هزّت جريمة اغتصاب وقتل الفتاة القاصر سوزانا الرأي العام الألماني، لتشعل الجدل المحتدم أصلا حول الهجرة واللاجئين. اليمين الشعبوي والمتطرف استغلا القضية لـ "شيطنة" اللاجئين وتحميلهم مسؤولية جرائم كانت تقع حتى قبل مجيئهم.
إعلان
صدمة جديدة تعيشها ألمانيا بعد الإعلان عن جريمة قتل واغتصاب لفتاة في الـ14 من العمر، كان وراءها طالب لجوء وذلك في ذروة الجدل المحتدم في البلاد حول اللاجئين وقانون جديد مرتقب للهجرة. والمشتبه به الرئيسي في الجريمة، التي وقعت حسب تأكيدات شركة فيسبادن في ليل 22/23 من أيار/ مايو، شاب عراقي (20 عاما)، اعترف أمام قاضية التحقيق بأنه اقترف جريمة القتل لكنه نفى أن يكون قد اغتصب الفتاة القاصر.
وكما هو معلوم فقد فرّ الشاب مع عائلته إلى العراق في الثاني من الشهر الجاري، وذلك بأسماء مختلفة عن تلك المسجلة في ألمانيا. وفي حوار مع DW عربية أوضحت والدته أنهم "انتظروا لغاية سحب مخصصاتهم المالية"، وبعدها أخذوا طائرة إلى أربيل.
"شيطنة" اللاجئين
تفاصيل كهذه زادت بالطبع من شحنة الغضب التي كانت بادية على وجوه المشاركين في مسيرات حزن وتضامن مع عائلة الضحية نظمت في مدينة ماينز مسقط رأس الفتاة القاصر. كما أنها باتت دليلا لا لبس فيه بالنسبة لمعارضي سياسة "الأبواب المفتوحة" للمستشارة ميركل، باعتبار أن اللاجئين "يستغلون" منظومة اللجوء وأن القانون الألماني "متساهل" جدا مع هؤلاء.
حوار DW مع والدة المشتبه به في قتل الفتاة الألمانية سوزانا
03:41
وعلى هذا الوتر بعينه، يواصل حزب "البديل" اليميني الشعبوي، أقوى كتلة معارضة في البرلمان الألماني (بوندستاغ)، عزفه على إيقاع لا يخلو من توجهات عنصرية، تشدد على "شيطنة" اللاجئين والتركيز على فشل حكومة ميركل في معالجة هذه الأزمة. وقد دعا هذا الحزب لمسيرة حزن بسبب قضية سوزانا بشعار "هذا يكفي!".
مقابل هذا المعسكر المتنامي، تجدد أصوات ديموقراطية عاقلة تضم ممثلين عن أحزاب الائتلاف الحاكم في برلين وأحزاب معارضة إضافة إلى منظمات المجتمع المدني، مطالبها بعدم وضع جماعات بأكملها تحت الشبهة العامة، وبمواجهة الخطاب الهادف إلى تقسيم المجتمع ونثر بذور الكراهية داخله.
وكانت شرطة فيسبادين أول من شدد على ذلك أثناء المؤتمر الصحفي الذي عقد الأسبوع الماضي للكشف عن تفاصيل هذه الجريمة البشعة، موضحة أنها ومن دون مساعدة أحد اللاجئين (13 عاما)، لم تكن الشرطة قادرة للكشف عن حقائق ما جرى في تلك الليلة المشؤومة وانتشال جثة الضحية من مكان الجريمة.
"صراع حضارات؟"
وفي حقيقة الأمر تعيد "قضية سوزانا" إلى الأذهان "قضية فرايبورغ" حين قام شاب أفغاني، وكما أقر أمام المحكمة، باغتصاب وتعذيب طالبة جامعية، قبل أن يرميها وهي فاقدة للوعي في النهر حيث لقيت مصرعها غرقا هناك. كذلك، "قضية كاندل"، هي الأخرى تدخل في هذا الإطار ويتابع فيها حاليا شاب أفغاني متهم بطعن فتاة في 15 من العمر بالسكين.
قتل سوزانا يصدم ألمانيا ويشعل النقاش حول اللاجئين
02:22
This browser does not support the video element.
سلسلة من القضايا باتت تعرب بالنسبة للبعض عن نموذج نمطي لجريمة بشعة، ضحيتها فتاة في مقتبل العمر، ومرتكبها شاب لاجئ أو طالب لجوء. من هذا المنطلق تحدثت رئيسة معهد الدراسات في شؤون الإسلام الدولي التابع لجامعة غوته بفرانكفورت مع موقع فوكوس الألماني، محذرة من جرائم لم تعد "فردية" وإنما "دليل" على وجود ما وصفته "صدام حضارات داخل ألمانيا".
وتتابع سوزانه شروتر الأستاذة في علم الأنثروبولوجيا بأن "المجتمع مطالب الآن بتطوير صياغة مفاهيم للتعامل مع رجال عنيفين متشبعين بالفكر الذكوري"، حسب تعبيرها.
هذا الطرح يعارضه بقوة نبيل يعقوب، الناشط في مجال حقوق الإنسان والمتحدث باسم مبادرة "مجلس الأجانب في ساكسونيا" التي تعنى بشؤون اللاجئين داخل الولاية. ويشير يعقوب إلى أن التاريخ البشري يوثق لحقيقة أنه وفي فترات الحروب، كان الجنود الذين عاشوا فترات طويلة دون حياة عائلية طبيعية أكثر ميولا إلى العنف وارتكاب الجرائم، وهذا ينطبق أيضا على ما يحدث اليوم، إذ إن "اللاجئين القادمين من مناطق حروب عانوا الكثير في ظل أنظمة مستبدة هربوا منها من أجل العيش الكريم".
"نحن بحاجة إلى أصوات عاقلة"
من جهة أخرى يؤكد الحقوقي يعقوب أن هذه الجرائم "مسجلة" حتى قبل دخول الأفواج الغفيرة من اللاجئين إلى ألمانيا في خريف 2015، فهي ليست حديثة ولم "تستورد" إلى ألمانيا عبر اللاجئين. وهذا "لا يعني أبدا" التقليل من حجم بشاعة "جريمة سوزانا" وغيرها والتي على مؤسسات الدولة وقوانينها مكافحتها ومعاقبة المسؤولين عنها، يستدرك عضو مجلس الأمناء السابق للمنظمة العربية لحقوق الإنسان.
وما يقوله هذا الناشط الحقوقي تؤكده الإحصائيات المقدمة من المكتب الفيديرالي لمكافحة الجريمة، التي تقول إنه في عام 2016 وحده، قُتلت 149 سيدة على يد زوجها، بينما نجت 208 سيدات أخريات من محاولة القتل. وهذا يعني أنه يوميا حاول رجل في ألمانيا قتل زوجته، وغالبية هؤلاء الرجال حاملين لجواز سفر ألماني ولهم بشرة "بيضاء" يضيف الموقع الإلكتروني لصحيفة الـ "taz" الألمانية.
الإشكالية المطروحة أنه سريعا ما يلحظ المتابع للصدى الذي تركته "قضية سوزانا"، أنه تم حصر اللاجئين أكثر فأكثر في خانة الدفاع عن النفس. والحل الوحيد أمامهم، يقول نبيل يعقوب هو الخروج لاكتشاف محيطهم الجديد والتعرف على خصوصيته والاستفادة من إيجابياته؛ فالاندماج عملية تنطلق أولا من اللاجئين أنفسهم، وبالطبع على الدولة التفاعل معهم وتوفير الظروف لنجاح المبادرة.
من جهة أخرى يحمل يعقوب الإعلام مسؤولية التركيز على جرائم لاجئين دون غيرهم، دون التطرق إلى تلك الممارسات العنصرية وجرائم اليمين المتطرف بحقهم. وفي هذا السياق يطالب الخبير في شؤون الهجرة الإعلام الألماني بعدم إعطاء مساحات هائلة لشخصيات عنصرية ومعادية للأجانب، وإنما تقديم صورة أكثر واقعية عن الاختلافات الإنسانية داخل المجتمع الألماني.
ألمانيا و"لاجئوها" ـ أبرز الأحداث منذ اعتداء زولينغن
أحيت ألمانيا الذكرى الـ 25 لاعتداء الحرق بمدينة زولينغن، الذي استهدف منزل عائلة ذات أصول تركية وأسفر عن مقتل خمسة من أفرادها وجرح أربعة. بيد أنه لم يكن الاعتداء الوحيد الذي شهدته ألمانيا في العقود الأخيرة ضد الأجانب.
صورة من: Imago/Tillmann Pressephotos
اعتداء زولينغن الرهيب
بحضور المستشارة ميركل ووزير الخارجية التركي، أحيت ألمانيا الذكرى 25 لاعتداء زولينغن الرهيب الذي راح ضحيته خمسة أشخاص من عائلة ذات أصول تركية وهم امرأتان وثلاث فتيات. ففي 29 من مايو/ أيار أضرم أربعة شبان النيران في منزل العائلة. وتبين فيما بعد أنهم على صلة باليمين المتطرف.
صورة من: dpa
نصب تذكاري
وتمّ تشييد نصب تذكاري في مكان الاعتداء كتبت عليه أسماء الضحايا. وبمنسبة الذكرى الـ25، اعتبر رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا أرمين لاشيت الاعتداء بأنه الأسوأ في تاريخ المدينة منذ الحرب العالمية الثانية كما حذّر وزير الخارجية الألماني هايكو ماس من خطر اليمين المتطرف في البلاد، مشددا أن "واجب الابقاء على ذكرى الضحايا (زولينغن) مسؤوليتنا جميعا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
مقتل شاب جزائري
في نهاية عام 1999 طارد عدد من الشبان المتطرفين أفارقة داخل مركز مدينة غوبين بولاية برادنبورغ بشرق البلاد. وأسفر ذلك عن مقتل شاب جزائري.
صورة من: picture-alliance/dpa/Patrick Pleul
قنبلة مسامير تنفجر في شارع الأتراك بكولونيا
في شارع كويبشتراسه بكولونيا (كولن)، الذي يسكنه عدد كبير من الأتراك، انفجرت قنبلة مسامير شديدة الانفجار أصابت 22 شخصا إصابات خطيرة. واستبعدت التحقيقات التي استمرت أزيد من عشر سنوات، في بادئ الأمر خلفيات عنصرية وراء الاعتداء ليتضح فيما بعد أن خلية "إن إس يو NSU" اليمينية المتطرفة هي من نفذته.
صورة من: DW/A. Grunau
خلية "إن إس يو"
كانت هذه الخلية تضم ثلاثة عناصر نفذوا إلى جانب اعتداء كولونيا اعتداءات أخرى في ألمانيا، ما أسفر عن مقتل تسعة أشخاص (أتراك ويونانيين) إضافة إلى شرطي ألماني. ومنذ خمس سنوات تتواصل جلسات محاكمة "بيآته تشيبه" العنصر الوحيد المتبقي على قيد الحياة ضمن المجموعة المتطرفة، غير أن الأخيرة تلوذ الصمت ولم تدل بأي معلومات حول عمل الخلية.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Kneffel
موظف يضرم النيران من مسكن للاجئين
في فبراير من 2015، قام موظف من مكتب الضرائب بإضرام النيران في منزل كان من المفترض أن يصبح منزلا لعائلة عراقية في مدينة إيشبورغ. وفي ذات السنة دخلت أمواج كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا، ورافق ذلك مجموعة من الاعتداءات على منازل وملاجئ للاجئين. في هذا العام وحده سجلت الشرطة أكثر من 1000 اعتداء بدواعي الكراهية ما بين إحراق واعتداءات جسدية وبمواد متفجرة. وللمقارنة سجل في العام الذي سبقه 200 اعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Heimken
خلية "فرايتال"
بين شهري تموز/ يوليو إلى تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2015، ظهرت خلية "فرايتال" التي ضمت ثمانية عناصر، نفذوا خمسة هجمات بعبوات متفجرة على نزل للاجئين ومعارضين سياسين لهم في مدينتي فرايتال ودريسدن. محكمة دريسدن صنفت الخلية على أنها إرهابية وأصدرت أحكاما تراحت ما بين 10 و11 عاما سجنا على أعضائها.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Kahnert
أرقام مقلقة في عام 2017
مدن كبامبارغ وغيرها، تحولت إلى مسرح لحلقات جديدة من سلسلة الاعتداءات ضد الأجانب. في عام 2017 سجل نحو 2200 اعتداء من هذا القبيل، وفق بيانات الشرطة غير أن منظمات حقوقية تشدد أن العدد أكبر بكثير من المعلن عنه.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
ظهور حركة "بيغيدا" المعادية للإسلام
في موازاة ذلك ومع موجة اللاجئين التي دخلت ألمانيا، ظهرت حركات اعتبرت نفسها أنها "تدافع" عن قيم المجتمع، فخرجت تظاهرات كل أسبوع في عدد من المدن خاصة شرق البلاد نظمتها حركات كـ"بيغيدا" وغيرها تنادي بـ "حماية البلاد من الأسلمة"، كما اتهمت هذه الحركات المستشارة ميركل بـ "خيانة" البلاد.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي
انبثق هذا الحزب عن حركة مناهضة لسياسية ميركل وأوروبا عموما لانقاذ اليورو واليونان المتخبط في أزمة الديون السيادية، إلا أن "البديل" سريعا ما وجد في موضوع اللاجئين ضالته لحشد الأصوات. ويتهم بأنه يذكي خطاب الكراهية والعنصرية ضد الأجانب، لكنه أيضا استطاع أن يصبح أقوى قوة معارضة في البوندستاغ إثر فوزه في الانتخابات الأخيرة بـ12,6 بالمائة من أصوات الناخبين.
صورة من: Getty Images/C. Koall
أصوات معارضة للبديل
في 27 من الشهر الجاري (أيار/ مايو 2018) نظم الحزب في برلين مظاهرة تطالب بتشديد سياسة اللجوء. وكان حزب البديل يأمل في مشاركة عشرات الآلاف، لكنه لم يحصل سوى على خمسة آلاف فقط. في حين شارك نحو 25 ألف شخص في المظاهرة الموازية والتي خرجت ضد هذا الحزب الشعبوي وأفكاره.
صورة من: DW/W. Glucroft
دريسدن تنتفض ضد التطرف
وكثيرة هي المظاهرات التي خرجت في السنوات الأخيرة ترفض وبوضوح الأفكار اليمينية المتطرفة وتدعم أسس الانفتاح داخل المجتمع. والصورة توثق لأكبر مظاهرة مناهضة للتطرف أقيمت في مدينة دريسدن التي اقترن اسمها مؤخرا باليمين المتطرف والشعبوي. وشارك في هذه المظاهرة المغني الشهير "كامبينو" إضافة إلى نجوم آخرين من عالم الفن والغناء.
صورة من: picture-alliance /dpa/A. Burgi
كراهية الأجانب "تطيح بأسس الدين المسيحي"
الكنيسة سواء الكاتوليكية أو الإنجيلية تبرأت من هذه الحركات واعتبرت أن الأفكار التي تروج لها "بيغيدا" وغيرها تحت ذريعة الحفاظ على الأسس الدينية للدولة، لا علاقة لها إطلاقا بالدين المسيحي الذي يدعو إلى التسامح. وازداد عدد الحالات التي قدمت فيها الكنيسية اللجوء الكنسي إلى لاجئين.