قضية إغتيال المبحوح تلقي بظلالها على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية
١٩ فبراير ٢٠١٠بموازاة مع إصدار الشرطة الدولية "الأنتربول" مذكرة لتعقب 11 شخصا، تريد شرطة إمارة دبي القبض عليهم، تسارعت ردود فعل العواصم الأوروبية المعنية بقضية جوازات السفر التي ذكرت شرطة دبي أنها تشبه بأن إسرائيليين استخدموها في تنفيذ عملية الاغتيال. فقد طلبت ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وايرلندا توضيحات من إسرائيل بصدد هذه القضية، التي باتت تثير اهتماما واسعا من قبل وسائل الإعلام الأوروبية، من جهتها خرجت إسرائيل عن صمتها الرسمي ونفت على لسان مسؤول كبير لوكالة الأنباء الفرنسية "أ.ف.ب" لم يكشف عن هويته، الاتهامات التي وجهتها شرطة دبي بوقوف جهاز الاستخبارات الإسرائيلي " الموساد" وراء اغتيال المبحوح.
و في حوار مع دويتشه فيله استبعد السفير السابق في برلين آفي بريمور مدير مركز هرتسيليه للدراسات الأوروبية أن تؤثر قضية اغتيال المبحوح سلبيا على العلاقات الإسرائيلية الأوروبية وأضاف أن "هذه الزوبعة ستهدأ خلال أيام"، من جهته يرى الصحافي الإسباني المتخصص في العلاقات الأوروبية الإسرائيلية انريكي ثربتو أن الدول الأوروبية تتعامل مع هذه القضية أساسا على مستوى علاقاتها الثنائية مع إسرائيل، أما على المستوى الأوروبي المشترك فيتوقع أن يصدر "موقف إدانة لاستخدام جوازات سفر بلدان أوروبية لكنه لن يكون قويا ولا مفتوحا ضد إسرائيل".
قلق أوروبي
واستنادا إلى شرطة دبي فإن الإحدى عشر شخصا المتهمين باغتيال المبحوح استخدموا ستة جوازات سفر بريطانية وثلاثة ايرلندية وجوازين ألماني وفرنسي. وقد ساهم نشر شرطة دبي والأنتربول لصور المبحوث عنهم الإحدى عشر في مضاعفة اهتمام وسائل الإعلام الأوروبية بتفاعلات هذه القضية التي أثارت أيضا ردود فعل وقلق حكومات الدول الأوروبية المعنية التي طلبت رسميا عبر القنوات الدبلوماسية توضيحات من إسرائيل رغم أن أي حكومة أوروبية لم توجه اتهامات لإسرائيل. وقد وصف وزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيله بأن توضيح ظروف موت المبحوح "أمر ملح" من جهته أعرب ديفيد ميليباند وزير الخارجية البريطاني عن أمله بأن تتعاون إسرائيل بشكل كامل في التحقيق بشأن ملابسات موت المبحوح.
وبرأي الصحافي ارنيكي ثربتو مدير مكتب صحيفة" ا بي سي " ABC الإسبانية في بروكسيل فإن استخدام جوازات سفر دول أعضاء في الإتحاد الأوروبي، يعتبر" مبدئيا مسألة وطنية ويعود لكل بلد على حدة تحديد الكيفية التي سيتصرف بها إزاء الموضوع، فالأمر مختلف بالنسبة لألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا". من جهته أوضح السفير الإسرائيلي السابق في برلين آفي بريمور انه ليس لديه معلومات بشأن من قام بالعملية، وهل كان وراءها إسرائيليون أم جهات أخرى، لكنه لاحظ أن "جميع أجهزة المخابرات تستخدم نفس الوسائل والطرق وهم يعرفون هذه المسائل ولكن لاعتبارات تتعلق بنوع من الأنانية فإن هذه الأمور توظف على مستوى الرأي العام الوطني".
قضية وطنية أم زوبعة عابرة؟
وحول مدى تأثير تفاعلات قضية استخدام جوازات سفر أوروبية على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، اعتبر السفير آفي بريمور أن الدول الأوروبية المعنية ستقوم ب"احتجاجات على استخدام جوازاتها سواء كانت جوازات حقيقية أم مزيفة، لأن الأمر في حال ثبوته يتعلق بنوع من المس بالكرامة والشرف الوطني" لكنه يعتقد أن ما نشهده حاليا من تفاعلات لهذه القضية هو بمثابة "زوبعة ستتلاشى بعد أيام" مستبعدا أن تكون لها "تأثيرات جدية على مستوى العلاقات الدبلوماسية".
بيد أن ردود الفعل الأوروبية التي ظهرت لحد الآن حملت معها علامات قلق من تفاعلات هذه القضية، وهو ما يعلق عليه السفير بريمور قائلا "هذه مسألة تتعلق بأساليب تستخدمها أجهزة الاستخبارات، وهذه الأجهزة لديها علاقات فيما بينها، وعندما يريدون التعبير عن الاحتجاج فهم يقومون بذلك عبر الإشارات".من جهته يرى الصحافي الإسباني الخبير في العلاقات الأوروبية الإسرائيلية بأن الدول الأوروبية المعنية تشعر بأن القضية لها "طابع وطني" وتسعى لمعالجتها على المستوى الثنائي مع إسرائيل، لكنه يعتقد أن الأمور "لن تذهب إلى مدى بعيد في هذا الصدد"، مشيرا بأن لكل بلد أوروبي سياسته الخاصة مع إسرائيل، من ناحية ثانية، قال ثربتو، إن الدول الأوروبية ستعمل على التوصل إلى موقف مشترك لإدانة استخدام جوزات السفر الأوروبية وفي هذه الحالة "لن يكون موقفا جذريا ولا مفتوحا ضد إسرائيل".
ورغم أن السفير بريمور والصحافي ثربتو يتفقان بأن تفاعلات قضية اغتيال المبحوح لن تكون لها تأثيرات "مهمة" على العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، فإنهما يختلفان في تقييم السياق الذي تأتي فيه هذه القضية بالنسبة لمسار العلاقات الأوروبية الإسرائيلية، فبينما يرى السفير بريمور بأن العلاقات الأوروبية الإسرائيلية "جيدة جدا" في المرحلة الحالية، يرى الصحافي الاسباني ثربتو غير ذلك ويرصد حالة "جمود في العلاقات بين الطرفين منذ حرب غزة وتجميد عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل" معتبرا أن " العلاقات لم تكن في أحسن أحوالها وليس منتظرا أن تكون بفعل قضية اغتيال المبحوح في حالة أسوأ مما هي عليه خلال هذه الفترة".
قضية المبحوح جاءت في وقت "حساس"
وعما إذا كانت الجهود المبذولة حاليا لتحريك عملية السلام في الشرق الأوسط ستتعرض بدورها لمزيد من الصعوبات نتيجة قضية اغتيال المبحوح، قلل السفير بريمور من هذا الأمر ملاحظا أن الدور الأوروبي برمته "متواضع وغير طموح في الشرق الأوسط، معتبرا أن العامل الأساسي الذي يمكن أن يحرك عملية السلام هو "تدخل أميركي جدي وقوي" ملاحظا أن هذا الدور" لم يتحقق في ظل إدارة الرئيس باراك أوباما الذي شكل لحد الآن خيبة أمل ويتعين الانتظار هل سيستعيد المبادرة أم أن الأمور ستظل على حالها" وأضاف بريمور أن "الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية ضعيفتان جدا وفي حالة ترهل ولا تجرؤان على الإقدام على مبادرات وتنازلات من شأنها أن تجعلها تفقد سلطتها.
من جهته يعتقد الصحافي الاسباني انريكي ثربتو أن توقيت قضية اغتيال المبحوح جاء في وقت "حساس ومؤثر بشكل سلبي" على فرص السلام في الشرق الأوسط، ملاحظا أن ميغيل انخيل موراتينوس وزير الخارجية الاسباني كان قبل أيام قليلة قد أعرب عن تفاؤله بوجود تطورات إيجابية في مسار السلام، وكان يشعر بثقة بأن بلاده ستساهم من خلال رئاستها للإتحاد الأوروبي في تحريك عملية السلام وعقد مؤتمر قمة أوروبي متوسطي يجمع إسرائيل مع الدول العربية الأعضاء في "الإتحاد من أجل المتوسط".
ويتفق الخبيران على أن الدور الأوروبي يظل محدودا في الشرق الأوسط لاعتبارات تتعلق بطبيعة السياسة الأوروبية "الحذرة" في هذا الملف، إضافة لتأثير التغييرات المؤسساتية التي حدثت في كيان الإتحاد الأوروبي مع بدء سريان معاهدة لشبونة،على أداء الإتحاد الأوروبي في مجال السياسة الخارجية.
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: حسن زنيند