يستعد الناتو لإقرار زيادة كبيرة في إنفاقه، تحت ضغط من الرئيس دونالد ترامب، في قمّة تعقد على مدى يومين بلاهاي، في حين تتصاعد التوترات العالمية بين الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا والمواجهة الأخيرة بين إيران وإسرائيل.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل سفره لقمة الناتو في لاهاي (واشنطن، 24 يونيو 2025)صورة من: Chip Somodevilla/Getty Images
إعلان
من المتوقع أن تهيمن على قمة حلف شمال الأطلسي "الناتو" اليوم الثلاثاء (24 يونيو/ حزيران 2025) في لاهاي الهولندية، الضربات الأمريكية على إيران وإعلان ترامب وقف إطلاق النار بين الدولة العبرية والجمهورية الإسلامية، لكن الأمين العام للناتو مارك روته يأمل بألا يؤدي الوضع في الشرق الأوسط إلى صرف النظر عن مسائل أخرى مهمة في قمّة وصفها بـ"التاريخية". وستركّز القمّة على استرضاء دونالد ترامب بعد عودته إلى البيت الأبيض التي أثارت مخاوف حيال وضع الحلف القائم منذ سبعة عقود. ومن المتوقع أن يحضر الرئيس الأمريكي مساء الثلاثاء مأدبة عشاء بدعوة من ملك هولندا فيليم ألكسندر. وكانت الولايات المتحدة ترغب في أن يكتفي البيان النهائي بالإشارة إلى زيادة الهدف المرجوّ إلى 5 %، غير أن الأوروبيين أصرّوا على ذكر التهديد الروسي.
أوكرانيا خلاف متجدد بين ترامب والأوروبيين
قد تضطر أوكرانيا، ضيفة الشرف خلال قمّة العام الماضي، إلى خفض الصوت في ظلّ التحفّظات الأمريكية على المساعدات المقدّمة لها وتبدّل موقف واشنطن من أوروبا. وسيحضر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى لاهاي لكن ليس بصفة مشارك رسمي في الاجتماعات. وسيكون في ضيافة الملك مساء الثلاثاء حيث قد يتسنّى له التحدّث مع نظيره الأمريكي الذي تعذّر عليه لقاؤه الأسبوع الماضي خلال قمّة مجموعة السبع في كندا.
وزراء دفاع الناتو يقترحون زيادة جذرية في الإنفاق الدفاعي
02:30
This browser does not support the video element.
وأفاد مصدر رفيع في الرئاسة الأوكرانية عن لقاء بين الزعيمين الأربعاء على هامش القمّة. وقال المصدر إن "الفريقين يضعان اللمسات النهائية على التفاصيل"، مضيفا أن المحادثات مقررة "في وقت مبكر من بعد الظهر" وستركز على العقوبات بحقّ روسياوشراء كييف أسلحة من واشنطن. ومن المرتقب تخصيص فقرة في البيان الختامي لقمّة الناتو لأوكرانيا.
وسيعيد الحلفاء التأكيد على دعمهم لكييف الذي بلغ هذه السنة حوالى 35 مليار يورو، بحسب ما أعلن مارك روته الإثنين. غير أن دونالد ترامب قد يفجّر مفاجأة أيضا في قمّة الناتو، كما فعل وقت مغادرته اجتماع مجموعة السبع قبل اختتامه الأسبوع الماضي في كندا.
زيادة قياسية في لنفقات الدفاعية
ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، يطالب دونالد ترامب الدول الأوروبية وكندا العضو في الناتو بتخصيص 5 % على الأقلّ من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي. وعلى ضوء هذا المطلب، اتّفق الأعضاء الـ32 في الحلف على تسوية تقضي بتخصيص 3.5 % من ميزانياتهم للنفقات العسكرية البحت و1.5 للنفقات الأمنية بالإجمال، مثل الأمن السيبراني وتنقّل العسكر، وذلك بحلول 2035 بحيث يكون من الأسهل على الدول الأعضاء بلوغ هذا الهدف إذ إن هذه المصاريف عادة ما تكون مدرجة في حسابات الدولة أو مخطّط لها.
محطات تاريخية - أوروبا والسعي الدائم للخروج من العباءة الأمريكية!
بعد الحرب العالمية الثانية عملت أمريكا على تقديم مساعدات لأوروبا والحد من التوسع السوفيتي فوق أراضيها. لكن المتتبع للعلاقات عبر الأطلسي يجد أن الدول الأوروبية بدأت تنأى بمواقفها عن مواقف حليفتها واشنطن في ملفات كثيرة.
صورة من: picture alliance/C.Ohde
مشروع مارشال
لم تخرج أمريكا من الحرب العالمية الثانية بخسائر على عكس نظيرتها أوروبا التي فقدت الكثير على كل المستويات، ولهذا جاءت خطة مارشال بهدف إعادة بناء الاقتصاد الأوروبي عن طريق تقديم المساعدات. ويعود اسم المشروع إلى وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جورج مارشال الذي أطلق المشروع في حزيران/ يونيو 1947، أمام طلاب جامعة هارفرد. مشروع مارشال عُلقت عليه آمال مهمة، كتعزيز الاستقرار السياسي والسلام في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعاون يورو- أمريكي
شكل حلف الأطلسي خطوة مهمة في تاريخ العلاقات بين الجانبين الأوروبي والأمريكي. وقد اجتمعت القوتان في 1949 وأنشأت المنظمة تحت اسم "منظمة حلف شمال الأطلسي"، اختصارا "الناتو". وكان الهدف من المنظمة هو التصدي لخطر الاتحاد السوفيتي حينها. يشكل الناتو نظاماً للدفاع الجماعي، إذ تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل رداً على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.
صورة من: picture-alliance/akg-images
فرنسا تنسحب..
في 1966 انسحبت فرنسا من قيادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" ما شكل زلزالاً هز وحدة حلف الناتو في وقت مبكر من تاريخ قيامه، وذلك بسبب أزمة وقعت خلال فترة رئاسة شارل ديغول لفرنسا. وأحتج ديغول على الدور القوي الذي تقوم به الولايات المتحدة في المنظمة، وهو ما اعتبره علاقة خاصة بينها وبين المملكة المتحدة، قائلاً إن فرنسا تريد انتهاج خط مستقل عن الحلف وسياسة واشنطن.
صورة من: AFP/Getty Images
خطوة إلى الأمام
من بين المحاولات المهمة التي قامت بها دول الاتحاد الأوربي لتبتعد عن "وصاية" واشنطن، الشراكة الأورومتوسطية. إذ بدأت عام 1995 من خلال مؤتمر برشلونة الأورومتوسطي الذي اقترحته إسبانيا وقام الاتحاد الأوروبي بتنظيمه لتعزيز علاقاته مع البلدان المطلة على المتوسط في شمال أفريقيا وغرب آسيا. الشراكة لم تستمر طويلاً، إلا أنها وضعت أسس لعلاقات إقليمية جديدة، وشكلت نقطة تحول في العلاقات الأورومتوسطية.
صورة من: AP
رفض ومعارضة
في 2003، أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الألماني غيرهارد شرودر معارضتهما الشديدة لقرار أمريكا وحلفائها باحتلال العراق. شكل هذا الموقف لحظة قوية عبرت فيها الدولتان الأوربيتان الكبيرتان عن رفضهما سياسة "العم سام" في الشرق الأوسط. وقادتا الاتحاد الأوربي في هذا الاتجاه، حيث أعلن الاتحاد الأوربي معارضته مبدئياً للجوء للقوة، واشترط أن تتم أي عملية عسكرية بتفويض من مجلس الأمن.
صورة من: HECTOR MATA/AFP/Getty Images
اتفاقية "بيسكو"
في 2017، وقع 23 عضوا في الاتحاد الأوروبي على اتفاقية "بيسكو" الرامية لتعزيز التعاون بمجال الدفاع. وشكل توقيع هذه الاتفاقية أبرز خطوة أقدمت عليها دول الاتحاد في اتجاه تشكيل ذراع عسكري تتخلص بفضله من التبعية العسكرية للولايات المتحدة، وتعتمد عليه في تنفيذ سياستها وخصوصاً في منطقة حوض البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط وغيرها من مناطق الجوار الأوروبي.
صورة من: Reuters
الانسحاب من الاتفاق النووي
انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي الإيراني لاقى رفضاً من قبل الدول الأوروبية الثلاث الكبرى. ويشير هذا الرفض إلى سياسة الاتحاد الأوروبي الذي يسعى لنهج استراتيجية مستقلة عن واشنطن، خاصة وأن الاتفاق النووي واحد من أكثر الملفات الحساسة ليس فقط في الشرق الأوسط، وإنما في العالم بأسره.
صورة من: Imago/Ralph Peters
السفارة الأمريكية في القدس
رفضت دول من الاتحاد الأوروبي فتح السفارة الأمريكية في القدس. وكان هذا الرفض دليلاً على تزايد الاختلافات بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين، ما يدفعهم للسعي نحو الخروج من دارة "التبعية" لأمريكا. وكان عدد من وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد وصفوا نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس بـ "الخطوة غير الحكيمة التي قد تؤدي إلى تصعيد حدة التوتر".
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Yefimovich
ملفات أخرى...
ملف الشرق الأوسط ليس الجانب الوحيد الذي تبرز فيها رغبة أوروبا في فك من ارتباطها بأمريكا. ويمكن الوقوف عند آخر نقطة في الملف، حيث رفعت أمريكا الرسوم الجمركية على الحديد والألمنيوم. وتشكل هذه الرسوم الجمركية تحدياً كبيراً وضعه ترامب في طريق الأوروبيين. وكانت دول أوروبية قد طالبت بضرورة الحصول على إعفاء دائم من هذه الرسوم، إلا أن الأمر ما يزال عالقاً. إعداد: مريم مرغيش.
صورة من: Reuters/E. Vidal
9 صورة1 | 9
وحتّى لو كانت نسبة 3.5 % محدودة نسبيا في الميزانية غير أنها تقدّر بمئات المليارات من اليورو وتعدّ مجهودا إضافيا كبيرا لبلدان كثيرة يصعب عليها أصلا بلوغ هدف 2 % للنفقات العسكرية الذي حدّد خلال قمّة سابقة للحلف سنة 2014. من جهته، أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلده سيلتزم ببلوغ هدف 5 %. وأضاف "ينبغي لنا أن نبحر في زمن يخيّم عليه انعدام اليقين إلى أقصى الحدود، بمرونة وسرعة ورؤية واضحة للمصلحة الوطنية بغية ضمان أمن" السكان.
إعلان
برلين وباريس: على أوروبا أن تتسلح
في مقال مشترك نشر في "فاينانشل تايمز" مساء الإثنين، أقرّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس بأن أوروبا ينبغي أن تعيد التسلّح "ليس لأنه طُلب منا ذلك، بل لأننا أهل بصيرة وندين بذلك لمواطنينا". ووجّه الزعيمان الفرنسي والألماني رسالة إلى الرئيس الأميركي لإبقاء النزاع الدائر في أوكرانيا في صدارة جدول الأعمال، مع الإشارة إلى أن "المصدر الأساسي لانعدام الاستقرار في أوروبا يأتي من روسيا" ولا بدّ إذن من "زيادة الضغط" على موسكو "بما في ذلك من خلال عقوبات" بغية التوصّل إلى وقف لإطلاق النار مع كييف.
وقال كاميل غران من المجلس الأوروبي للشؤون الخارجية "إذا ما جرت القمّة على ما يرام تقريبا، فسيشكّل ذلك بذاته إنجازا". لكن "كثيرة هي علامات الاستفهام والمسائل غير المحسومة بعد"، بحسب غران الذي أشار إلى أن "العقدة الروسية الأوكرانية لن تحلّ في لاهاي بالرغم من أنها الدافع الأساسي وراء زيادة إنفاق الأوروبيين".