قلق بسبب ظاهرة العنف والإجرام بين الأحداث في الجزائر
١١ ديسمبر ٢٠١٢مريم، مصعب، ياسر، كلهم أطفال في عمر البراءة، قذفت بهم الظروف في سن مبكر إلى عالم الجريمة، فتحولوا إلى عناصر مهددة لأرواح والممتلكات. فمريم (16سنة) تتعاون مع عصابة لترويج المخدرات في العاصمة بعد أن فرت من بيت أمها المطلقة بسبب اكتشاف حملها من أحد الشباب. ومصعب (15 سنة) طعن زميله في المدرسة بخنجر بعد خلاف بينهما في ساحة المدرسة. أما ياسر فقد قام بإحراق منزل أمه عندما رفضت تزويده بالمال لشراء المخدرات التي يدمن عليها، وهو تلميذ في الإعدادية. إنها بعض الأمثلة التي تطالعنا الصحف عليها يوميا، وبذلك أصبح عنف الأطفال داخل البيت وفي المدرسة والشارع حديث الأسر الجزائرية، وتقول السيدة عقيلة (48 سنة) لـ DW: " لقد أصبحنا نخاف من أطفالنا بنفس درجة خوفنا عليهم".
خوف منهم وخوف عليهم
وتحدثت أخر الإحصائيات التي قدمتها الشرطة الجزائرية بشأن الجريمة خلال الأشهر العشرة الماضية عن 6000 جنحة مرتكبة من قبل أطفال. كما حذر تقرير لقيادة الدرك الوطني من ارتفاع نسبة الجريمة بين الأحداث. وتشير حصيلة 2011 إلى أن 80 في المائة من الجرائم المرتكبة التي حققت فيها فرق الدرك الوطني ارتبطت بأشخاص في عمر أقل من 18 سنة. من جهته كشف عبد الرحمن عرعار، رئيس شبكة "ندى" للدفاع عن حقوق الطفل في تصريحات إعلامية، أن أكثر من 11 ألف طفل يحالون سنويا على القضاء في الجزائر.
المحيط الأسروي وعلاقته بالعنف والإجرام
تؤكد زروقي هاجر، المساعدة النفسانية بالشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" أن للأسرة دورا مهما في تقرير النماذج السلوكية للطفل، فهي "الخلية الأساسية لتكوين شخصيته، وقد يكون هناك رابط بين توجهات الطفل الجانح ومحيطه الأسروي مثل افتراق الوالدين أو وجود فساد أخلاقي داخل الأسرة أو انعدام التواصل بين الأفراد وعدم الانشغال بما قد يتعرض إليه الطفل من عنف خلال السنوات الأولى من عمره " وتضيف زروقي ل DW„ الطفل في ظل هذه الأوضاع يصبح غير طبيعي، بحيث إنه يشعر بالحرمان وعدم الأمان فينتقل إلى الشارع، ليروح عن نفسه وهناك يبدأ في التعرف على الأفعال المؤدية إلى الإجرام"، وترى زميلتها في "شبكة ندى" السيدة إغلدان أنه بصرف النظر عن أهمية الأسرة بالنسبة للأطفال يجب التأكيد أيضا على أهمية المدرسة ودورها التربوي، مشيرة إلى أن سلوكيات بعض المعلمين أصبحت تشكل " دافعا لقيام الطفل بأعمال الانتقام أو إثبات ذاته أمام الزملاء بوسائل عنيفة" وتلاحظ السيدة إغلدان " إن الطفل الجزائري أصبح يعيش في محيط يروج للعنف، فالتلفزيون وقاعات ألعاب الفيديو وكذا الانترنت تدفع بالطفل لتقليد أبطالهم الذين يستعملون عادة العنف لتحقيق أهدافهم".
غياب القدوة الجيدة في البيت وفي المدرسة
وتعقب الخبيرة زروقي على موقف زميلتها إغلدان قائلة "إن غياب القدوة والأخلاق في الوسط العائلي أو في المدرسة قد يؤدي إلى جنوح الأحداث، فالطفل يصبح سيد نفسه ويتصرف كما يشاء دون وجود مقاومة في مواجهة سلوكه". وترى إغلدان أن سبب "تنازل الأسرة والمدرسة عن القيام بدورهما،كما يجب، يعود أساسا إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعيشها العديد من العائلات الجزائرية، والى عجزها عن إشباع حاجيات أبنائها، وهذا ما يوضح الترابط القائم بين الفقر والجريمة لدى العديد من الأطفال الجزائريين".
الطفل ضحية سنوات العنف
أما الباحث بجامعة الجزائر03، نصير سمارة، فإنه يرجع أسباب العنف لدى الأطفال في المجتمع الجزائري إلى مخلفات العشرية السوداء، حيث عاش الجزائريون أزمة أمنية صعبة أفرزت أزمات اقتصادية واجتماعية وأخلاقية بما في ذلك نهج الأطفال والأحداث للعنف والجريمة.
وترى المساعدة القانونية في "شبكة ندى" لحماية الأطفال الأستاذة رقباق نسرين "أن قانون العقوبات الجزائري يفصل بين الأحداث وجرائم البالغين، كما يحرص على التعامل مع الأحداث المنحرفين بنوع من اللطف عند تحديد المسؤولية الجنائية. وتضيف أن القانون لا يتعامل مع جريمة الطفل القاصر بشدة أو بصرامة، حيث لا تتم معاقبته إلى غاية سن الثالثة عشرة". وتضيف الأستاذة نسرين لـ DW " أما جرائم الأحداث الذين تجاوزوا سن الثالثة عشرة ولم يبلغوا سن الرشد فيتم الحكم عليهم بعقوبات مخففة، حسب نوعية الجريمة، مثل التوبيخ والتنبيه أو إرساله إلى مؤسسات خاصة بالأحداث بهدف المراقبة والحماية أو الحكم عليه بعقوبة مع وقف التنفيذ". وترى الأستاذة رقباق أن "منظومة القوانين الجزائرية تتطابق مع مختلف الاتفاقيات الدولية لحماية الطفولة، وهذا شيء جيد، كما تلاحظ، غير أن الواقع يحتاج إلى الجمع بين هذه الاتفاقيات والشركاء الفاعلين في حماية الطفل وذلك عن طريق التوعية والتفعيل القانوني والاجتماعي والنفسي.
وتعمل المصالح الأمنية من أجل تحقيق مبدأ حماية الطفل من الجريمة، حيث عمدت مصالح الشرطة إلى إنشاء 50 فرقة لحماية الطفولة على المستوى الوطني، يتجلى دورها الأساسي في وقاية الأطفال من الاستغلال أو التعدي الجسدي والحقوقي. كما عززت قيادة الدرك الوطني هذا العام فرقها ب 65 دركيا مختصا في الوساطة الاجتماعية وفي كيفية التعامل مع الأحداث للوقاية من مخاطر انحراف الأطفال وتجفيف منابع الجريمة بينهم.
شبكة ندى نموذجاً
ومن جانب أخر، تعمل بعض جمعيات المجتمع المدني المهتمة بالأطفال على تقديم العون القانوني والاجتماعي والنفسي للأحداث المهددين بالانحراف، حيث تقوم مثلا الشبكة الجزائرية للدفاع عن حقوق الطفل "ندى" بتعاون مع وزارة التربية والتضامن والأمن بمساعدة الأطفال وحمايتهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها، حيث خصصت رقما أخضر لاستقبال مكالمات الأطفال الذين هم في حاجة الى مساعدة ما.
توفيق بوقاعدة/ الجزائر