة والأسواق البريطانية على وضع علامات واضحة تميز "المنتجات الأجنبية الرخيصة وسيئة النوعية" الواردة إلى أسواق بريطانيا عن المنتجات المحلية البريطانية الأصيلة الفاخرة. البضائع التي عنتها الهيئة كانت ألمانية، وهكذا ألزموا التجار الموردين الى المملكة المتحدة أن يضعوا عليها عبارة "صنع في ألمانيا" لتمييزها عن البضائع البريطانية "جيدة النوعية" حسبما أوردت الموسوعة الشعبية ويكيبيدا على صفحتها الانكليزية!
هذا الإجراء كان يسعى إلى حماية المنتجات البريطانية خاصة وأن أسواق المستعمرات كانت ترفد الاقتصاد البريطاني بموارد ضخمة من مبيعات تلك البضائع.
لكن عجلة الصناعة الألمانية نجحت في تحويل تلك العبارة التحقيرية الحمائية، إلى رمز التصق بجودة المنتجات الألمانية رغم عدم امتلاك ألمانيا لمستعمرات تسوّق لها منتجاتها. إلا أن هذه العبارة لم تعد بعد الحرب العالمية الثانية عبارة رسمية تميّز المنتجات الألمانية. وقد تعرض وضعها القانوني إلى تغييرات تتعلق بالتغيرات السياسية التي أثرت على جغرافية واقتصاد ألمانيا بعد الحرب.
ففي عام 1973 اصدر البوندستاغ (مجلس النواب الألماني) تشريعا نصّ على أن عبارة" صنع في ألمانيا" تمنع الناس من التمييز بوضوح بين الألمانيتين القائمتين آنذاك. وهكذا بات التعريف "صنع في ألمانيا الغربية" أو "صنع في ألمانيا الشرقية DDR ".
150 عاما على تأسيس بي.أي.أس.أف - عملاق الصناعات الكيميائية
تأسيس أعقبه هدم ثم إعادة بناء – تاريخ شركة بي.أي.أس.أف (BASF) الألمانية للصناعات الكميائية مليء بالأحداث، كما تتخلله فترات قاتمة. العملاق الألماني والأكبر عالميا ركز على المستقبل وعلى إيجاد حلول لعدة قضايا آنية.
صورة من: BASF SE
في قطاع الصناعات الكميائية تتصدر شركة بي.أي.أس.أف (BASF) الألمانية ترتيب الشركات على الصعيد العالمي من حيث أرباحها وحصتها في السوق، حيث بلغت قيمة معاملاتها العام الماضي 74,3 مليار يورو. كما توفر الشركة الألمانية فرص عمل لـ113 ألف شخص موزعين على 80 دولة.
صورة من: picture alliance/Fotoagentur Kunz
تم تأسيس الشركة في السادس من أبريل/نيسان عام 1985 على يد رجل الأعمال الألماني فريدريش إنغيلهورن. وفي البداية تركز نشاط الشركة على تزويد مدينة مانهايم، الواقعة جنوبي المانيا، بغاز الفحم.
صورة من: BASF SE
ثم بدأت الشركة في تنويع منتجاتها من خلال إنتاج مواد للتلوين وكذلك منتجات كيميائية أخرى لإنتاج ألوان القطران ومادة الأنيلين التي تستخدم لاستخراج اللون الأزرق الداكن.
صورة من: BASF SE
بعدها وفي بداية القرن العشرين أصبحت الشركة الألمانية وبفض أبحاث عالمي الكيمياء فريتس هابر وكارل بوش تنتج مادة الأمونياك صناعيا. هذه المادة مهمة لإنتاج السماد ولكن المفتجرات أيضا. وهكذا أنتجت بي.أي.أس.أف خلال الحرب العالمية الأولى المتفجرات والغازات السامة لاستخدامها في القتال.
صورة من: picture-alliance/dpa/Philipp Schulze
بيد أن تاريخ الشركة العريق تخلله فترة حالكة خلال فترة صعود النازيين في ألمانيا إلى الحكم، حيث كان يعمل لدى الشركة سجناء من مراكز الاعتقال النازية. ويظهر في الصورة معتقل في منطقة آوسشفيتس-مونوفيتس في بولندا. هنا كان يتم إنتاج غاز زيكلون بي، المخصص في الواقع للفتك بالحشرات، بيد أن النازيين استخدموه لقتل الملايين من الناس.
صورة من: picture-alliance/dpa
وفي مارس/آذار عام 1945 احتلت قوات التحالف مقر الشركة في مدينة لودفيغسهافن الألمانية والذي كان تعرض للتدمير تقريبا كليا تحت وابل القنابل التي ألقتها طائرات قوات التحالف. وقد صادرت قوات الاحتلال لألمانيا آنذاك ثروات الشركة.
صورة من: picture-alliance/dpa
وفي عام 1952 تفرعت الشركة الأم إلى 11 شركة أخرى، من بينها الشركة التي تعرف اليوم باسم بي.أي.أس.أف. وخلال السنوات التالية ركزت الشركة على إنتاج لدائن البلاستيك. وبمرور الأعوام قامت الشركة بتوسيع إنتاجها وبفتح مصانع جديدة في شتى أنحاء العالم.
صورة من: dapd
اليوم تتميز منتجات شركة بي.أي.أس.أف بالتنوع والتعدد، فإلى جانب صناعة الألوان ومواد الطلاء، يتم إنتاج عدة مواد صناعية أخرى إلى جانب الأدوية أيضا. وفي عام 2014 خصصت الشركة نحو مليار و800 مليون يورو لمشاريع البحث العلمي.
صورة من: BASF SE
بيد أن جزءا كبيرا من أرباح الشركة الألمانية تدره صناعة المواد الكيمائية التي تستخدم في قطاع البناء وصناعة الأدوية وصناعة السيارات والنسيج.
صورة من: BASF SE
ولزيادة المحاصل الزراعية، يقوم عدد من موظفي شركة بي.أي.أس.أف بعدة تجارب على نباتات مغيرة جينيا، مثلما هو الحال على نباتات السلجم (في الصورة) الغنية بالأحماض الدهنية أوميغا 3.
صورة من: BASF SE
كما تقوم شركة بي.أي.أس.أف باستخراج النفط والغاز في أوروبا وأمريكا الشمالية وشمال إفريقيا وروسيا وجنوب أمريكا وكذلك في الشرق الأوسط. كما تقوم مع شريكها الروسي غاز بروم في أوروبا بنقل وتخزين الغاز الطبيعي، حيث تمتلك الشركة الألمانية نصف أكبر خزانات الغاز الطبيعي في أوروبا.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Jaspersen
من الأمور غير المعروفة لدى الرأي العام أن بي.أي.أس.أف ليست فقط أكبر شركة للصناعات الكيميائية بل إنها أكبر تاجر للخمور في ألمانيا. ففي عام 2013 قامت الشركة ببيع 900 ألف قارورة خمر.
صورة من: picture-alliance/dpa
12 صورة1 | 12
بعد الوحدة الألمانية عام 1991، عادت بقوة عبارة "صنع في ألمانيا" إلى التداول، وبات كثيرون يرون فيها تعبيرا عن اعتزاز العالم بجودة وكفاءة المنتج الألماني.
ولكن في عام 1995، أقرت المحكمة الاتحادية العليا في شتوتغارت أنّ عبارة "صنع في ألمانيا" باتت مضلِلة للمستهلك، لأنّ المواد الأولية وبعض الأجزاء المصنعة باتت تأتي من خارج ألمانيا.
الجديد أنّ بداية الألفية الثالثة التي أرّخت ولادة عصر العولمة وحركة رؤوس الأموال وهجرة الاستثمارات العملاقة إلى المناطق ذات الموارد والأيدي العاملة الرخيصة قادت بمجملها إلى أن تصبح الصناعة الألمانية صناعة معولمة أسوة بكل الصناعات العملاقة عبر العالم. وهكذا بدأت الشركات الألمانية تستعمل عبارة "صنع في الصين" أو "صنع في فيتنام" أو " أجزاء هذا النسيج خيطت في الهند" وهكذا، فماذا بقى من عبارة صنع في ألمانيا؟
جواب ذلك هو مستوى ثقة المستهلك بالبضاعة الألمانية حتى إذا كانت منتجة في بلدان أخرى.