قمع أقلية الإيغور.. لماذا كل هذا الصمت "الإسلامي"؟
٢٩ نوفمبر ٢٠١٩من العادي جدًا أن تجد في أيّ مكان بالعالم السلع الصينية، حتى في الدول المتقدمة، فالتنين الصيني استطاع النفاذ إلى أقوى اقتصادات العالم، لكن في العالم الإسلامي، حيث تضعف المقاومة الاقتصادية المحلية، وحيثُ يصير المواطن يرتهن لما يُصنع في الصين، قد تجد الحكومات نفسها أمام ضرورة خلق علاقات قوية مع المارد الصيني، ومن ثمة تبدأ أول فصول فهم الصمت الإسلامي على تضييق بكين على أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينغيانغ.
ومع التسريبات الجديدة التي نشرها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين (ICIJ) حول قيام السلطات الصينية بعمليات "غسيل دماغ" لمئات الآلاف من المسلمين المعتقلين، تتضاعف الأسئلة حول صمت دول إسلامية، حتى منها التي رفعت صوتها بالدفاع عن قضايا دينية، في وقتٍ حظرت فيه واشنطن إصدارات تأشيرات لمسؤولين صينيين لهم صلة بعمليات الاعتقال، وطالبت فيه ألمانيا الأمم المتحدة بإجراء تحقيق أممي، ودعت فيه باريس بكين إلى "وقف عمليات الاعتقال الجماعي التسعفية وإغلاق المعسكرات".
إلّا أن التنديد لم يصل إلى حد وضع قرار للتصويت في مجلس الأمن أو إعلان قطيعة نهائية مع بكين. تَرّددٌ قد يُفهم منه تنامي النفوذ الصيني في العالم، ومن ذلك "طرق الحرير الجديدة" التي تشارك فيها 123 دولة من كل قارات العالم، فضلا عن قدرة التنين الصيني على بناء تحالفات مع قوى عالمية، ترتكز أساسًا على توفره على حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن.
دفاع عن الصين
في الثامن من يوليو/تموز 2019، وقعت 22 دولة، منها ألمانيا وفرنسا وسويسرا وبريطانيا واليابان وكندا، رسالة موجهة إلى مجلس حقوق الإنسان، انتقدت فيها الصين على سياساتها في إقليم شينغيانغ وطالبتها بوقف عمليات الاحتجاز الجماعي. ردت هذه الأخيرة بـ"توبيخ" الدول الموقعة واعتبرت الأمر تدخلًا في شؤونها الداخلية، وقالت لاحقًا إن معسكرات الاعتقال، هي مجرّد مراكز تعليم مهني، من أهدافها تعليم اللغة المندرينية، وإبعاد السكان عن التطرّف الديني.
غير أن رد الفعل الأبرز لم يأتِ من بكين، بل من 37 دولة، وجهت هي الأخرى رسالة إلى الأمم المتحدة لدعم الصين. كان أمرًا عاديًا ورود أسماء مثل كوريا الشمالية وروسيا والفلبين وكوبا، لكن المثير أن الرسالة حملت توقيع السعودية والجزائر وقطر والإمارات وسوريا وعمان والكويت والسودان والبحرين، كلها دافعت عن الصين التي "حققت إنجازات لافتة في مجال حقوق الإنسان، واتخذت إجراءات لمكافحة الإرهاب" حسب تعبيرهم.
سحبت قطر لاحقًا توقيعها رغبة منها في "الحفاظ على موقف محايد"، في حين دافعت الرياض عن موقفها، وقالت إن الرسالة "دعمت السياسات التنموية للصين فقط"، وأنه "لا يمكن أن تكون أيّ جهة قلقة على وضع المسلمين في العالم أكثر من السعودية". في حين وجهت الصين شكرها للدول التي دعمتها، ومنها الإمارات، خلال زيارة قام بها ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لبكين، صرّح فيها هذا الأخير أن بلاده "تثمن جهود الصين لحماية الأقليات العرقية"، وأن الإمارات مستعدة لـ"توجيه ضربة مشتركة للقوى الإرهابية المتطرّفة" إلى جانب الصين.
وحتى بالنسبة لإيران وتركيا، الدولتان المسلمتان القويتان اللتان كثيرًا ما خرجتا من المعسكر السعودي، فلا مواقف قوية منهما في هذا المجال. قد يكون الحال أفضل بالنسبة لأنقرة، التي قالت في فبراير/شباط، إن معاملة الصين للإيغور "عار على الإنسانية"، لكن موقفها صار أكثر لينًا عندما زار الرئيس رجب طيب أردوغان بكين بعد ذلك، صرّح لوسائل الإعلام أن هناك "جهات تحاول استثمار قضية الإيغور لزعزعة العلاقات التركية-الصينية".
أما إيران، فلم يأت منها يومًا اهتمام بقضية الإيغور، بل إن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، لم يثر هذا الموضوع خلال زيارته لبكين شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مشيدًا فقط بما اعتبره دورًا للصين في الحفاظ على السلم بالمنطقة.
ويربط رشيد أوراز، باحث اقتصادي بالمعهد المغربي لتحليل السياسات، مواقف جلّ الدول العربية والإسلامية بالمشاكل الداخلية التي تعيشها، وبالشلل الكبير للمنظمات الإقليمية كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، مشيرًا في تصريحات لـDW عربية إلى أن الأنظمة الإسلامية تحتاج إلى آليات لضبط مواطنيها، ولذلك تنسق غالبًا مع أنظمة سلطوية عالمية لهذا الغرض، وعلى رأسها الصين.
وفي السياق ذاته، يقول أدريان زينز، الخبير الألماني في الملف الصيني، إن "حكومات المنطقة الإسلامية في غالبها أوتوقراطية، وهي نفسها تنتهك حقوق الإنسان، ولا اهتمام لها بالقيم، وإنما ترغب فقط أن تحافظ على نفسها".
التنين الاقتصادي الصيني
تشكّل المصالح الاقتصادية سببًا وجيهًا لسفر الكثير من حكام المنطقة الإسلامية إلى الصين، فالسعودية هي أكبر شريك تجاري للصين في الشرق الأوسط، وقد بلغت قيمة التبادل التجاري بين البلدين 63.3 مليار دولار عام 2018، بارتفاع نسبته 26.7% عن العام السابق.
بينما تصل القيمة الحالية للتبادل التجاري غير النفطي بين الإمارات والصين إلى 43 مليار دولار، وبينها وبين تركيا إلى 26 مليار دولار، وبينها وبين إيران إلى 31.2 مليار دولار، في حين أضحت الصين مستثمرًا مهمًا في الجزائر، حيث فازت بالكثير من الصفقات العمومية.
غير أنه "ورغم الأهمية الكبيرة للمعاملات الاقتصادية، إلّا أن التبرير الاقتصادي يُعطى غالبًا لأجل التغطية على الفشل السياسي"، يقول رشيد أوراز، مشيرًا إلى الصين ليست قدرًا محتومًا على المنطقة الإسلامية، لأن هناك دولاً أخرى لديها المنتجات نفسها والفرق الوحيد هو الثمن، بل إن الاقتصاد الصيني القائم على التصدير، هو من يحتاج أكثر دول المنطقة، لأنها دول استيراد، والاستثناء الوحيد هو إيران التي تحتاج السوق الصيني لأجل تصريف البترول بسبب العقوبات الأمريكية، يضيف المحلل.
على ماذا تحتوي الوثائق المسربة؟
يتعلّق التسريب بإرشادات خاصة من الحزب الشيوعي الصيني، تشرح كيفية التعامل مع حوالي مليون سجين في معتقلات بإقليم شينغيانغ. حسب تقرير ICIJ، تطلق الصين على النزلاء اسم "طلاب"، ولا تسمح لهم بالخروج إلا لظروف قاهرة كالمرض، وتبقي عليهم في الاحتجاز سنة كاملة (لا تطبق دائمًا)، لكن يسمح لهم بالتواصل الهاتفي مع أسرهم وحتى التواصل بالفيديو من حين لآخر حتى تطمئن أسرهم عليهم، وهو المبدأ الذي كثيرا ما تمّ تجاهله حسب شهادات لسجناء سابقين.
تراقب السلطات سلوك المحتجزين عن طريق نظام بالنقاط، يقيّم مدى تحولهم الإيديولوجي، ومدى انضباطهم طوال مدة الاعتقال، وتضع إدارة المعتقل تعليمات صارمة لأجل دفعهم نحو "الطاعة". ورغم أن الإرشادات تتحدث عن ضرورة ضمان سلامتهم، إلّا أن عددًا من المعتقلين توّفوا في المعتقلات بسبب سوء الأحوال المعيشية وغياب العلاجات الطبية، فضلًا عن وجود حالات تعذيب واعتداء بالضرب واغتصاب وفق شهود عيان.
وتستخدم الصين نظامًا لجمع البيانات وللذكاء الاصطناعي لأجل اختيار الفئات المراد احتجازها. يعمل هذا النظام على جمع كميات كبيرة من البيانات الشخصية الخاصة، ومن ذلك طريقة استخدام الهاتف الذكي. كما تحمل الإرشادات المسرّبة توجيهات واضحة بالقبض على أفراد الإيغور الحاملين لجنسيات أجنبية، وتتبع الآخرين الذين يعيشون في الخارج، وبل والعمل على ترحيلهم إلى الصين باستخدام قنصليات البلاد وسفاراتها، حسب التقرير دائمًا.
الكاتب: إسماعيل عزام